حجابنا إلى أين ؟

[سعاد احمد القطيفي]

حجابنا إلى أين؟

في إحدى الايام الدراسية، قامت معلمة بتوزيع مجموعة من الحلوى على الطالبات، وهي على نوعين: بعضها كان بغلاف و البعض الآخر بدونه. وبعدما انتهت من توزيعها عليهن، وجدت ان جميع الطالبات قد أخذن الحلوى ذات الغلاف؛ فقالت لهن: لماذا لم تأخذن الحلوى التي ليس لها غلاف؟ فكان الجواب بكل تأكيد هو: لأن الحلوى التي ليس لها غلاف قد تكون مجرثمة أو وسخة، وبالتالي تضرنا!... فقالت المعلمة: هذه الحلوى مثلكن والغلاف مثل الحجاب، فالمرأة زهرة جميلة ..الكل يشتهي أن يقطفها، فلابد أن نحميها بالحجاب!…
هذه القصة على بساطتها، إلاّ أنها تبين لنا أهمية الحجاب للمرأة ؛ فهو الغلاف الذي يحميها من الأذى، كما الغلاف الجوي الذي يحمي الأرض فبدونه تتعرض الأرض للشهب والأشعة الضارة.
ولو تأملنا في جميع الأديان السماوية السابقة، بمافيها المسيحية واليهودية، لوجدنا أن الحجاب كان رمزًا للعفة والشرف، رمزٌ للمرأة الملتزمة بتعاليم دينها. كان العهد القديم وحتى العهد الجديد يحث على الحجاب ويمقت السفور، فقد ورد في العهد الجديد: " احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة ؟ "( رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس).
ومع بزوغ فجر الإسلام، جاءت آيات عدة تحث على الحجاب، منها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59].
وقوله تعالى﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ……﴾ إلى آخر الآية، وغيرها من الآيات التي تحث على الحجاب.
في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام وما بعدهم من العصور، كان التزام المرأة بالحجاب من المسلمات و البديهيات لكل مؤمنة، كان هو الشعار الديني والمنهجي لإسلامها، رمز الهوية الدينية لها. لكن مع طليعة القرن العشرين، وبسبب الإحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين، ومع بداية الثورة النسوية في مصر والإحتجاجات النسوية لخلع الحجاب، والتي كانت تتقدمهم هدى الشعراوي – التي خلعت حجابها على أعتاب ميدان التحرير في جموع من الناس و قامت بدهس حجابها بقدميها – وضع ذلك البنية التحتية لمرحلة من السفور والإنسلاخ عن الحجاب، والذي بدأ يجتاح بلاد المسلمين المحافظة، فصار الإنقلاب على بعض الأسس الدينية هي السمة الغالبة في تلك الدول. وفي عصرنا الحاضر ، عصر القابض على دينه كالقابض على جمرة، عصر التمدن والتحرر والإنفتاح السلبي، نرى هذا الإستهتار بالحجاب يطال شريحة واسعة من المسلمات، حتى انه وصل إلى الجسم الشيعي المحافظ؛ فنلاحظ بعض بناتنا المؤمنات من يستهين بقدسية الحجاب، فانتشر بينهن العباءات الملونة والتبرج وتمادوا إلى إظهار جزء من الشعر. وحتى مع تكثيف مشايخنا الأجلاء و المحاضرين جهودهم لتبيان أهمية الحجاب، والرجوع والعودة إلى التمسك بأسس وتعاليم الدين الحنيف -والتي من ضمنها الحجاب، والذي هو وسيلة للعتبير عن هوية هذا الدين، فضلاً عن دوره في صيانة وحفظ المرأة فهو الحصن الحصين من الأعين المتربصة- مع كل هذه الجهود المبذولة، إلّا أننا لانزال نرى ظاهرة الاستهانة بالحجاب موجودة.
ولنا في السيدة زينب عليها السلام أسوةٌ وقدوة، فقد كانت متمسكة بحجابها حتى في أشد الظروف قسوة، فقد عبرت بعد واقعة كربلاء عن لوعتها بهتك هذا الستر الشريف، والذي نستشفه من قولها عليها السلام ليزيد في مجلسه :"أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا؟؟ قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ وَيَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْغَائِبُ وَالشَّهِيدُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالدَّنِيُّ وَالرَّفِيعُ" مع العلم أن ما كان ظاهرًا منهن هو الوجه فقط ، إلّا أنها كانت تبدي الحسرة على ذلك.
إننا مالم نجعل ستر زينب ( ع ) قدوتنا، مالم نجعل تمسك السيدة زينب بالحجاب المادي والمعنوي،هو المنهاج الذي نسير عليه، فلن تبقى لمنظومة الأسرة السليمة باقية، على اعتبار أن المرأة هي المدرسة التي متى عدّت بشكل سليم، عُدّ مجتمعٍ طيب الأعراق.
وعلى هذا الأساس فمن الواجب علينا الرجوع إلى تعاليم الدين الحق، من الواجب علينا أن نستشعر حضور إمام زماننا ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )، وأنه ينظر إلينا بعين الحسرة إلى ما آل إليه حالنا، وأننا السبب في تأخير ظهوره بسوء أعمالنا. من الواجب علينا التمسك بدعائم الدين لنكون أهلًا للعيش في دولة صاحب العصر والزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ).
"اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ"
سعاد أحمد القطيفي
السبت / 30 – 3 – 1443هـ
الموافق / 6 – 11-2021م
حوزة بنت الهدى الدراسات الإسلاميية
كتاب ومضات
مجموعة من مقالات ومحاضرات ووثائق
سماحة أية الله العظمى الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر

[abeer abuhuliqa]

مقال جميل جدا بورك قلمكم
محتاجين مثل هذا الطرح الواعي

[ام علي أكبر]

سلمت يمينك
اللهم من على شبابنا بالحياء والعفة

[أم زينب]

سلمت أناملكم الرائعة عزيزتي
طرح رائع وسلسل وهادف