|| منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية ||  

العودة   || منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية || > || الأقسام الثقافية || > متابعات

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: على خطاها (آخر رد :ام يوسف)       :: المقاطعة تعاطف أم تكليف (آخر رد :ام يوسف)       :: اختبار فلسفة سادس ج١ الفصل الثاني ١٤٤١ه (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: ناقضة الغزل (آخر رد :ام يوسف)       :: طالب العلم وأمانة التبليغ (آخر رد :ام يوسف)       :: إنه الإنسان (آخر رد :ام يوسف)       :: أهمية تحصيل العلم (آخر رد :ام يوسف)       :: سيدة الوجود ...سر الوجود (آخر رد :ام يوسف)       :: نموذج اختبار فلسفة سادس الفصل الأول 1441هج (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: المدرسة القرانية تفسير موضوعي سنة سابعة (آخر رد :ام يوسف)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-03-2014, 04:17 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي تابع محاضرة (حكم الله يتجلى في زمن الغيبة بولاية الفقيه)

يبقى عندنا مسألة وهي اختلاف تعيين الولي في زمن المعصوم عنه في زمن الغيبة فالجعل في زمن حضور الإمام يكون بالعنوان الخاص ، فنرى الرسول يرفع يد علي ويعلنه وليا للمسلمين , أما في زمن الغيبة فهو تنصيب بالعنوان العام, أي بعناوين و شرائط عامة تحدد وتعين الولي الفقيه . يقول الشيخ السبحاني في كتاب معالم الحكومة الاسلامية : ( القاعدة الأصلية الرصينة في الفكر الإسلامي تفرض أن تكون حاكمية غير الله مستندة إلى حاكميته سبحانه وموضع رضاه تعالى ، فتكون إما منصوص عليها بالاسم والعين من جانبه تعالى و إما أن تكون موافقة للصفات والضوابط التي نص عليها الكتاب والسنة ، فلا يكفي في شرعية الحكومة والرئاسة مجرد انبثاقها من إرادة الشعب . . . ولذلك لا يمكن أن نصف الحكومة الإسلامية بأنها "حكومة الشعب على الشعب" بل هي "حكومة الله على الشعب" ) هذه الشرائط اعتنى بها الإسلام وحددها بدقة , كيف لا وهو قد حدد معايير من يشغل أدنى مرتبة في تبليغ الدين والإسلام وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة:111] هذه المواصفات هي مقدمات و مؤهلات لكي تحرز لنا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والحافظين لحدود الله الذين يعرفون حدود الشريعة, وكما وضع الإسلام شروطا للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر , فقد وضع شروطا لمن يتصدى لأمر الحكومة , ومن لا يمتلك هذه الصفات قلنا أنه طاغية ولا تجوز طاعته.

يقول الإمام الخميني (قده) : ( من الواضح أن الحكومة إذا لم تأخذ شرعيتها من الله ومن الشرع المقدس فإن جميع شؤونها ومؤسساتها وأكثر الأعمال المتعلقة بالقوى المقننة والقضائية والتنفيذية سيكون بلا مجوز شرعي ، فإذاً تكون أعمالها مجردة من الشرعية الإلهية فسوف تكون جميع شؤون هذه الدولة طاغوتية ومحرمة ) 2ويقول السيد كاظم الحائري في كتابه المرجعية والقيادة : ( يقام الحكم في النظام الإسلامي على أساس استمداد حق السيادة من الله تعالى ) .

ويقول الشيخ جعفر سبحاني في كتاب مفاهيم القرآن : ( فلا يجوز لأحد أن يتولى الحكومة إلا أن يكون مأذونا له ممن له الولاية الحقيقية وإلا أصبحت حكومته حكومة جور وعدوان ) لذا فحين انتخب الناس في إيران أبو الحسن بني صدر قال السيد الإمام : نصبته اليوم كما نصب أمير المؤمنين مالك الأشتر . فمشروعية تنصيبه ليست من أصوات الناخبين – وإن كانت قانونية - بل من إقرار الولي الفقيه . وهذه الشرعية انتفت حين عزله الإمام بعد أن ثبت فساده , ومن هنا تتضح حساسية صلاحيات الولي الفقيه فقد يتحول الإنسان في لحظة من منصّب من قبل جهة شرعي وعمله مقبول من الله سبحانه إلى مسلوب المشروعية .

هذه هي صلاحيات الولي الفقيه الممتدة من النبوة والإمامة . يقول الشهيد الصدر في كتاب الإسلام يقود الحياة ( ولم يكن الإمام الخميني في طرحه لشعار الجمهورية الإسلامية إلا استمرارا لدعوة الأنبياء و امتدادا لدور محمد وعلي عليهما السلام في إقامة حكم الله على الأرض ) فالأنبياء هم من قاموا بالمقدمات , وهم من أقنع الإنسانية بهذا المشروع, ثم جاء الإمام و استطاع أن يقتطف ثمرة جهودهم و جهادهم .

بعض الأدعية والآيات في ظل القيادة
هذا الاتصال بين القيادة والتوحيد يفسر لنا كثيرا من أقوال وأفعال وأدعية أهل البيت في أفق أوسع . من ذلك دعاء الإمام الكاظم عليه السلام الذي قرأه في سجن هارون ( وقد علمت أن أفضل زاد الراحل اليك عزم إرادة يختارك بها , وقد ناجاك بعزم الإرادة قلبي ) السيد الإمام يقرأ الدعاء في أفق الولاية فيقول : الله يقول ﴿.. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ..﴾ [البقرة: 197] الزاد للمسافر , والذي يرحل إلى الله وبيته وكعبته يتزود بالعبادة , لكن السفر إلى الله لا يقتصر على الذهاب إلى الكعبة بل يمكن أن يذهب الإنسان إلى السجن و يحوله إلى كعبة بعزم إرادته و بصيرورته الروحية . هذه الإرادة تجعله يترك الطاغوت و يختار الله . يقول أستاذنا الشيخ جوادي : لماذا هذا الدعاء في هذا المكان و هذا الوقت؟ هذا يعني أن اختيار الله لا يكون دائما بالصوم والصلاة والأعمال الباطنية فليس هناك انفكاك بين الشريعة وبين الطريقة , لذا يمكن الوصول لله في ضمن الإصرار على تطبيق حاكمية الله وعزم القلب في اختيار الله على الطواغيت وهذا ما فعله الإمام الكاظم باعتراضه على هارون الرشيد فحول السجن إلى كعبة , فكان السجن أشبه برحلة الحج .

كذلك يفسر السيد الإمام الخميني هذه الآية في شرح كتاب فصوص الحكم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ [المائدة: 66] الإمام يقول: هناك ارتباط بين إدارة الأمور وفق الشريعة الإلهية وبين الوصول إلى كنوز السموات و الأرض . إقامة حكم الله تجعل الناس يأكلون من تحت أرجلهم وهذا إشارة إلى الأشياء المادية ومن فوقهم أي من عالم الغيب إشارة إلى الأمور المعنوية , وقد ورد عندنا في الروايات تفسير الأكل بالعلم والمعرفة . الغرض أن مراد الإمام هو أنه لا يوجد انفكاك بين حاكمية الله و نزول هذه البركات المادية والمعنوية .

وكل هذا مأخوذ من مقوله الإمام الحسين عليه السلام ( لَو لم يَكُن في الدنيا مَلجَأ ولا مَأوىً لَمَا بَايَعتُ يَزيد ) وذلك لأن بيعة يزيد تجسيد للشرك بالله , ليس بمعنى الشرك الذي نفهمه بل بمعنى عدم حاكمية الله , فإذا اتسعت قيادة يزيد ونفذت في كل مكان ، ولم يبق مأوى إلا وفرض يزيد ولايته فيه , ولم يعد للإمام الحسين منطقة حرة آمنه لم تتمدد فيها دولة يزيد فهو (ع) لا يمكن أن يدخلها وسيقاوم حتى يقتل . و لا شك أن ما قام به الإمام (ع) هو محض التوحيد , فقد محض التوحيد محضاً و أثبت أن الحاكمية لله وحده .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

(1) جعفر السبحاني - الالهيات 76/2

(2) صحيفه نور 17/123
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12-03-2014, 04:21 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
Post مناقشة مختصرة لنظرية الشورى (8)

سيدا من السادة - 8
مناقشة مختصرة لنظرية الشورى

(اَللّـهُمَّ إنّي أشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ الْفائِزُ بِكَرامَتِكَ، أكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السادَةِ، وَقائِداً مِنَ الْقادَةِ، وَذائِداً مِنْ الْذادَةِ).

بعد أن استعرضنا أهم الأدلة الكلامية على ولاية الفقيه في زمن الغيبة لبداهة الدليل الأول وسهولته , وعلو مقام الدليل الثاني وأهميته , نستعرض الآن النظرية الثانية التي ربما تأتي في الأهمية -من حيث المدعى- كخيار بديل عن نظرية ولاية الفقيه , وهي نظرية الشورى .

ما هي نظرية الشورى؟
أصحاب هذه النظرية يقولون أننا لا نقبل بأن الشارع يرضى بالفوضى وعدم النظام في زمن الغيبة , ولا نقبل بأن الشارع قد ترك الناس مهملين، لكن ليس لدينا دليل على أن الموقف الشرعي ينحصر في مسألة ولاية الفقيه . لذا نحن نذهب إلى نظرية أخرى.

أدلة نظرية الشورى :

يستدل أصحاب هذه النظرية على مسألة الشورى بآيتين من القرآن هما قوله تعالى ﴿.. وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..﴾ [الشورى: 38] وقوله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 59].

الدليل في الآية الأولى/ أن الآية جاءت في مورد المدح للمجتمع الإسلامي , والجملة وأن كانت إخبارية لكنها تفيد الإنشاء. فعندما يمدح القرآن المؤمنين مثلا فهو يخبر عنهم بقوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1-2] هذا الإخبار والوصف يستبطن الإنشاء ويريد: كونوا في صلاتكم خاشعين. والأمر كذلك في الشورى , فحين يمدح القرآن المجتمع الإسلامي بأن أمرهم شورى بينهم فهو يدعوهم إلى اتخاذ هذا المنهج , خصوصا مع ضم الآية الثانية إليها ، التي تأمر صراحة بالمشورة (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).

الدليل في الآية الثانية/ أن لفظ الأمر يمكن أن يشمل كل شيء , فكلمة أمر تفيد العموم، وعندما يأمر الله سبحانه رسوله بمشاورة المسلمين في الأمر –مع إطلاق هذا الأمر- فهذا يعني شاورهم في كل الشؤون بما فيها أمور الحكومة والقيادة.

مناقشة الأدلة:

الأدلة السابقة تريد الوصول إلى عدم انحصار شكل الحكومة في زمن الغيبة بولاية الفقيه وتطرح نظرية الشورى , إلا أن هذه الأدلة لا تصمد أمام النقاش العلمي.

مناقشة الآية الأولى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)

إذا كانت الآية في مقام المدح والثناء على تركيبة المجتمع الإسلامي وأخلاقياتهم وأن أمرهم شورى فيما بينهم , فلنا أن نسأل: هل إن القيادة من أمرهم أو من أمر الله سبحانه وتعالى؟

والجواب: لقد أوردنا الأدلة في المحاضرات السابقة على أن شأن الولاية والحكومة ليس من شؤون الناس , بل من شؤون الله سبحانه وهي جعل إلهي من أمر الله ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾ [ص: 26]. وهناك فرق بين الأوامر التي تتعلق بالناس ، والأمور التي تتعلق بشأن الأفعال الإلهية.
ثم إن تعيين القيادة فعل الله سبحانه وتعالى، وهنا نسأل: هل يمكن أن يكون الأمر شورى في ما هو مختص بالله سبحانه؟

لقد أوردنا الأدلة -فيما سبق- على أن شأن الحكومة هو شأن إلهي ، بل إن الأمر ليس ذلك فحسب فحتى القيادة الخاصة في مسائل الحروب يعتبرها القرآن جعلا إلهيا , يقول سبحانه وتعالى عن حرب طالوت وجالوت ﴿.. إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا.. ﴾ [البقرة: 246] فمع أنها حرب مؤقتة لكن اختيار القيادة كان إلهيا , لأن القيادة من الأحكام الإلهية وزمامها بيد الله سبحانه وتعالى وليست من أمور الناس.

من جهة أخرى هناك قاعدة أصولية تقول: (لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية) ومعنى ذلك أن الشارع إذا أصدر أمرا وشككنا في انطباقه على المصداق فلا يجوز أن نتمسك بذلك الأمر.

ولنوضح بمثال، عندما يقول الشارع: توضأ بالماء الطاهر , فهذا أمر ، فإذا شككتَ في السائل الموجود في الخارج هل هو ماء أو ليس بماء فلا يجزي أن تتوضأ به . الوضوء بالماء الطاهر حكم عام لكن لا يمكن إجراؤه على مصداق مشتبه فيه.

الآية هنا تقول: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وهذا حكم عام، لكن مسألة الحكم والقيادة – مع افتراض عدم الأخذ بالأدلة الكلامية – هي مسألة نشك فيها هل هي من أمر الله أم من أمر الناس , فالمسألة فيها شبهة مصداقية , فلا يجوز أن نجري عليه الحكم العام المطلق في الآية.

مناقشة الآية الثانية:

1. ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159] بالنظر إلى سياق الآية سنلاحظ أنه لا يجري في سياق الحكومة , بل في سياق الحديث عن واقعة أحد , وتحدد هدف المشركين من هذه المعركة الذي يتمثل في القضاء على قيادة الدولة الإسلامية وتحكيه الآية ﴿مَا كَانَ لأَهل المَدينَة وَمَن حَولَهم مّنَ الأَعرَاب أَن يَتخلّفوا عَن رَّسول اللّه وَلاَ يَرغَبوا بأَنفسهم عَن نفسه﴾ [التوبة: 120] والسورة تتكلم عن أغراض حرب المشركين للمسلمين: الغرض الأول: القضاء على الدولة الإسلامية , والغرض الثاني: القضاء على قائد الدولة الإسلامية رسول الله صلى الله عليه وآله. في هذا السياق يكون الحديث عن الأمر ، فالآية في سياق الحديث عن الدولة الإسلامية والحاكم الإسلامي ، إذ لا يوجد أمر أهم من ذلك.

2. الآية في معرض الحديث عن أخلاقيات رسول الله (ص) وبيان شمولية رحمته بدليل أنها بدأت بالجار والمجرور الواقع في محل نصب المفعول والحال أن محله التأخير ، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ) والتقدير: لِنت لهم برحمة الله ، والغاية من التقديم تعظيم هذه الرحمة المحمدية التي تعد أكبر نعمة على وجه الأرض لذا تتقدم , فهي بعد أخلاقي من شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله.

3. الأمر بالشورى في الآية واقع في سياق مجموعة من الأوامر (فاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) ثم قال (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ﴾ وإذا افترضنا أن الأمر هو الحكومة فالآية تقر أن ذلك متوقف على عزم رسول الله لا على الشورى .

الشورى صفة من صفات القيادة
بعد مناقشة هذا الدليل واتضاح أن الأمر بالشورى في الحكومة ترده عدة أدلة لنا أن نتساءل: ما هو معنى الشورى هنا وما هو موقعها؟

الشورى هنا تعطينا خصوصيات القائد، خصوصا مع ما قلناه من أن هذه الآية نزلت في معركة أحد ، بعد أن فر المسلمون وتركوا رسول الله (ص) وحيدا فريدا ، الآية التي نزلت قبلها تقول ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ وأكبر كبيرة يمكن أن يقوم بها الإنسان هي أن يفر من الزحف ويترك رسول الله (ص) منفردا . الدفاع عن رسول الله أوجب من الدفاع عن الكعبة وأوجب من الدفاع عن الدولة الإسلامية لأنه لا تقام الدولة دونه.

جاءت الآية تبين لنا تعاليم القرآن لرسول الله في كيفية تعامله (ص) مع ذنب هؤلاء ، ودور هذا التعاطي النبوي في تنمية الاستعداد وترقية المجتمع.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ) لأنك فيض الرحمة الإلهية . والعفو هنا مقابل القصاص فهم كانوا يستحقون القصاص , ثم يقول (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) لتمحو الأثر التكويني لخطيئتهم , فالقصاص مجرد فعل قانوني لا يمحو الآثار التكوينية للخطيئة في نفس المجرم , لكن استغفار رسول الله (ص) يفعل ذلك . ولا شك أن هناك فرق بين استغفار رسول الله لنفسه واستغفار الإنسان لنفسه , فحين يستغفر لنفسه قد يقبل استغفاره وقد لا يقبل , لكن استغفار رسول الله يحقق المغفرة لا محالة لأن الآمر كامل والمأمور أيضا كامل .

وفي هذا السياق الذي يعالج به رسول الله خطيئة هؤلاء تقول الآية (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وهذه مرتبة ثالثة في العلاج تتمثل في إعادة بنائهم الاجتماعي , فمشاورتهم تعني إعطائهم موقعا ومكانة اجتماعية . لأن الخطيئة تسبب السقوط الاجتماعي بل حتى سقوط المذنب عند نفسه ، والشورى تعيد هذا البناء النفسي والاجتماعي للمجرم بعد العفو والاستغفار.

من هنا تبين أن أهمية الشورى ليست في أصل الحكم وانتخاب القائد، بل في بناء التركيبة الاجتماعية . وذلك لأن الشورى :

(1) تقرب بين الأفكار والقلوب .
(2) تعطي المستشار موقعية اجتماعية وتنفخ فيهم روح الإحساس بوجودهم وحضورهم .
(3) تحقق نوع من التحرز عن الوقوع في الدكتاتورية والاستبداد بالرأي .
(4) تعطي المستشار نوعا من السلامة النفسية واعتدال المزاج , وتخرجه من الفهم العرفي المحلي وتعطيه مهارة التعمق في قراءة الأمور.
(5) تعطي المستشارين نسبة من الاشتراك في القرارات التنفيذية الذي يجعل لهم نصيبا من تحقيق أي نصر أو إنجاز؟

إذن (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أي استخرج إمكانيات وطاقات كل واحد منهم , فأصل الكلمة في اللغة تستخدم في استخرج العسل , فإذا شاور رسول الله أصحابه فهو يستخرج عسلهم من حكمة و بصيرة ووعي ويكون رأيه (ص) ورأيهم نورا على نور .

إذن المشورة إبراز الاستعدادات و التمرين عليها وإعلاء سقف الفطنة والفهم ، وبناء هذا الاستعداد سببه رحمة رسول الله (ص) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ). ثم تقول الآية (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ). قبل شرح هذه الآية سأقرأ لكم بشكل سريع جداً صفات أحد القادة المعاصرين كما جاءت في دراسة لهذه الشخصية من قبل مركز دراسات لتحليل شخصيات القادة:

الصفة الأولى: المبادرة في سبيل الله لخلق الفرصة والخيارات للجهاد في سبيل الله. وهذه صفة مهمة جدا , فأغلب الناس ينتظرون من يخلق لهم فرصة ويضعهم في ظرف الإحساس بالمسؤولية أو أداء الدور.

الصفة الثانية: إظهار الشعائر الدينية. فرغم كون هذا الشخص قائدا عسكريا كبيرا ، لكن لو تطلب الأمر أن يقرأ النعي في مصيبة الحسين أو أن يفعل اي شيء في هذا المجال فهو حاضر وفعال وهذه هي الرسالية التي تعني أداء الدور الذي تحتاجه المرحلة .

الصفة الثالثة: اللين , حتى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيناقش الضالين بأسلوب فيه مزيج من الثقافة والذكاء والحب والدعابة حتى استطاع استقطاب خصومه فضلا عن محبيه.

الصفة الرابعة: الحزم والشدة والشجاعة في اتخاذ القرارات

في ضوء هذه الخصائص التي تجسدت في قيادة قريبة منا وفي أوساطنا دعونا نقرأ الآية (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) سنرى أن القيادة الناجحة في الحقيقة لا تنظر إلى أمر يردها عن عزمها , وإذا وصلت إلى الرأي فلا تتردد في إمضائه.

بعد هذا الاستعراض تبين أن الشورى ليست في معرض الحديث عن تعيين القيادة , بل هي سلوك قيادي يبني الأتباع , وصفة من صفات القائد الواقعي , وأن الآيات تتكلم عن أخلاق هذه القيادة ورحمتها وموقعها ، وهذا الذي كان يلمسه جميع المسلمين.
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12-03-2014, 04:22 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي صفات مجتمع الولاية(9)


سيّدا من السادة (9)
صفات مجتمع الولاية



بعد إقامة الدليل على ضرورة وجود القيادة في زمن الغيبة بطرح نظريتي ولاية الفقيه والشورى باعتبارهما النظريتان المعتمدتان في البحث العلمي؛ يضيف البعض نظرية شورى الفقهاء , وسنتناولها بشكل موجز :

ربما تسميتها (رؤية) أكثر دقة من تسميتها (نظرية). لأنها من جهة ولدت كرؤية بسبب حدوث بعض الملابسات الجديدة ، ومن جهة أخرى ليس لها عمق تاريخي كولاية الفقيه والشورى .

تنص نظرية شورى الفقهاء باختصار على أن لكل فقيه جامع للشرائط مقدارا من ممارسة القيادة . لكن أول ما يواجه هذه النظرية هو آلية تطبيقها . فعلى سبيل المثال في الجمهورية الإسلامية وحدها هناك أكثر من ألف مجتهد , فهل من الممكن أن يكون هناك مجلس لشورى المراجع !! ومن الذي سيكون صاحب الرأي الأخير. القائد يجب أن يكون مطاعا , وتكون له الكلمة الفصل , وقد مرّ بنا من خلال الطرح القرآني وما هو مرتكز عليه عند المتدينين -وخصوصا عندنا كشيعة– أنه لا يجتمع إمامان في مكان واحد -ونعني الإمامة بالمعنى الأعم- فالحسنان عليهما السلام – مثلا – كان كلاهما يمتلك كفاءة القيادة والكمال، مع ذلك كان الإمام هو الحسن والحسين مأموم .


الوصايا العملية المنتزعة من البحث
بعد البحث في القيادة ونظرياتها وصفات القائد لا بد من الوقوف على الطرف الآخر وهو المقود والمتّبِع فهناك مواصفات معينة تؤهل المجتمع للإمامة وفعلية الانقياد، وبها يمكن أن نسمي ذلك المجتمع (مُتّبِع). هذه الخصائص تؤهله ليكون وسطا بين الإمام وبين سائر الأمم الإنسانية ، التي بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها.


صفات المجتمع المنقاد (الموالي)
يصف الله المجتمع المنساق للقيادة (الموالي) بقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ...﴾ [التوبة: 71] فأهم مواصفات هذا المجتمع هي:

أولا الولاية:

توضح الآية أن ما يشكل عقيدة المؤمنين هو اعتقادهم بالولاية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ). والآية تتحدث عن ولاية وأمر ونهي وطاعة وانقياد، ولكن ليس بين القائد والأتباع، وإنما بين المؤمنين وبعضهم البعض. أي أن هناك ولاية طولية هي ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو المعصوم أو المجتهد الجامع للشرائط في زمن الغيبة ، ثم ولاية عرضيه بعضهم أولياء بعض, وممارسة هذه الولاية هي أشبه بالعبادة الجماعية، فمثلها مثل صلاة الجماعة المتقومة بركنين، الأول الحضور في الجماعة ، والثاني أداء الصلاة جماعة ، وعظمة ثواب صلاة الجماعة بسبب روح الانقياد الجماعي.

هذه الولاية تعني زوال كل ما هو قشر ظاهري كالذكورة والأنوثة, والفقر والغنى ... فقيمة الإنسان بإنسانيته وإيمانه واعتقاده , والمعيار والمدار هو الانقياد للتوحيد والقيادة الحقة.

والأصل في الولاية إنما هو آتٍ من ولاية المعصوم التي هي من ولاية الله سبحانه وتعالى وهي منقسمة إلى ثلاث مظاهر:

1- ولاية المحبة

أول علامات المؤمنين الذين قد حققوا فعلية الانتساب إلى ولاية الولي الحق المنصوب من قبل الله هي المحبة وإزالة الكراهة والبغض، وهي أول مرتبة من مراتب الولاية , وهي علاقة ساخنة تجمع الجميع وينسجم فيها الجميع لأن جوهر المحبة واحد ﴿... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ...﴾ [الحجرات: 7] الإيمان هو الجوهر الذي يجمعهم ويربطهم ويزينهم، وهو سر الانجذاب و التلاحم والمحبة فيما بينهم . وحين نقرأ في الدعاء " اللهم املأ قلبي حبا لك " فهو طلب أن لا يكون هناك فراغ لم يمتلئ بمحبة الله ، لأن أول آثاره ألا يحب من حوله من المؤمنين ولا يرى نفسه مسؤولا عنهم . هذا يعني أن قلبه لم يمتلئ بالتوحيد.

2- ولاية النصرة

لا يقوم مركّب المجتمع الموالي إلا بالتناصر ، أي أن يكون كلٌّ نصير للآخر ويكون بعضهم في عرض بعض، وبها تسقط كل المظاهر . وإنما كانت النصرة بعدا من أبعاد الولاية لأن طبيعة المجتمع الولائي هي الانقياد إلى الولاية، وللولاية مشروعها الكبير الذي يقتضي الدفاع عنه، ولذلك كانت المرحلة الثانية من الولاية هي مرحلة النصرة، وأي مجتمع يكثر فيه المحتاجون لنصرة مادية أو معنوية يجب أن يتأمل في مسألة صلاحيته للانقياد والولاية .

3- ولاية الحكومة

يعني أن يرضى ذلك المجتمع بولاية الأفضل والأجدر والأكفأ فيها , وهذا ثابت عندنا في الفقه , فإذا تولى الحاكم العادل وجب على جميع المسلمين طاعته سواء كانوا من مقلديه أم لم يكونوا , وإذا كان هناك حكومة عادلة فيجب أن يكون هناك ولاء لها ، ويكون الناس معنيين بالدفاع عنها , وهذا الانتماء ليس مدعاة ليعاب به الموالون لأنه ضمن مسألة عقائدية وليس له أي دخل بالوطنية.

الصفة الثانية من صفات المجتمع المنقاد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من المفترض أن يقوم جميع أفراد المجتمع المنقاد بهذه العبادة الجماعية، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومثلما أن لصلاة الجماعة روح ونفس جماعي فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك. المجتمع الموالي ينفر من المنكر من باب الحصانة والشعور بالمسؤولية ، وأي مجتمع يأنف من ممارسة هذه الوظيفة فهذا كاشف عن نقص في مقدار كأس الولاية عنده, وهو دلالة على أن هذا المجتمع لم تنتشر فيه روح الولاية , لأن روح الولاية تجعل الإنسان دائما يبحث عن الصيرورة إلى الأكمل ، و ميزة المجتمع الإيماني هي تأثير روح الفرد في صلاح المجتمع .

إن مبدأ الحركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوسط الاجتماعي هو كونها وظيفة اجتماعية متكاملة وليست فردية ليمكن حصرها على نحو الأمر والتأديب أو على نحو الرجاء والالتماس ، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع الإيماني هو وظيفة واجبة كالصلاة ، يؤديها العالم بعلمه والكاتب بكتابته والشاعر بشعره والمتمكن بإمكانياته مادية أو معنوية , وهذا المقدار من الشعور بالمسؤولية كاشف عن مقدار كبير من الصيرورة الروحية والعلمية , لأن المجتمع الذي لا يشخص المعروف والمنكر, ولا يعرف كيفية ممارسة وظيفته فكيف له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟

المجتمع الموالي مشغول بقراءة الواقع لكي يتمكن من تشخيص المعروف والمنكر , ولذلك يعزو المفسرون مجيء الفعل في الآية بالمضارعة (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إلى استمرار ذلك , لأنها ليست وظيفة مقطعية تؤدى في ظرف معين وتنتهي .

ثم إن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي وظيفة انتمائية , لأنها تتناغم والانتماء إلى التوحيد ، كما الولاية والإمامة اللتان هما امتداد للتوحيد و شأن من شؤونه ، ولا يمكن لإنسان أن يكون موحدا في آن وليس كذلك في آن آخر , وإنما يجب أن يكون الإنسان –عمليا- دائما في حال توحيد، و مظهر التوحيد و إفرازاته -إن صح التعبير- هي في تحمل المسؤولية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ذلك المشروع الكبير الذي يجب أن يُحفظ بما فيه من الإحساس بالمسؤولية.
إن قراءة المعروف والمنكر ومعرفتهما وتشخيصهما وتحديد حاجات المؤمنين وسدها ، ويجب أن يؤدى لينتهي المجتمع إلى الاتحاد في اللحمة والوحدة مقابل المنافقين الذين ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر والبعيدين عن الولاية.

الصفة الثالثة من صفات المجتمع المنقاد/ إقامة الصلاة:

إقامة الصلاة هي الفرق بين المؤمنين والمنافقين ﴿...نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ...﴾ [الحشر: 19] الصلاة معراج المؤمنين وانقطاعهم إلى الله تعالى , لكن الصلاة في سياق الآية ليس المراد بها صلاة الفرادى , وإنما هي وظيفة إقامة الصلاة جماعة ، التي نفذت فيها الروح الاجتماعية في معراجها.

فكما أن الاقتدار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقتدار علمي , فإن الحفاظ على اللحمة والوحدة دائما وما لها من آثار سياسية واجتماعية لا تتحقق إلا بإقامة الصلاة الجماعية، وهي وظيفة روحية.

يقول أستاذنا الشيخ الجوادي: لم يرد عندنا في القرآن (الذين يصلون) أو (صلوا) لأن هناك فرق بين إقامة الصلاة وبين الصلاة، فالصلاة عمود الدين وبها قوامه، وإذا كانت الصلاة غير قائمة وكانت مجرد ذكر يذكره الإنسان فإنها لن تخيف عدوا (1)، قيمة الصلاة في قوام المجتمع الإسلامي الذي يحفظ بصلاته كل آثار السيادة. وثمّة أمور تسلب الإنسان السيادة والقيادة كالغيبة والبهتان والكذب والنميمة والغش، تلك الأمور الأخلاقية التي نتعامل معها على أنها محرمات بسيطة بالإمكان أن نستغفر عنها، والحال أنها أول هادم لسيادة وقيادة أي مجتمع . فليست مشكلة المجتمع الأساسية مادية بل هي أخلاقية ، وقد شددت الروايات على مسألة الكذب والبهتان والغيبة والاستخفاف بها ، ولذلك ورد في الروايات استحباب أن يقوم المؤمن للمؤمن إذا أعطاه وأن ينظر إلى وجهه، وأنه إذا تلاقى المؤمنان فإن أقربهما إلى الله سبحانه وتعالى هو أكثرهما حبّا لأخيه. هذه الروايات ما جاءت لتعلمنا أصول التعامل الاجتماعي فحسب بل ليكون الواحد منا سيدا وليعلم أن غيره مثله كذلك له حرمته عند الله .

الصفة الرابعة من صفات المجتمع المنقاد/ إيتاء الزكاة

(وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فكل حياتهم وشيجة متداخلة (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). هذا القرب في كل جوانب حياتهم , أما في عملهم فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأما في عبادتهم فصلاتهم جماعية ، والصلاة هي التي تدفع هذه النقائص وتزيلها ، وأما في إمكانياتهم المادية فهم منسجمون ومتحدون وأموالهم لها جهة ولها مشروع تتجه باتجاهه.


المجتمع المنافق هو المعارض للقيادة :
في مقابل المجتمع الموالي هناك خصائص للمجتمع الساقط عن الاستعداد للقيادة ، والصف المعارض للقيادة الحقه وهو المجتمع المنافق . والنفاق في القرآن لا يطلق دائما على النفاق الأخلاقي بل غالبا ما يقصد به معارضة القيادة . وفي وصف ذلك المجتمع يقول تعالى ﴿ولا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54] فمن أبرز صفات المنافقين هي أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى , و ليس المقصود بالكسل هنا ما يقابل النشاط والرغبة في العبادة, لأن المنافق أصلا لا يعتقد بالله حتى يعيش حاله النشاط أحيانا وحالة الكسل الروحي أحيانا أخرى ، هذه الحالة تصيب المؤمن ، فهو مع العبادة في إقبال وإدبار , وهذه حالة طبيعية في المؤمن . ولكن المراد في الآية تفصيل لقوله ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: 13] لأن محركهم للصلاة الخوف منكم , ودافعهم هو أن يوهموا النبي والمسلمين أنهم داخل الدائرة الإسلامية لينالوا بعض المناصب والمصالح فهم مضطرون للالتزام بهذه القشور والظواهر ويأتون بها مرغمين .

إذن فأصل النفاق ومنشؤه هو عدم الانقياد والتسليم المطلق للقيادة الإلهية ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67] فبينما المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، نجد المنافقين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويخادعون الله ورسوله.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12-03-2014, 04:24 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي تابع ( صفات مجتمع الولاية )

المجتمع الموالي يتميز باتّباع القيادة:
يقول تعالى في سياق الحديث عن المجتمع الموالي: (وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ) وجود الطاعة والانقياد كاشف عن سلامة هذا المجتمع ، وكاشف عن أن هذا المجتمع وصل إلى صيرورة يستحق بها أن يوصف بالمجتمع الولائي , المجتمع المتّبع .

ما حدث في المجتمع الإسلامي وأدى إلى كثير من الكوارث وأوضحها كربلاء هو تمزق هذه الروح الجماعية وعدم الإحساس بالمسؤولية وعدم الشعور بتفاقم المنكر ووجوب الأمر بالمعروف، وهو الأمر الذي من أجله أراد الحسين صلوات الله عليه وعلى آله أن يرتق فتق المجتمع ، وأن يعيد فيه اللُحمة والمحبة والانسجام ، فكان أن جمع القلوب حول مصيبته كأنها سبيكة واحدة .


للامانة منقول من شبكة والفجر


تم البحث بحمد الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
1436, ام عباس, بحث, سيدا, قائدا


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.