![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ( الدرس العاشر) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين نجيب الله وصفيه وخيرته من خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدين. قال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِیۤ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِی سَیَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ" (غَافِرٍ: ٦٠) صدق الله العلي العظيم الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام هو مخ العبادة وجذرها، فالدعاء لله عزّ وجلّ هو أساسها ومادتها الكامنة في كل أجزائها. ما ورثناه من أدعية أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بأشكالها وبمختلف مقاصدها وطرق طرحها تمثل منهجا كاملا سالكا بالإنسان إلى ما يريده من الكمال. و قد أشرنا فيما سبق إلى عنصر الحركة، وهو تحديد هدف الإنسان في مسيرته، وأنه حينما يضع أهدافه و دوافعه و غرائزه بحسب النظم الصحيح الذي جُبلت عليه النفس والذي رسمت عليه خطوط حركة النفس الإنسانية، فسينطلق إلى كمال رغباته بكل أنواعها. ومنهجية الاستغفار هي منهجية التخلي وتجنب كل ما يصدر من الإنسان، وأثر تلك الأعمال التي أقدم عليها يتخلى عنها ويصبح نقيا صافيا لينطلق إلى بلوغ كل أمانيه. اليوم نتعرض إلى مسألة طالما نالت حيزا كبيرا وأساسيا في منهج السالكين إلى الله عزّ وجل و هي (الحب). هل إن هذه العبادات وهذا التقرب إلى الله عز وجل بمختلف الأشكال: صلاة، صيام ، طاعة، أعمال الخير، أعمال البر، النفع للمسلمين، النفع للمؤمنين، النفع لعامة الإنسانية بكل أشكال الأعمال التي يقدم عليها الإنسان. ما هو أثمن عنصر في عناصر الحركة؟ نحن إذا تتبعنا وبحثنا عما سار به السالكون وتوصلت إليه تجارب المخلصين الساعين إلى الكمال، ما هو السر الذي سار بهم؟ لا شك أن دوافع الإنسان إلى تلبية حاجاته و توفير أسباب سعادته من الأمن والسلامة والعافية والغنى والصحة، هي منطلقات ومدار رغباته، و لكن داخل هذه الرغبات حتى لو أضفنا لها العنصر الأسمى، وهو طريقة الوصول إلى تحقيق هذه الرغبات بتحديد الهدف الصحيح منها، وأن يتوسل إلى مصدر القوة و العطاء والفيض و الرحمة و الكرم. هناك سر في طبيعة هذه العلاقة التي تربطه بالله عزّ وجلّ، ولعلنا نستفيد في هذه المرحلة من تجارب المدارس العرفانية التي ارتكزت في مسيرتها إلى بواطن النفس، وعلى ماذا اعتمدت في تطهيرها وتصفيتها؟؟ حتى تتفتح أبصارنا لمعرفة أدعية أهل البيت عليهم السلام نستعين بما توصل إليه علماء العرفان والطريق والسلوك. يقول الشاعر: وقلت لرشدي والتنسك والتقى تخلّوا وما بيني وبين الهوى خلّوا المراكز الأساسية الثلاثة التي تشكل أركانا لبلوغ الكمال هي: أولا: الرشد أو النظر العقلي؛ أي أن ينظر الإنسان بعقله إلى وجوده، فيقرر كيف سيكون طريقه؟ من أين سيأخذ معالم تحقيق أهدافه؟ سعى في هذه الجهة أو في تلك الجهة.. بحث في هذا الاتجاه أو في الاتجاه الآخر .. وفّر له عقله جملة من حقائق الرشد وإعمال و استثمار العقل، ولا بدّ للإنسان أن يشرع في النظر والتفكر حتى يصل إلى حقائق الوجود، و ماهية هذا العالم.. ما هي حقيقة نفسه؟ ما هي رغباته الحقيقية؟ (و قلت لرشدي)، نجد أن العنصر الأول هو الرشد لأنه الأساس الذي قاد الإنسان للتمسك بالمنهج الذي جاء به الأنبياء والمرسلين من الله عزّ وجلّ. ثانيا: التنسك؛ أي التعبد. ثالثا: التقى؛ و هو الورع عما يعارض هذا المسير، كأن يمارس الإنسان أعمالا تعارض الحصول على رضوان الله عزّ وجلّ. فالذنوب و المعاصي كلها عبارة عن أشكال من الأمراض و البلاءات التي تحلّ في نفس الإنسان فتمنعه. لا نتصور أن الذنب هو مجرد عمل يقدم عليه الإنسان على خلاف الإرادة و الأحكام الإلهية، فيقع في ذنب يترتب عليه الحساب والعقاب في الآخرة، بل إن الذنوب أساسها ومنطلقها هي أنها حجاب عن الله عزّ وجلّ و مانع من السير إلى رضوانه، و مانع أيضا في نفس وجود الإنسان. إذن هذه الأركان الثلاثة: الرشد أي العقل، التنسك أي التعبد، والتقى أي البعد عن كل أشكال الانحراف والمعصية. لكن ما بال هذا الشاعر و ماذا يريد أن يقول؟ (و قلت لرشدي) أي المنهج العقلي الذي بنيت عليه طريقي إلى الحق، والتنسك والعبادات وأنواع العبادات، والتقوى تخلّوا واتركوني .. هناك شئ آخر في باطن هذه العناصر: وقلت لرشدي والتنسك والتقى تخلوا و ما بيني وبين الهوى خلوا (الحب) العقل والتعبد والتقوى في داخلها شيء هو حقيقتها، ما هو هذا الشيء الذي بدونه لا عقل ينفع ولا تنسك يشفع ولا تقوى تدفع؟ هذا هو (الحب)، الحاجة المطلقة إلى الله عزّ وجل التي تحدثنا عنها في الدرس ما قبل السابق، (إلهي أصبح ظلمي مستجيرا بعفوك وأصبحت ذنوبي مستجيرة بمغفرتك وأصبح خوفي مستجيرا بأمانك وأصبح فقري مستجيرا بغناك)، هذه الحاجة إلى الله عزّ وجل، هذه الطاقة المتفجرة داخل الإنسان إلى خالقة و ربه، هي حاجة داخلية في الإنسان إلى هذه الكمالات ينشأ منها الحب والتعلق القلبي والشوق والرغبة والأنس. هذا الهوى الذي يشير إليه الشاعر مالم يحل في المسيرة العقلية، ويحل داخل التعبد ومعاني العبادة ونتيجة للعبادة، وفي باطن التقوى فإن العقل والتنسك والتقوى تفقد جزءا كبيرا من معانيها. نحن نصلي ونقف بين يدي الله، ونصوم إلى الله عز وجل في أشهر الصيام، ونمارس أعمال الخير، وننطلق في الغالب من جوانب إيماننا بهذه الأعمال، لكن إذا تبصرنا وتتبعنا هذه النفوس و الرغبات، لوجدنا أن الحب حب الله عزّ وجل، الخشوع لله عزّ وجل، الخضوع بين يديه هو روح هذه العبادة و روح هذه التقوى. هكذا يقول الشاعر، وهكذا يبحث أهل السير والسلوك ، أن ينتهي عقلهم ورشدهم إلى الحب، وتسلك بهم العبادة إلى تنامي وتجذر هذا الحب في كيانهم، وإلى أن تزرع التقوى أشجار الحب والمحبة لله عزّ وجل، وطوبى لمن فاز و لو بجزء ضئيل و يسير من مشاعر المحبة لله عزّ وجل. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في الدعاء المنسوب إليه: (أسألك حبّك، وحب من يحبّك، وحب كل عمل يوصلني إلى قربك) أن تجعلك أحب إليّ مما سواك، وأن تجعل حبي إياك قائدا إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائدا عن عصيانك. الحب يحرك الإنسان ويدفعه لمنطلقات رغباته، وشعوره بالحاجة إلى مصدر القوة العظمى في هذا الوجود، مصدر الأمن، مصدر الغنى الأكمل في هذا العالم. (يا مَنْ اَنْوارُ قُدْسِهِ لِاَبْصارِ مُحِبّيهِ رائِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفيهِ شائِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقينَ، وَيا غايَةَ آمالِ الْمُحِبّينَ، اَسْاَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُني اِلى قُرْبِكَ، وَاَنْ تَجْعَلَكَ اَحَبَّ اِلَيَّ مِمّا سِواكَ، وَاَنْ تَجْعَلَ حُبّي اِيّاكَ قائِداً اِلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقي اِلَيْكَ ذائِداً عَنْ عِصْيانِكَ،يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ). نسأل الله أن نوفق لننال من حال المحبة لله عزّ وجل ما يسمو بنا عن انحرافات العقل وعن ضعف العبادة والبلوغ إلى كمالها وترسخ التقوى في قلوبنا. اللهم لا تخلنا من محبتك وفرغ قلوبنا للرغبة إليك والفوز برضوانك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد وفرّج عنا وعن إخواننا المؤمنين فرّج عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عجّل اللهم لوليّك النصر والعافية وارزقنا شفاعة محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين ولا تفرق بيننا وبينهم يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|