![]() |
|
|||||||
« آخـــر الــمــواضــيــع »
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
|
مقال تحليلي مقدم بحوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية .
تقديم/ الطالبة : سلامة المطاوعة . السنة الدراسية : سنة سابعة (فصل الانصار) الفصل الدراسي الأول عام 1445هجرية . إشراف الأستاذة / ام علي بوحليقة حلم الامام الحسن(ع) الكمال الإنساني يتوقف على سلسلة من العوامل التي يجب أن تتخلق بها الذات ليصل صاحبها إلى الكمال ومن أهم الأمور التي يصل بها الإنسان إلى كماله الحلم وكظم الغيظ، وسرعان ما ينحدر الإنسان من كماله من خلال أنه لم يستطع أن يسيطر على الغضب، وبالتالي يهدم كل عمل يقوم به الإنسان، ولذلك نلاحظ أن العظماء لم يصلوا إلى الكمال إلا من خلال السيطرة على الغضب. أن كثيراً من الناس ينطلقون من خلال ردود الفعل أما الإنسان الكامل فهو ذلك الشخص الذي يتحكم بأعصابه وبنفسه ومن خلال هذه السيطرة يحلق في مراتب الكمال. النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل» الكافي 2: 302 وعنه (صلى الله عليه وآله): «من كف غضبه كف الله عنه غضبه يوم القيامة» مكارم الأخلاق: 350 وفي رواية: «كف عنه عذابه» عيون أخبار الرضا 1: 76. وعن الباقر (عليه السلام): «من كف غضبه ستر الله عورته» الكافي 2: 303. فالإنسان يحيط به الضعف والنقص من جميع جوانبه فإذا استطاع أن يسيطر على غضبه فإن الله يبدي محاسنه للآخرين، ويظهره بصفات الكمال. وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): «في التوراة مكتوب يا بن ادم اذكرني حين تغضب أذكرك حين غضبي» الكافي 2: 304. قال الإمام السجاد (عليه السلام): «الغضب مفتاح كل شر» الكافي 2: 303. الحِلْم وكظم الغيظ هما: ضبط النفس إزاء مثيرات الغصب، وهما من أشرف السجايا، وأعزّ الخصال، ودليلا سموّ النفس، وكرم الأخلاق، وسببا المودّة، والإعزاز. وقد مدَح اللّه الحُلَماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم في مُحكَم كتابه الكريم. فقال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان: 63). وقال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصّلت: 34 - 35 ) . وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134). وعلى هذا النسق جاءت توجيهات أهل البيت (عليهم السلام): قال الباقر (عليه السلام): (إنّ اللّه عزَّ وجل يحب الحييّ الحليم). الكافي الصفحة36 وسمع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلاً يشتم قنبراً، وقد رام قنبر أنْ يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين (عليه السلام): (مهلاً يا قنبر، دع شاتمك، مُهاناً، تُرضي الرحمن، وتُسخِط الشيطان، وتُعاقب عدوّك، فو الذي فلَق الحبّة وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخَط الشيطان بمثل الصمت، ولا عُوقِب الأحمق بمثل السكوت عنه) (1 وقال (عليه السلام): (أوّل عِوض الحليم مِن حلمه، أنّ الناس أنصاره على الجاهل). وقال الصادق (عليه السلام): (إذا وقع بين رجُلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلتَ وقلت، وأنت أهلٌ لما قلت، ستُجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما: صبَرت وحلمت، سيغفر اللّه لك، إنْ أتممت ذلك. قال: فإنْ ردَّ عليه ارتفَع الملَكان). للغضب آثار سلبيّة عديدة أبرزها: 1/ فقدان الصواب والحكم الصحيح: يفقد الإنسان حين الغضب عقله ويتحوّل إلى كائن غير متّزن التصرُّفات والحركات. 2/ الغضب خطر على الإيمان: إنّ الغضب يؤدّي إلى اضمحلال إيمان الشخص وتلاشيه، لأنّ الشخص الغاضب يرتكب الذنوب. 3/ فقدان الكلام الموزون: يُفسد الغضب منطق الإنسان وكلامه، ويقوده إلى التلفّظ بالباطل والكلمات غير المسؤولة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "شدّة الغضب تُغيّر المنطق وتقطع مادّة الحجّة، وتُفرِّق الفهم". 4/ ظهور العيوب: ويُظهر الغضب العيوب الخفيّة، كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس القرين الغضب يُبدي المعايب ويُدني الشرّ ويُباعد الخير". من أبرز الأمور التي تساهم في علاج الغضب 1/ القضاء على الأسباب: هناك جذور وأسباب للغضب، منها: الحسد والحقد، وحبّ الدنيا والجاه، والجهل والتسرُّع في الحكم، والتكبُّر والغرور إلى غير ذلك من الأسباب، فبالقضاء على هذه الأسباب يُمكن معالجة الغضب. 2/ تذكّر سلبيّات الغضب: تذكُّر مساوئ الغضب وأخطاره وآثاره، وأنّها تضر بالغاضب، أكثر من المغضوب عليه وفي المقابل أن يتذكّر حسن الحلم وعواقبه الحميدة، ويرجع إلى سيرة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين عليهم السلام، كيف كانوا يواجهون أخطاء الآخرين وإساءاتهم بحلم ورويّة، فيهتدي بهديهم، ويتأسّى بهم فهم الهداة إلى الكمال. 3/ ذكر الله تعالى: ومن الطرق المهمّة لعلاج الغضب ذكر الله تعالى، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، والسجود لله تعالى فقد ورد أنّ من ثارت فيه الحدّة عليه بقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وورد في رواية أن يقول: "لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم". وورد في رواية: "أن يضع خدّه على الأرض أو يسجد لله تعالى". 4/ تغيير حالة الإنسان: ففي الرواية: "كان النبيُّ إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غيظه". 5/ التبرّد بالماء: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا غضب أحدكم فليتوضّأ وليغتسل، فإنّ الغضب من النار". وعكس الغضب هو الحلم. وقد عرّف العلماء فضيلة الحلم بأنها حالة يظهر معها الوقار والثبات عند الأسباب المحركة للغضب، وعرفوه كذلك بأنه حبس النفس حتى تخضع لسلطان العقل، وتطمئن لما يأمرها به. فالحلم إذن هو ضبط النفس تجاه مسببات ومثيرات الغضب، والتحكم الإيجابي في الانفعالات الناتجة من حالة الغضب، وإخضاع قوتها الغضبية لسلطة العقل المفكر المدبر، وهذا هو مضمون الحلم، فعلى الرغم من أن الحليم قد سمع أو رأى أو علم ما يثير غضبه نراه متحلياً بالهدوء وضبط النفس. ولذلك اعتبر الإمام الحسن أن الحلم زينة يتزين به الإنسان، حيث قال: «اعلموا أن الحلم زينة". (كنز العمال: ج 16، ص 269) اشتهر الإمام الحسن بالحلم حتى لقب ب «حليم أهل البيت» لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب. ورغم ما عاناه الإمام الحسن من أعدائه الذين شنوا عليه حملات تشويه لشخصيته ومكانته، وما واجهه من أصحابه بعد صلحه مع معاوية من ألفاظ وأقوال غير لائقة أن يقال مثلها لإمام معصوم إلا أن حلمه قد أذهل الجميع. فهذا مروان بن الحكم المعروف بعدائه للإمام، يقر بأن حلمه يوازن الجبال.تقول نص الرواية: لَمّا ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السّلام: أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ. فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ. (مقاتل الطالبيّين: ص 76). كان الإمام الحسن بن علي آية في الحلم، وعظيم الأخلاق، وجميل تعامله حتى مع أعدائه؛ والشواهد كثيرة منها: 1/ أجزل له في العطاء وأعتقه: كان عبداً للإمام الحسن، وتعمد الإساءة للإمام، بهدف إدخال الهم والغم إلى قلبه، لكن الإمام يقابل تلك الإساءة بالإحسان إليه، فيعتقه ويجزل له في العطاء! إذ وجد الإمام الحسن شاة عنده قد كسرت رجلها فقال لغلامه: " من فعل هذا بها؟"- قال الغلام: أنا. قال الإمام: «لمَ ذلك؟» قال الغلام: لأجلب لك الهم! فتبسم الإمام وقال له: «لأسرنك، فأعتقه، وأجزل له في العطاء". (موسوعة سيرة أهل البيت: الإمام الحسن بن علي، الشيخ باقر شريف القرشي، ج 10، ص 100)» 2/ من حاقد إلى محب: فمن حلمه ما رواه المبرّد، وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلما فرغ، أقبل الحسن (ع) فسلّم عليه، وضحك ، فقال: ( أيّها الشيخ أظنّك غريباً ، ولعلّك شبّهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا أحملناك، وإنْ كنت جائعاً أشبعناك، وإنْ كنت عرياناً كسوناك، وإنْ كنت محتاجاً أغنيناك، وإنْ كنت طريداً آويناك، وإنْ كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعوَد عليك؛ لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً). فلمّا سمِع الرجل كلامه بكى، ثُمّ قال: أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه، اللّه أعلَم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق اللّه إليّ ، وحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أنْ ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم. البحار مجلّد 9 ص 95 كثير منا وللأسف يطلق لنفسه العنان أن تتحكم فيها القوى الغضبية بحيث تخرجها عن حد الاعتدال، فما تشعر إلا وقد ارتكبت أكبر حماقاتها على أقرب الناس لها، سواء كان في نطاق الأسرة، أو نطاق المجتمع وبعدها لا ينفع الندم ولا يمكن تعويض تلك الخسارة. من هنا يجب أن ينطلق الإنسان من صفة الحلم وكظم الغيظ في كل مراحل حياته ويحكِّم العقل وسيرى فضل الله. ولا يكفي أن يكظم الإنسان غضبه، بل لابد أن يعفو عمن أخطأ في حقه، ويسعى في إصلاحه، عندها يكون قد سيطر على نفسه وصيرها وفقاً لحكم العقل، جعلنا الله وإياكم من السائرين على هذه النهج المحمدي الأصيل. |
![]() |
|
|