![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]()
بسم الله الرحمن الرحيم
الشهيد الصدر ومشروع بناء حضارة تقوم على مرتكزات إسلامية مقال الأستاذة العالمة الفاضلة أم عباس النمر نحن نعلم أنه في تأسيس أي حضارة بداية نحتاج إلى تأسيس نظري، ولا شك أن أي منهج حضاري يبدأ أولًا بالطرق السلمية لحل مشكلات الأمة المختلفة في كل الميادين، وهذا هو معنى الحضارة، فيجب أن تحل هذه الحكمة أولًا في الميادين المعرفية، ولا نبالغ إذا قلنا أن للشهيد الصدر الأول التواجد الاستثنائي لتحقيق هذا الهدف في المفاصل الأساسية لبناء حضارة إلهية تفوق ما قدمته كل العقول في المشرق والمغرب -بلا مبالغة على الأقل في حد علمنا- وذلك في حقول الفلسفة والاجتماع والاقتصاد، فنحن نعد الفلسفة كما تعرفون أم العلوم، وهي البناء التحتي الذي تبنى عليه سائر المجالات الأخرى من علم الاجتماع وضمنه الأخلاق وعلم الاقتصاد، وما إلى ذلك من علوم. وقد تفرد الشهيد الصدر ببيان ما تميزت به الفلسفة الإسلامية من واقعيات وعقليات، وهذا البيان قل نظيره بهذا الاستحكام المتماسك، فقد ناقش نقاط الضعف في المدارس الأخرى وأوضح فشل مبانيها المادية، وعجزها عن إيصال الإنسان لكماله الفطري، ومن أهم النقاط قوة في نتاجه -بحسب تقديري- والذي قلما يحظو به أي متن فلسفي، ألا وهي العمق والسلاسة في نفس الوقت مع الحفاظ على الأصالة والتطوير، فأنت تجد الشهيد الصدر في نفس الوقت الذي يتحدث ويصل بيديه إلى غور مباني الفلسفة الإسلامية، هو سلس وسهل، ولا تجد ذلك في أي كتاب فلسفي، بحيث إن أدنى مهتم بالفلسفة يفهم ما قاله الشهيد الصدر؛ لأنه كان يكتب للأمة كلها مظهرًا لباسط اليدين والكفين بالعطية كان معتمدًا في كل ذلك على البرهان الأرسطي الدائم السائد في الأذهان، وهو الدليل المعتمد في الاستدلال المنطقي الدارج الجاري، وإن كان قدس الله نفسه الزكية له منهجًا خاصًا في المنطق، ولكن كانت عبقريته العاطفية ورحمته بنفس درجة عمقه في علمه ومعرفته. حينما كانت مشكلة الإنسان لبناء حضارة إسلامية بعد ١٣٠٠ عامًا، كان لا بد من الدخول في الساحة الاقتصادية، وذلك بعد الدخول في الساحة الفلسفية؛ ليواكب بحسب التقدير تعقيداتها وتطويراتها وركامها السوقي والمصرفي والإنتاجي، قدم الشهيد الصدر مشروعه الكاشف عن أراء الإسلام في نظرياته وثوابته الإسلامية وكذلك في متغيراته، وكلها تواكب حاجة الإنسان المعاصر، ومع ذلك بيّن الويلات الكامنة في المدارس الليبرالية والاشتراكية التي كانت تصارع وتحاكم في ذلك الوقت الإسلام، هذه المدارس الليبرالية والاشتراكية ما لبثت بين يدّي الصدر أن تحولت إلى غدة سرطانية تحمل الظلم والانحلال وتفتت مركّب الإنسان السليم بالطبع الأولي، إن هذا النتاج جاء وسط ركامًا هائلًا من الشعارات البراقة التي تتنافس على الطاقة البشرية ومواقع القرار، ونحن نعلم أن أغلب قاصري النظر تجرفهم الشعارات خصوصًا في المجال الثقافي والاقتصادي، مع أن هذه النظريات الاقتصادية غير الإلهية تحول الإنسان إلى مستهلك، وإلى أداة مُسخرة لإنتاج الرأسمالي، أو لا أقل لحزب معين، و لكن ضرب الشهيد الصدر بيده ليخرج قيحها وأمراضها، من ذا كان يقدر على ذلك غير أبي جعفر "قدس الله سره"، هذه النظريات كلها كانت قائمة على سلب الإنسان لكرامته يُسخر فيها الإنسان بشكل غير محسوس إما للدولة أو للثروات أو لمصادر القرار التي بيدها الإنتاج ورؤوس الأموال، وهذا يعاكس تمامًا ما خلق الله سبحانه وتعالى كل الموجودات خدمة الإنسان وكرامته وعزته الواقعية، وهذا ما كشف عنه الشهيد الصدر في كتابه (اقتصادنا)، وإن كان الشهيد الصدر يرى أن بين (فلسفتنا) و (اقتصادنا) هناك حلقة مهمة وهي مجتمعنا، فهي التي تكمل هذا المشروع الحضاري، طبق النظرية بشكل منطقي ودقي وإلهي، فمشروع مجتمعنا هي الحلقة الثانية التي تتوسط بين فلسفتنا واقتصادنا؛ لأن العقائد الثابتة والفلسفة الإلهية تبنى عليها مباني فوقية تدريجية، وهي التي تصلح أن يؤسس عليها منظومة اقتصادية متراصة معها، ولإن الشهيد الصدر كان يتسم بالليونة وبالاستجابة لحاجة الأمة -كما ذكر هو نفسه في أوائل كتاب (اقتصادنا) وكتاب (البنك اللاربوي) هذا المعنى- فحاجة الأمة الملحة لكتاب يحل مشكلتها الاقتصادية دعاه للاستجابة إلى طلبها، وهذا من خلقه الكريم، ومع عدم كتابة الشهيد الصدر لمشروعه كما كان يرغب ويرى. أيضا نجده كسر قفل التفكير البشري القائم على حاكمية النظام الأرسطي في التفكير الفلسفي الإسلامي، وكلنا الآن ندرس الفلسفة بناء على النظام الأرسطي، ولكنه كسر هذا النظام بكتابه المذهل للعقول منطق الاستقراء. عندما نريد أن نتحدث عن نتاج الشهيد الصدر الحضاري والفكري، فإننا سوف نغرق في الكثير من المباني التي نعجز أن ندركها فضلاً عن بيانها؛ لذا انتقل إلى الحديث عن مشروع الشهيد الصدر من التنظير إلى العمل، انتقل الشهيد الصدر من مرحلة التنظير لمشروع حضاري إلهي إلى مرحلة العمل الجاد بكل ما أوتي من قوة لدعم مشروع بناء الدولة الإلهية العادلة في كل مفاصلها، فبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران دخل الشهيد الصدر مرحلة جديدة، لريادة جديدة لانظير ولا مثيل لها، وذلك بتأليف مجموعة من الكتابات التطبيقية التي تساهم في إزاحة كل العقبات أمام المشروع الفعلي لهذه الدولة الإسلامية؛ لأنه كان ينظر إلى هذه التجربة بأنها تمثل حلم الأنبياء كما قال، وكان هو الحامي لهذه الثورة الإسلامية في العراق، وفي حوزة النجف بالذات بقلمه وتأليفاته، وبمواقفه التي يعجز العقل عن وصف ما تحمل في داخله من عناصر أخلاقية وفدائية وعقائدية وعبقرية وروحية هائلة، فأنت حينما تسمع أو تقرأ للشهيد الصدر وهو يتحدث عن نجاح هذه الثورة وموقفه منها تحسه يحمل بين جوانحه روحًا متوهجة ونورًا وعشقًا وحبًا وولاءً منقطع النظير للإسلام، فهو مع مرجعيته العظمى وعبقريته الفذة يقول بكل تواضع: "إنني أتمنى أن أكون كاتبًا لعمود في جريدة مؤيدة لهذه الثورة"، لم تكن هذه العبارات صرف أمنية، ومن عَرَف الشهيد الصدر يَعْرِف أنه بحق يمثل جده أمير المؤمنين الذي يعرف الإيمان أنه ليس بالتمني، ويعرف أن الإيمان بالله لا ينال بالتزين والزيف والتمني والترجي والألقاب، وإننا لنستغرب لهذه الروح الطاهرة عن كل شوب، كيف تعطي كل ما عندها من إمكانيات وتؤثر مكانتها وموقعها وتاريخها ونتاجها وتقول: "ذوبوا في الخميني كما ذاب في الإسلام"؟! وللشهيد الصدر إنتاجه الفريد من الأصول والتاريخ ومن سيرة أهل البيت، ومن المرجعية والوجاهة وكل ما تريدون، فكيف يضع كل ما يمتلكه في هذه الجيب، أو في هذه الخزانة؟! و لكن إذا قرأنا الصدر منذ كان طفلاً وليدًا لم يكن أمامه معوقات ولا موانع ولا حجب تمنعه عن انكشاف الوجه، وعن رؤية الوجه الناصع الحقيقي للإسلام، فلا مسافة بين ما يتبنى و بين ما يفعل، هو هو، يكون حيث يريد الله أن يكون، فبدأت حرارة الدم الرباني تفور وتغلي في عروقه وفي فكره ومواقفه، وترتفع يومًا بعد يوم، أو قولوا آنًا بعد آن، أو قولوا بلا آنات، ترتفع فيه حمى حب الله سبحانه وتعالى، و تغلي فيه كالنار في المرجل، اِسمع له وهو يتحدث في التسجيل المتوفر في حديثه حول حب الله وحب الدنيا، يترامش روحًا، حضارياً، إلهيًا، ماثلاً للعيان، ولا أبالغ في أن أقول مشروعًا نبويًا، كاشفًا عن صدره بلا درع ولا حجاب، غارقًا في عبودية ربه، سابحًا سائحًا في عرفانٍ لا تشوبه الطقوس والأوهام والأماني والخيالات أمام ذلك الطغيان النادر، أمام ذلك البعث الذي لا يتورع عن شيء. إن هذا المشروع العملي قل نظيره، بل لا نظير له إلا في جده الحسين "عليه السلام"، ثم آخر الصورة ستراه غارقًا في دمه، مخلفًا بيته وعائلته وكتبه وجهده، بلا حامي ولا معين، لأعتى طاغية، متمسكًا بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليمٌ، و لا تسأل عن عائلة الشهيد الصدر، لا عن زوجته ولا عن بناته ولا أحد من أهله، فهي عاشوراء ثانية بكل معانيها، من وجه هي منظر حضاري رائع كما قالت عقيلة الطالبيين ما رأيت إلا جميلاً، ومن وجه آخر هي معاناة تكشف واقع الأمة، وتكشف كرم الشهيد الصدر ببناء المشروع الحضاري الرباني لهذه الأمة. أخيرا، أستميح الأخوات العذر وأشكرهم على هذا العمل القيم والشجاع، وهذه المبادرة الدائمة، والمستمرة، وأسأل الله أن يثيب القيمين على هذا النشاط، وأن يجمعنا وإياكم إن شاء الله، ويرزقنا في الدنيا إتمام وإكمال وفهم رسالته في الحقيقة، وفي الآخرة شفاعته، وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. التعديل الأخير تم بواسطة بثينه عبد الحميد ; 04-03-2021 الساعة 07:10 AM |
|
|