![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام (الدرس الثالث عشر) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي المصطفى الصادق البار الأمين، حبيب الله ونجيبه وصفيه وخيرته من خلقه، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدين. بسم الله الرحمن الرحيم "وَقَالَ رَبُّكُمُ ظ±دغ،عُونِغŒغ¤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"(غافر: 60). صدق الله العلي العظيم الأدعية في مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام تفيض بعطاءاتها للمؤمنين الساعين إلى الكمال، والراغبين في تحقيق جميع رغباتهم الدنيوية والأخروية، سواء عبر طرق العلم والمعرفة والتفكر والنظر كما يذهب إلى ذلك الفنون الإسلامية كالفلسفة، أو عبر المناهج السلوكية والعرفانية. بحيث يجدون ثروة في هذا الطريق لا تنقطع لكي يصل الإنسان إلى أهدافه ومراده، بل إن عطاء النهج الذي فتحته مدرسة الدعاء عند أهل البيت عليهم الصلاة والسلام قد سبقت وتجاوزت المناهج التي اجتهد في رسمها العلماء وأهل التحقيق، وأهل العرفان أو السلوك. اليوم نتعرض إلى أحد الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، والتي توسع أبواب السير إلى الله عزّ وجلّ، الدعاء الذي نقله الشيخ الطوسي "قدس الله نفسه" عن مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، الذي أوصل إلينا هذا الدعاء عن طريق نائبه وسفيره محمد بن عثمان بن سعيد رضي الله عنه أنه قال: (ادع في كل يوم من أيام شهر رجب ...)، نعلم أنه قد خُصَّ رجب بعطاءات تؤهل الإنسان - إذا هو استسقى من هذه العطاءات - لسنته بل لعمره. وهذه الأدعية، وإن كانت خصوصياتها ومناسباتها أكثر وقعا في النفس في شهر رجب، إلا أنها كسائر الأدعية المستحبة التي وردت في أوقات أو ظروف معينة، فلا يقتصر استماعها وقراءتها في مورد دون مورد، بل هذا الدعاء يبسط معرفة وإدراكا وتغيرا في داخل الإنسان سواء بقراءته أم بالمعاني التي تبقى راسخة في ذهنه في كل عباداته، بمعنى أن هذا الدعاء ليس فتحا لحظيا آنيا للإنسان في لحظة الدعاء وإنما هو تغيير في طبيعة الإنسان في آفاق فكر ومعرفة ومشاعر الإنسان نفسه، في خطابه مع الله عزّ وجلّ، تمتد في جميع جوانب كيانه وحياته - إذا أحسن استثمار تغيير كيانه- سيجد أن كل منهجه العبادي سيتضاعف ويستمد عونا من هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرّك المستبشرون بأمرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك). ما ورثناه من أدعية رسول الله وأمير المؤمنين والصادقَين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي تعاليم لكيفية مخاطبة الله عزّ وجلّ، وتحريك نفوسنا لمناجاته. كذلك الدعاء يشير إلى معنى متميز، أننا نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقنا لأن ندعوه بمعاني ليست بين أيدينا، ولا نمتلك قدرة على تحققها في أنفسنا، ولكننا نأمل أن تكون تلك المعاني التي دعا بها آل بيت العصمة عليهم السلام نازلة على قلوبنا. نحن نعلم مسبقًا بأن هذه المعاني خارجة عن حدود إمكانياتنا، فنحن لسنا على درجة من المعرفة والإدراك الذي يمكننا تحقيق تلك المعاني، وبلوغ تلك الحالة المعنوية، وتلك الإدراكات العرفانية والدرجات غير المتناهية في الكمال، ولكننا نعيش الأمل أن نتقرب إليه بهذه المعاني، فهذه ليست فقط مجرد ألفاظ يمكن أن نستمع إليها ونقرأها ونرددها. نحن نقرّ أولا في هذه الفقرة من مبدأ الدعاء بأن هذه المعاني فوق إدراكنا، و حتى لو كنا نمتلك الوسيلة للنطق بألفاظها نعلم أننا غير قادرين على الرقي إلى مستوى معانيها، لكننا يا رب على أمل أن نتقرب إليك بهذه المعاني التي لا ندركها، (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك) - بين رسول الله وبين الله عزّ وجل معاني وخطابات ليس لنا طريق إليها. بين علي عليه السلام وبين الله عزّ وجلّ حالات فوق طاقتنا. بين الزهراء و بين الله عزّ وجلّ لحظات تعجز عن إدراكها أفهامنا. بين الحسن والحسين والأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لحظات لا تتحملها سعة وجودنا- بتلك المعاني التي كانت بينهم وبين الله تعالى نحن نتوسل ونتقرب إليك. هذه هي الفقره الأولى التي يجب أن نستعين بها على فهم هذا الدعاء. الفقرة الثانية والتي لا تقل صعوبة وإن اتسعت عطاءً عن الفقره الأولى، هناك تعريف بهذه المعاني التي لا نعرف ولا ندرك حقائقها، لم يبخل بها علينا بالتعرف إليها بأن تنفتح هذه القلوب عليها. الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف الذي أرادنا أن نتعرف على معالم هذه المعاني -التعرف على هذه المعاني في نفسه ربما يصل إلى حد الاستحالة في أنفسنا، نعم يمكن أن ندرك معالم هذه المعاني، ولكن هذا منهج في غاية الدقة- التعرف على المعاني نفسها غير ممكن بالنسبة لنا، ولكننا لو تتبعنا هؤلاء الدعاة لكانوا معالم لتعريف ولمعرفة هذا الدعاء على الأقل باستشعار أبعاد هذه المعاني التي كانوا يدعون بها. إذا كان لا يمكن التعريف بالشيء يمكن الإشارة إلى أصحابه. نحن نقرأ في كل يوم "اهدنا الصراط المستقيم"، كيف يعرِّفنا القرآن على الصراط المستقيم؟ لم يأت بصفات ومواصفات "الصراط المستقيم"، وإنما جاء بصفات أصحابه، ويمكننا أن نتخذ من التعرف على صفاتهم علامة و إشارة لمعرفته، فإذا كان من الصعب التعرف على الصراط المستقيم وإدراك واستيعاب صفاته، انظر إلى أصحاب الصراط حيث يقول تعالى: "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين"، هذه الصفات الثلاثة هي تعريف لأصحاب الصراط، ومنه تنفتح عقولنا وقلوبنا إلى أنهم أتباع منهج محمد وآل محمد، وأما الصراط المستقيم هم محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. (الصراط) الذي لا ندركه ولا نستطيع التعرف عليه هو حقيقة محمد وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام، و(الذين أنعمت عليهم) هم عباد الله الصالحين، وأولياءه الذين هداهم للسير على منهج محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. هذا الأسلوب -وهو التعريف بالشأن بواسطة التعريف على أصحاب الشأن- كما وجد في القرآن الكريم نجده في الدعاء أيضا، لا سبيل لنا إلى تلك المعاني ولكن صفات هؤلاء الذين هم أهل لها: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك - من هم ولاة أمرك ؟- المأمونون على سرك المستبشرون بأمرك الواصفون لقدرتك ..) هذه الصفات يحتاج كل منها أن نبذل تفكرا ونظرا. هذه الصفات لأهل هذا الدعاء وأهل تلك المعاني، تفتح لنا بابا لهذه المعاني، وهذا الدعاء من أقوى وسائل التوصل إلى أعلى درجات المعرفة عبر التعرف على أهل هذه المعرفة. (ولاة أمرك، المأمونون على سرك، المستبشرون بأمرك، الواصفون لقدرتك، المعلنون لعظمتك) خمس صفات لهؤلاء، و ما تلي من فقرات بعد هذه الصفات الخمس هي مزيد من التعرف على هؤلاء (أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان) في كل شيء من هذا الوجود آيات و مقامات الله عزّ وجل ظاهرة وجليّة، وهم كانوا السبيل، (فجعلتهم معادن) يعني مخازن فيض -المعادن في اللغة العربية ليس المقصود بها المادة، وإنما معدن الشيء هو المصدر الذي يوجد به هذا الشيء- فهم خزان و معادن و أركان توحيد الله وآياته و مقاماته عزّ وجلّ، وهذه المقامات هي ذات الله عزّ وجل (لا فرق بينك وبينها) لا فرق بينك وبين هذه المقامات التي ظهرت في هؤلاء العباد، فأسماء الله الحسنى وصفاته العليا تجلّت في محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين. وكما أن نور الله لا حدّ له، وفيضه وكرمه ورحمته وعطفه وحلمه لا حدّ لها، أظهر الله عزّ وجل هذا الكمال المطلق، وتجلّى في هذه المقامات في هذه الحياة، ولدفع ما يمكن أن يخطر في صفائح القلب أنه إذا كانوا مظهرا لكل التجليات الإلهية، ولردع هذه الظنون، ذكر: (إلا أنهم عبادك) إلا أنهم صلوات الله عليهم أجمعين عبادك، والعبودية لله عزّ وجل هي حقيقة ذاتية لا تقبل أن يُغفل عنها. نعم محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم مظهر كل الكمالات، وكل الكمالات منطلقة منه. نحن في هذا الوجود نعرف الرحمة والكرم والعطاء والفيض فيما نراه من هذا الوجود، لأن هناك مصدر لهذا الكرم وحقيقة ينبع منها هي نور محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، لكن مع هذه الكمالات لا ينفك و لا يمكن أن يتبدل حالهم من أنهم عليهم السلام (إلا أنهم عبادك وخلقك) و كل كمال و كل آية من آيات الله و كل مقام من مقامات الله عزّ وجل بهم يخرج إلى هذا الوجود، إلا أنهم في ذات الوقت ليسوا إلا عبادك وخلقك، مخلوقون مربوبون لك صلوات الله عليهم أجمعين. انصح أخواتي المؤمنات وبنياتي العزيزات بالتدبر في معاني أدعية أهل البيت عليهم السلام، ولعل هذا الدعاء الذي توقفنا عنده مما يرتقي بروح الإنسان وبمعرفته، نحمده ونشكره على ما منّ علينا باتّباع محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وعرّفنا ما وصل إلينا و ما علمونا عليهم الصلاة والسلام من أنحاء الدعاء والتقرب إليه، نسأله أن يبلغنا رسوخ هذه المعاني وثباتها، نسأل الله عزّ وجلّ بجاه محمد وآل محمد بما ظهر و نطق فيهم من مشيئته وقدرته أن يأخذ بأيدينا إلى السير بمنهجهم واتباع خطاهم، والأخذ بتعاليمهم وارشاداتهم لنبلغ إن شاء الله ما نتمناه ونرجوه و ما نصبوا إليه و تتطلع إليه نفوسنا من الرحمة والكمال، و أن ننال بذلك خير الدنيا والآخرة. أسأل الله أن يعجّل لمولانا صاحب العصر والزمان فرجا يفتح آفاقنا إلى حقيقة المعرفة بالله عزّ وجل، وأن يرفع به الشدائد والبلاءات التي أحاطت بنا والتي أوقعننا أنفسنا في هذه الأخطاء والتجاوزات من ضعف النفوس وضعف الإرادة، نسأل الله أن يرفع هذا البلاء عنّا وأن يفرج عن إخواننا وأحبابنا وعن المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يحشرنا في زمرة محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين وأن نكون من الناجين بشفاعتهم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|