![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام سماحة الشيخ عبد المحسن النمر الدرس الخامس أفضل الصلاة وأشرف التسليم على النبي المصطفى البار الأمين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة الميامين واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدين السلام عليكم بنياتي وأخواتي المؤمنات وتقبل الله أعمالكم ، قال تعالى : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ صدق الله العلي العظيم مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في الدعاء ليس كمثلها مدرسة ولا تمتلك أي أمة من الأمم منهجا إنسانيا مثل ما تمتلكه هذه المدرسة فهي تمتلك أجمل وأعلى طرق الوصول إلى الله والكمال والفوز وتحقيق أعلى رغبات الإنسان ، وقد أشرنا فيما سبق إلى مجموعة من الخصائص والتي كان آخرها خاصية توازن الرغبات الإنسانية وإحياء بعض الرغبات الغرائز التي قد يهجرها الإنسان أو يغفل عنها أو ربما يطمسها خصوصا في ظل ما نشهده اليوم من حرب ضد غرائز الكمال الإنساني كما أشرنا إلى بعضها كغريزة حب الخلود والكمال المطلق غير المحدود وحبه لأن يكون مصدرا من مصادر الخير والرحمة المطلقة والكرم وحبه لأن يملأ جوانب وجوده من اللذة والمتعة والبهجة اللامحدودة ، وما أحوجنا اليوم إلى تثبيت معنى يمس ضبط وتنظيم هذه الرغبات. إن رغبات الإنسان وغرائزه يجب أن يعطى لها أسباب المعيشة وأسباب الحياة وأسباب الانطلاق لكن هناك أمر في غاية الأهمية يطرح سؤالا جوهريا في هذا المجال: هل أن هذه الرغبات والغرائز هي على حد سواء بمعنى أنها أشبه ما تكون بخطوط متوازية لسير الإنسان نحو تحقيق هذه الرغبات بصورة متوازية وتكوينها داخل النفس الإنسانية تكوينا مساويا أم أن بينها تمايز؟ وهل من المهم أن نعرف هذا التمايز؟ وموقعية كل رغبة؟ وهل لهذا دور في منهج مسيرتنا ؟ وكيف تتعامل مدرسة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم مع هذه الغرائز؟ تعلمنا من خلال الدروس السابقة أن الإسلام ومدرسة أهل البيت ومن خلال منهجية الدعاء تريد أن تحافظ على رغبات الإنسان للوصول إلى أعلى وأسمى مراتبها على نحو من نفس القيمة والطاقة والفاعلية ، ولكن ما هو التمايز بين هذه الرغبات ؟ ولتقريب المعنى سوف نضرب المثل التالي : قام الإنسان بوضع هيكلية إدارية لتنظيم إدارة شؤون مملكته الداخلية والخارجية ووزع الصلاحيات والمسؤوليات والمهام وفقا للإمكانيات والمؤهلات والقدرات فمنح سلطات واسعة للرؤساء وسلطات أقل للمدراء ومهام أقل للموظفين ووضعهم في مراتب متفاوتة تتناسب وتلك السلطات والصلاحيات. وكما أن تلك المملكة الاجتماعية للإنسان متفاوتة في منح كل عنصر من عناصرها صلاحيات ومهام معينة ، كذلك النفس والغرائز ليست على حد سواء كما أنها ليست مجرد خطوط متوازية وإنما لكل غريزة ولكل رغبة صلاحيات ومسؤوليات ومهام مختلفة ومتفاوتة ، وعندما تختل هذه الضوابط في المملكة الاجتماعية للإنسان فيتقدم وضيع الناس ليؤخر فيهم القوي المقتدر وتعطى القيادة والسلطة والمسؤولية لمن هو ليس أهلا لها ولا تتوفر فيه الشرائط الحقيقية لتولي المسؤولية فإن اضطرابا كبيرا سوف يحدث في مسيرة ذلك المجتمع ، وكذلك هو الحال مع النفس الإنسانية فإذا ما منحنا بعض الغرائز مجالا أوسع من إمكانياتها ودورها الحقيقي فإنها سوف تضطرب ، وهذا ما توصل إليه وتسالم عليه أساتذة علم النفس من أن بعض غرائز الإنسان قد تكون متأخرة والبعض الآخر قد تكون أشد عمقا وبعضها أضعف تأثيرا وأقصر باعا. ومن أشهر مدارس علم النفس العالم الشهير فرويد الذي اكتشف أن غرائز الإنسان مختلفة وليست على حد سواء وقد تبعه كثير من علماء النفس من أن بعض الغرائز عميقة وهي مسيطرة على الإنسان فأشار إلى الغريزة الجنسية كغريزة ذات عمق كبير في الوجود الإنساني وهي التي تهيمن على سائر الغرائز الأخرى بما فيها حب المال والجاه والسلطة والتفوق تخضع لهذه الغريزة إلى حد كبير. وما ذهب إليه فرويد وأتباعه ومن سار خلفه لا يخلو من الحق ولكنهم ضلوا ضلالا كبيرا حينما أغفلوا أكبر وأهم غريزة وغاصوا في أعماق الضلال حينما لم يلتفتوا إلى حقيقة غريزة حب البقاء والوجود الحقيقي وحب الارتباط بالقدرة المطلقة حينما أغفلوا هذا الجانب ، فلم يجدوا لهم غريزة تصلح لأن تُسلم إليها عرش قيادة النفس الإنسانية إلا هذه الغرائز المادية وكل من لم يكن له نصيب من معرفة الحق والبعد الروحي والمعنوي للإنسان لن يجد له سبيلا إلا بأن يؤمن بما آمن به أصحاب هذه المدارس النفسية ويفسر كل تصرفات الإنسان بحسب هذا التفسير وفي قبال ذلك تأتينا مدرسة أهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام. الإنسان الذي فُتح ببصيرته العيش مع دعاء أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يدرك بأن هذا الذي رسموه وحللوه وبنوا عليه يفتقد إلى الركن الأساسي في وجود الإنسان ، ونحن لا نبخس هؤلاء ومدرستهم في كثير من التحاليل التي ذهبوا إليها ولكننا نشير إلى أنه في ظل غياب الفكر المعنوي والروحي والقرآني وغياب الدعاء المعروف في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام فمن الطبيعي بل ربما من الضروري أن تنتهي إلى ما انتهى إليه هؤلاء. سوف يجدون ترتيبا خاصا بالغرائز يتلاءم مع من فقد المعرفة الحقة بأكمل غرائز الإنسان ، ولن يجدوا تفسيرا لانطلاق البشرية وحركة وصراعات الإنسان وبحثه عن القوة والقدرة والجاه والمال إلا بهذه التفاسير إذ انهم لم يكن لهم قبولا بالبعد الروحي والمعنوي للإنسان. الغرائز التي هي أشد عمقا مما عرفوه من الغرائز إلا أن يفسروه بهذه التفاسير خطأ ما وقع فيه فرويد ومن ركب مركب مدرسة اهل البيت هو هذا الخطأ الذي بليت به الإنسانية وهو الانغماس في حدود الغرائز المادية وإذا لم يستطع الإنسان ان يتجاوز هذا المعنى ويتجاوز هذا البعد في نفسه وأوكل نفسه إلى طبائعه البدنية فسوف يصل إلى ما وصل إليه فرويد ومدرسته وأتباعه ، إذن فإن الوضع الصحيح والترتيب السليم لغرائز الإنسان كما روي في دعاء عرفة عن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه " اِلهى فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُنى اِلَيْكَ.." فاجمعني إليك آمالي وأهدافي الواسعة المشتتة أريد أن أجمعها ضمن مسيرة موحدة لكل غرائزي ورغباتي وأريدها أن تقع ضمن طريق واحد في سائر شؤون حياتي وسائر رغباتي وتصرفاتي ولكن أريدها أن تكون حية وفاعلة ضمن تسلسل مسيري يتكامل بي فاجمعني إليك فأنا مشتت وغرائزي متبعثرة ورغباتي متناثرة وسبيل خروجي منها هو أن تبقى هذه الرغبات سائرة ضمن نهج واحد صحيح ومستقيم ، ونفسي أريدها أن تصلي خلف إمام واحد ، وهذه الغريزة الصحيحة السليمة أريدها أن تكون أمام نفسي وغرائزي ، فصلاة الجماعة لا تتكون من إمام فقط وإنما إمام ومعه مأمون لهم نسق معين كذلك أريد نفسي أن تؤدي حركتها ومسيرتها ضمن منهجية واحدة وطريق جليل وواضح ونير لكي تكون كل غريزة من غرائزي في موقعها الصحيح والسليم. "اِلهى فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُنى اِلَيْكَ" ، يقول الإمام زين العابدين عليه أفضل الصلاة والسلام " اِلـهي مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذَا الَّذي اَنـِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عنْكَ حِوَلاً .." فخذ بيدي لأن يكون لي نصيب من ذوق هذه الغريزة الصحيحة حين ذاك ستصبح كل غرائزي تابعة لها أينما ذهبت نسأل الله عز وجل أن يجمع رغباتنا ضمن راية عشقه ومحبته ضمن راية الإيمان بقدرته وضمن توجه هذه القلوب إلى مصدر الرحمة والخير والبركة والسعادة والأنس واللذة والبهجة التي لا حدود لها ويمكن أن يتحقق لنا هذا الأمر إلا بالتوسل الى الله عز وجل بأن يفتح لنا بصائرنا وينير قلوبنا وهذا ما تحققه لنا مدرسة الدعاء عند أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لننال من خيرات وثمرات هذه المدرسة أن تستقر كلمات علي وآل علي و مدرسة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم العظمى ومنهج الإمام زين العابدين عليه أفضل الصلاة والسلام وآبائه الطاهرين وأبنائه الميامين وأن تأخذ بأيدينا للتعلم والترقي والاستقرار على هذا المسير اللهم صل على محمد وآل محمد ويسر لنا بلوغ ما نتمنى من ابتغاء رضوانك وافتح لنا أبواب معرفة الحق وطريق الحق ومنهج الحق وفرج اللهم عن إخواننا وأقاربنا واحفظ اللهم المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعجل اللهم لإمام زماننا وقائد مسيرتنا مولانا صاحب العصر والزمان الفرج والنصر ليأخذ بأيدينا وأيدي العالم إلى رضوان الله عز وجل ومغفرته ورحمته. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
التعديل الأخير تم بواسطة الادارة ; 03-22-2024 الساعة 03:23 PM |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|