![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]()
الأب ومبدأ المحاكاة
بقلم الأستاذ محمد بن رضا اللواتي يُعد منهج المحاكاة والتقليد من أولى مناهج التعلم الذي يعثر عليه، ليس فحسب الطفل البشري بل وحتى صغير الحيوان والطير. فتحت توجيه الغزيرة يتلمس الطفل أولى الخطوات التي يجدها سهلة الخطو، وذلك عبر محاكاة أفعال الوالدين والتشبه بهما، وفي الواقع فإن ثمة جملة ينطقها الطفل بلا كلمات، وهي "أفعلُ، تماما، كما فعلتَ أنت"، بما يأتي به من تصرفات تريد حكاية من لمس أول ما لمس الحب فيه والأمان والراحة، وبالطبع هما والديه لا غير. إلا أن الأب حينما لا يتمكن من الاستماع لصوت تأثر طفله به، ومحاولاته للاقتداء به، وهو يؤصل بذلك لا شعوريا الانتماء إليه بصفته والده، فسوف يفوت على نفسه فرصة ذهبية، لأن يجعله ودون أدنى كلمة توجيه أو أمر أو نهي، يحتذي بحُزمة من التصرفات التي تُرسخ فيه القيم السامية، وتدفعه نحو آفاق الفضائل. وقد يتجاوز الأمر بتفويت فرصة، إلى جعله أمام مجموعة من التصرفات التي إن دعته غريزته إلى محاكاتها، لوجد نفسه مع مرور الوقت وقد خطا أولى الخطوات نحو إما الحيرة والذهول، وإما الصمتُ المشوب بالقلق البالغ، وإما تبني لونا من أشكال المحاكاة لتلك التصرفات التي أجبرته على الصمت أو الحيرة. خصوصا وأن غريزة المحاكاة تدفع الطفل في أوقات محددة من بدايات أعمارهم إلى الإتيان بما ينهاه والداه من قبيل الكسر، أو الرمي، أو الرقود في الأرض، أو القفز على الطاولة. تأتي هذه التصرفات ليلتذ الطفل بسماع نهي والديه له عن الإتيان بها، وهو في لا شعوره يثبت موقف رعاية والديه له، وحنانهم تجاهه، فإن وجد أن صوت المنع يخبو، يزيد من التصرفات التي يمنعاه والداه عنها، حتى يعود صوت المنع، فيرتاح الطفل لوجود رعاية والديه بجواره. إنه بمهارة فائقة وعبر لا وعي واع، يؤصل أنماط سلوكه، لكي لاحقا يختار منها ما يريد أن يحاكي بها أفعال والديه، أو ما يريد بها الاستقلال عنهم بسلوك خاص به. الإسلام في تعاليمه حث حثا شديدا بتقديم حُزمة من التصرفات أمام الطفل، استغلالا لمقدرته الفائقة على المحاكاة، والاستفادة القصوى من تقليد المقتدى والمحبوب الأول في إطار الأسرة، لذا نراه يحدد أولى مسؤوليات المرء – رجلا كان أم امرأة – تجاه أطفاله، وتلك المسؤولية هي إيصالهم إلى دار السعادة بأفعاله، ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنّة جميعاً حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً". مستدرك الوسائل، ج12، ص201 يؤسس الخبر الشريف عن الإمام الصادق "ع" -بدافع الإيمان -عدة أمور: أولا: دور الأب في الأسرة وداخلها، خلافا لبعض التوجهات التي تريد أن يكون له دور خارجها، وإذا بنا نرى أن الحديث المار قد جلب الأب إلى الداخل. ثانيا: حدد الخبر الشريف دور الأب -بعد أن جلبه إلى داخل الأسرة - متمثلا في نشر العلم والأدب. ما يؤسف له أن التحديات التي تواجه الآباء في هذا العصر، تجعلهم فاقدي هذا اللون من العمل بالمرة، فهم يكتفون بأن يجعلوه على عاتق الأمهات؛ بحجة طول الساعات التي يقضونها خارج الأسرة، لذا نرى أن المجتمعات التي تتواجد فيها الأنشطة التي توفر العلم والأدب الدينيان للصغار، يستند عليها الآباء كثيرا جدا في تعليم أطفالهم معالم الدين وفضائل الأخلاق، إلا أن ذلك لا يسد فيهم نهمهم المتسق مع حالة الانتماء الفطرية، وحالة الاحتذاء والمحاكاة، فحصولهم على هذه الوجبات من الأب لا تُقارن بحصولهم إياها من غيرهم، من زاوية التأثير والتأثر، وتوطيد العلاقة مع الأب التي يبحث عنها كل طفل. إن الشعور الذي ينتاب الطفل حين يتغذى العلم والأدب الدينيان من يدا أبيه لا يُقارن في تأثيره عليه حين يناله من غيره؛ لأن حالات المحاكاة والانتماء ومشاعر الاقتداء تظل غير مشبعة، لأن الطفل ينظر إلى أبيه نظرة لا ينظر بها إلى غيره أبدا، ولعل الخبر التالي يشير إلى تلك النظرة الخاصة، فعن النبي "ص" أنه قال: "أحبوا الصبيان وارحموهم، فإذا وعدتموهم فأوفوا لهم فإنهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم" مكارم الأخلاق ص219 من هنا، كان ضروريا للأب أن يكون له دور بالنسبة إلى طفله، فهذا يسد فيه نقص خاص، ولعل بعض الآباء قد يلمسوه في مشاعرهم، حين يجدون أن أطفالهم قد تعلقوا بآخرين بشكل لافت، بحيث يعدوهم قدوة لهم، ولعله حينها يشعر الأب بأنه كان الأجدر من غيره أن يكون لولده مقتدى ونموذجا يحتذي به، ولعل الخبر التالي يشير إلى هذه الحقيقة، فعن الصادق "ع" أنه قال: "من نعم الله عز وجل على الرجل أن يشبهه ولده". مكارم الأخلاق. ص221 وقال: "من سعادة الرجل أن يكون الولد يعرف بشبهه وخَلقه وخُلقه وشمائله" المصدر ص222. إن تعاليم أولياء الدين تنبه على أهمية توطيد العلاقة العاطفية بين الأب وأطفاله إلى أبعد حد، ليجد الطفل أن مصدر الحنان والاطمئنان والراحة والقدوة هو والده، حينها لن يسعه إلا الاستماع إليه حين يتكلم في العلم، والامتثال لأمره حين يدعوه إلى فضائل الأخلاق. ومن تلك الأنواع من الأخبار: "من فرح ابنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقر عين ابن له فكأنما بكى من خشية الله" المصدر السابق. ص221، و "إن الله عز وجل ليرحم الرجل لشدة حبه لولده". المصدر ص219، و "بر الرجل بولده بره بوالديه". المصدر ص220، و "قبلوا أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين خمسمائة عام". المصدر ص220 والمقترحات العملية للأب في منزله تجاه أطفاله بالنسبة إلى جانب العلم والأدب هي: 1. أن يخصص الأب وقتا يوميا لا يهمله أبدا مع ولده في تلاوة القرآن معه، وقبل أن يختم يشير إليه ببعض المعاني المارة فيما تلاه مع طفله، أو يفصل له بعض ما جاء ذكره في التلاوة من مواقف أو قصص. 2. إن تكون له كل مساء وقبل نوم طفله قصة يحكيها له، ويتنوع في اختياراته للقصص الهادفة، وليجعل فيها مجموعة من المعارف والقيم تتسرب لذهن طفله. 3. أن يسمع من ولده قصص مدرسته وأصدقائه يوميا، ويستغل ذلك في تشجيعه على المواقف الكريمة، وتنبيهه على المواقف أو الكلمات غير اللائقة. 4. استغلال أوقات وجوده مع طفله في السيارة، بالتحدث معه في شتى مواضيع العصر، من أحداث سياسية أو اقتصادية، أو اختراعات أو غيرها، وكلما تنوعت معلوماته، كلما اشتد ذكاء الطفل ونباهته. وبعد، فسوف يظل الطفل العجينة الناعمة التي لا يناسبها غير يدا أبيه لأن تعجنه، وما أعظم سعادته عندما يجد نفسه بين يدي أبيه، يهتم في معارفه وأخلاقه كما يهتم في ملابسه ومأكله. التعديل الأخير تم بواسطة بثينه عبد الحميد ; 12-01-2019 الساعة 10:43 AM |
|
|