![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم ذكرى هدم البقيع بقلم الاستاذة : ام حسين العمار
(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُالتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُمُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْإِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) تمر علينا هذه الأيام ذكرى أليمة وفاجعة عظيمة ليست على الإسلام فحسب , بل على الإنسانية ككل , فهدم وتخريب قبور البقيع هو ليس مجرد تعدي على مجموعة من المباني والقبور ذات الطابع المذهبي والديني , بل هي محاولة لطمس ومحو فقرة من كتاب الإنسانية ,والتعتيم عليها , ليغدو الكتاب كله مبهما وغير واضح ومضطرب المعنى ولا يقود قارئه إلا إلى التخبط والتيه دعونا نتحدث عن المسألة ببعدها العام جدا ثم ننتقل إلى البعد الخاص . من جهة عامة نحن مدعوون إلى الذكر والتذكر وليس إلى ذكر الله فقط بل إلى ذكر كل ما يقع في طريق ذكر الله .. ( واذكر في الكتاب مريم ) ( واذكر في الكتاب إبراهيم ) ( واذكر في الكتاب إسماعيل ) ( واذكر في الكتاب إدريس ) الذكر في هذه الآيات ماذا يعني ؟ الذكر عموما هو في مقابل النسيان والغفلة ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) (فلما نسوا ما ذكروا به ) , وهو يعني فيما يعنيه الإحتفاظ بالمعلوم و استرجاعه عند الحاجة . ومن هذا الباب يطلق على جري الشيء على اللسان بأنه ذكر ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) أما فلسفة الأمر بالذكر فواضحة . فإضافة إلى كون هذا النوع من الذكر مقدمة لذكر الله فبه أيضا يتمكن الإنسان من قراءة مستقبله بوضوح , فمن لا تاريخ له لا مستقبل له .. ولأهمية هذه المسألة نجد الله سبحانه وتعالى قد أودعها فطرة الإنسان .. فنجد الإنسان في أصل فطرته ميالا إلى الإحتفاظ بما يذكره بما يحب وبمن يحب .. وما تلك الأوامر القرآنية بالذكر إلا تنظيما وتوجيها لهذه الفطرة . ويمكن القول بأن المأمور به هنا في الأصل هو المقدمات المحققة للذكر , باعتبار أن الذكر والنسيان ليسا من الأمور الإختيارية عادة .. هذه المقدمات التي وقع بعضها موردا للقسم الإلهي كما في قوله تعالى ( ن والقلم ما يسطرون ) , فالقلم الذي هو أداة الكتابة , وما يسطرون الذي هو المكتوب , تكمن قيمتهما في حفظهما للعلم لينتقل من جيل إلى جيل . فلولا الكتابة لما تقدمت الإنسانية خطوة واحدة , ولبقيت على نفس المستوى العلمي والثقافي أو لنقل لكان تقدم الإنسانية أبطأ بمئات وآلاف المرات مما هي عليه الآن .. فالكتابة هي العلة الأساس في بناء مستقبل وحضارة علمية مزدهرة. حيث يبني كل جيل حضارته وعلومه على أساس مما قرأه واطلع عليه من علوم الأقدمين, فيبدأ من حيث انتهوا لا من نقطة الصفر . الكتابة ليست إلا مثال , فهناك أسباب أخرى يمكن أن تختزل بوجودها البسيط علوما لا تفي بها مكتبات بأكملها .. في سورة الكهف المباركة حين نقل القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف وما جرى عليهم ذكر موقفين متباينين تجاه هذا الحدث لجماعتين مختلفتين (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) الجماعة الأولى وهم المشركون الذين لم ينتهوا بما ظهرت لهم من الآية فقالوا ابنوا على أصحاب الكهف بنيانا و اتركوهم على حالهم ينقطع عنهم الناس فلم يظهر لنا من أمرهم شيء و لم نظفر فيهم على يقين, ربهم أعلم بهم، اما الجماعة الثانية, فهم الموحدون الذين قالوا بأن أمرهم ظاهر, و آيتهم بينة و لنتخذن عليهم مسجدا يعبد فيه الله و يبقى ببقاء المسجد ذكرهم , و من الشاهد على أن هذا كلام الموحدين , التعبير عما اتخذوه بالمسجد دون المعبد, فإن المسجد في عرف القرآن هو المحل المتخذ لذكر الله و السجود له «و مساجد يذكر فيها اسم الله» هؤلاء الموحدون نطقوا بلسان الفطرة التي كما تعرف الله تعرف الطرق الموصلة إليه وتأنس بها .. فبناء مسجد في مكان هؤلاء الفتية كفيل بحفظ الذكرى ودوامها زمانا وانتشارها مكانا .. فهناك من سيأتي لزيارة هذا المسجد والعبادة في هذا المسجد . وهذا ليس بدعا من الفعل فقد عمل به الأنبياء وأتباع الأنبياء حيث نجد غالبية المساجد ودور العبادة هي مرتبطة بحدث من هذا القبيل .. مثال آخر .. الآية التي قرأناها في بداية الحديث (وقال لهم نبيهم ان اية ملكه ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك ال موسى وال هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين ) هذه الآية تتحدث عن أثر مادي آخر كان سببا ليس للذكر فقط بل لما وراء الذكر وهو السكينة ولا يختلف اثنان من المسلمين أن التابوت كان أمرا ماديا محسوسا ,فهو التابوت الذي وضعت أم موسى فيه موسى طفلا وألقته في اليم .. (ان اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم ) يقول الشيخ القمي في تفسيره .. ( كان التابوت الذي أنزل الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم فكان في بني إسرائيل معظما يتبركون به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع ابن نون وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنوا إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا المعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت ) هذا الأثر المادي وجوده كان سببا لبقاء السكينة والعزم , وعندما استخف به بنوا إسرائيل ورفعه الله , فقدوا سكينتهم وعزمهم فتمكن منهم جالوت وأذاقهم صنوف الذل والعذاب .. الآية كأنها تقول إن مواجهة جالوت الطاغية تحتاج منكم إلى سكينة وثبات ,وهذه السكينة هي في التابوت الذي استخففتم به . السكينة غير السكون والمسكنة , فالسكينة تعني سكون القلب و هدوء الروح و عدم اضطراب الباطن . ويلزم منها التصميم وقوة الإرادة . وهي غير السكون والمسكنة الذي يعني الجمود والشلل المؤدي إلى قبول الظلم والضعف أمام الظالمين , وهذا ما ابتلي به بنوا إسرائيل بعد استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير فضربت عليهم الذلة والمسكنة . قد يقول قائل بأن السكينة هي حالة روحية فكيف تكون محمولة في التابوت كما هو صريح الآية (اية ملكه ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم ) كيف يكون الأمر المادي ظرفا لوجود معنوي . ألا ينبغي أن ينسجم الظرف مع المظروف ؟ هذه الآية في الواقع كأنها رد صريح قاطع على من يقول بالفصل والإنفكاك بين عالم المادة وعالم المعنى . فموجودات العالم المادي هي جميعا آيات لله تعالى وكما يقال لقارئ القرآن إقرأ وأرق فإن الإنسان يمكنه أيضا ومن خلال هذه الموجودات المادية أن يرق إلى مراتب معنوية رفيعة .. إلا أن هناك تمايزا بين هذه الموجودات في الشرف . فلا يقبل إنسان عاقل بأن الموجودات المادية من حيث الشرف هي في رتبة واحدة .. فهناك تفاوت بلاشك .. ومن يتبنى الرؤية الكونية الإلهية يدرك جيدا هذا المعنى وأن من الآثار المادية ما يحمل أثرا أكثر حتى من مجرد الذكرى منها ما يحمل أثرا تكوينيا واقعيا على الروح وحتى على الجسد لارتباطه الخاص بولي من أولياء الله .. وهذا ما يفسر حرص المسلمين على الحصول على أثر من آثار رسول الله كشعره أو ثوبه أو عرقه وهناك بعض الآثار تدل على أن الصحابة قد تبركوا بآثار النبي بعد مماته، فعن عبد الله بن عمر: أنه كان يمسح منبر النبي تبركاً به. وهناك شواهد على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون. فالمسألة أبعد من مجرد الذكر والذكرى الآية تقول بأن التابوت فيه سكينة من ربكم أنتم في مواجهتكم للطاغية لستم بحاجة فقط إلى قائد كفوء وقادر بل بحاجة إلى سكينة وعزم وطمأنينة .. الله الذي جعل لكل شيء سببا جعل التابوت سببا للسكينة هذا أمر نحن نلمسه في قبور الشهداء وآثار الشهداء كيف تثير العزم والإقبال ووضوح الرؤية لمن يزورها .. فكيف يكون الحال بقبور وآثار الأنبياء والأولياء ولعل من أقدم على هدم تلك القبور كان هدفه الأول هو تجريد الأمة من عزمها وسكينتها ليتمكن منها جالوت بعد ذلك ... |
|
|