![]() |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() ✨��✨✨��✨�� ��بسم الله الرحمن الرحيم �� ✨شرح دعاء الافتتاح ✨ في شهر رمضان 1422ه في الدمام يشرح فيها بعض معاني دعاء الافتتاح سلسلة دروس القاها سماحة الشيخ الفاضل ☄عبد المحسن النمر ☄ الدرس الأول : مقدمات لبيان معنى الحمد (اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ) مقدمة مهمة قبل الدخول في شرح دعاء الإفتتاح : المقدمة الأولى : الأدعية بعضها اعتدنا أن نقرأه في أوقات معينة ولكن من غير دليل على انه لهذا الموسم فقط ومحصور لموسم معين ، الأدعية التي نتعلم قراءتها في شهر رمضان الكثير منها قراءته ليست مختصة فقط في شهر رمضان ولكن نحن للأسف وقعنا في هذا التصور بحيث أن بعض الأدعية تهجر طوال السنة ولا تقرأ إلا في شهر رمضان !! دعاء الافتتاح باعتبار أنه مستحب في شهر رمضان ، دعاء الجوشن ، دعاء السحر . هذه الأدعية نتعلمها في شهر رمضان ، ننفتح عليها في شهر رمضان نستشعر قدسيتها ومعانيها في شهر رمضان لكن يفترض أن تقرأ حتى في سائر أيام السنة . لا نقول إلى حد الإدمان ؛ بل إلى حد الارتياح في سائر السنة فالإنسان إذا تعرف على محبب جميل فليس هناك مانع من دوام العلاقة معه ! بل بالعكس هذه الأدعية موضوعة لنغرس معانيها في قلوبنا في شهر رمضان ثم نتشوق إليها في سائر أيام السنة نرتاح لذكرها في سائر أيام السنة ...ونقرأها من حين لآخر ، بل من الطبيعي أنه لو أدركنا معاني هذه الأدعية واستلطفناها واستقبلتها مشاعرنا بالمحبة والشوق لكنا نشتاق لقراءتها في سائر أيام السنة . على سبيل المثال دعاء الجوشن هذا الدعاء العظيم ليقرأ جزء منه في ليالي الجُمع ولا ينتظر إلى ليالي القدر من شهر رمضان مع عظمة هذه الأدعية وجلالة ما فيها من معاني ، لماذا لا يقرأ إلا دعاء كميل ودعاء السمات وربما الكثير من الأدعية وما ورد من كنوز عن أهل البيت عليهم السلام لم نقرأه في حياتنا ... المناجاة الشعبانية كل فقرة منها كنز لو أخذنا فقرة من فقراتها وبحثنا عن شيء ما يعادل هذه الفقرة في أدعية المسلمين وغير المسلمين وأرباب الدعاء ربما لا نجد شيء يعادل ويساوي فقرة من فقرات المناجاة وليس كلها . دعاء الافتتاح يشتمل على مجموعة من المحامد والتمجيدات الله عز وجل تستحق كل واحدة من هذه المحامد أن نقضي فيه السنين الطويلة لاستيعاب هذا المعنى ... ولو أردنا أن نقول نقطة أنه لو لم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام والأئمة عليهم السلام كلهم ولو لم يتوصلوا إليها ولم يذكروها ولم يحملها إلينا رواتهم ؛ فإنه قطعا لن نصل إلى هذه المعاني ولن ننطق بها . هذه ليست معاني متداولة كما يخطر أحياناً في بالنا وأنها كلها كلمات مدح لله تعالى مشكله ومنوعة ، هذه المعاني لن يصل إلى إدراكها إنسان من أول البشرية إلى آخر البشرية ، لن يصل إنسان إلى أن يقول مثل هذا الكلام في مدح الله تعالى وفي مناجاته ومدحه تعالى . هذه اللطائف والذخائر من المفترض أن نستفيد منها ولا أقل في شهر رجب وشهر شعبان التي هي مجاورة لشهر رمضان ، وعندنا روايات كثيرة تشير إلى أن رائحة الجنة لتشم من كذا سنة وأن الله عز وجل يحرم على عاق والديه أن يشم رائحة الجنة ، ما معنى هذا ؟ معناه أن هذه الكرامات وهذه المعاني الربانية تحجب عنه وتحجب عن مشاعره وعن أحاسيسه فإذا أحس الإنسان أن هذه المعاني لا يشم لها رائحة ولا يستشعر أنه قد أقبل دعاء السحر ودعاء أبي حمزة الثمالي ومعاني تلك الأدعية ، فعليه أن يلتفت عسى إلاّ يكون قد عقّ والديه وربما ليس الوالدان اللذان أنجباه ولكن الوالدين الحقيقيين هما محمد وعلي عليهما أفضل الصلاة والسلام ( يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة ) إذا لم يحس بهذه الأمور لم يشم رائحة ليلة القدر وأعمالها من هذه الأيام فعليه أن يشك في أنه أصلا صادق !! وعسى ألا يكون هناك أشياء سببت له هذا الانغلاق في حاسة الشم الروحية ، لماذا لم يحس بهذه الأمور ؟ لأنه ربما يكون هناك ذنوب ومعاصي ، الإنسان الطبيعي الذي يتذوق هذه الأمور هو يشم رائحتها . هذا مما يؤدي أن تكون هذه الأدعية في تركيبة الإنسان وليست مؤقتة في شهر رمضان . المقدمة الثانية : نحن في الدروس السابقة بينا أن شهر رمضان هو شهر الفتح وأن شهر رمضان هو شهر ينتصر فيه الإنسان على عدوه الحقيقي ويتخطى فيه الإنسان حدود أعدائه وينتصر عليها مثل الفتح العسكري وهزم الأعداء والانتصار عليهم والاستيلاء على أرضهم والنشوة بالنصر ، فكذلك الفتح المعنوي الروحي لا يقل شأناً عن الفتح العسكري بل هو أضعاف مضاعفة من آثار الفتح المادي . شهر رمضان شهر الفتح وهناك روايات تقول أن بداية السنة ليست محرم فمحرم هو أول السنة التي يعدها الناس والدول والحكومات أما من الجهة الحقيقية والروحية والمعنوية فأول السنة هو شهر رمضان وإذا كان شهر رمضان هو شهر الفتح فهذا الدعاء هو دعاء الافتتاح ، أي دعاء الافتتاح هو افتتاح الفتح ، أي للفتح افتتاح ولا يتحقق الفتح إلا بافتتاحه وسوف يتبين لنا أنه ربما هذا المعنى صحيح بمعنى أن أصل الفتوحات التي تتحقق في شهر رمضان شروعها وبدايتها من حمد الله والثناء عليه الحمد : الذي هو مادة هذا الدعاء وجذره وأصله ، الحمد هو الافتتاح ، افتتاح الحركة الروحية والربانية والمعنوية وافتتاح السير والسلوك والافتتاح بحمد الله عز وجل والحمد أيضا هو الختام . الحمد هو الخطوة الأولى في المسيرة إلى الله عز وجل والحمد هو الخطوة النهائية التي ينتهي إليها الإنسان . الكرامات التي يحصل عليها الإنسان هي مراتب ودرجات والجنة منازل وللإنسان في الجنة طلبات وآمال .. كل درجة من درجات الجنة أي الدرجة الثانية مسيرة كذا سنة آخرها وأعلها الحمد (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) 10.سورة يونس ) أكمل كمالات البلوغ والرقي في الجنة هي حمد الله ، هذا الأمر يتحاج إلى توضيح لأنه لا يخطر في بالنا بصورة مباشرة لأن الإنسان في الجنة يتمنى أشياء كثيرة ، العزة والكرامة والقدرة والسعادة بأشكالها ... الإنسان يرى فيها آمالاً ويترجى البلوغ إليها ولكن كيف يمكن أن يكون الحمد هو أعلى هذه الدرجات ؟! هذا يحتاج إلى توضيح ، الحمد كما أنه بداية المسيرة وهو افتتاح الطريق إلى الله تعالى ، الحمد هو خاتمة ما ينقاد إليه الإنسان و يسعى إليه . المقدمة الثالثة : يتبع التعديل الأخير تم بواسطة بثينه عبد الحميد ; 06-08-2016 الساعة 05:14 PM |
#2
|
|||
|
|||
![]()
المقدمة الثالثة :
نبدأ بالشروع في الافتتاح من المناجاة الشعبانية بمعنى أننا سوف نأخذ من المناجاة الشعبانية ما يكون رصيداً معنوياً للحركة المعنوية في شهر رمضان ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام فيها (اِلـهي فَلَكَ الْحَمْدُ اَبَداً اَبَداً دائِماً سَرْمَداً، يَزيدُ وَلا يَبيدُ كَما تُحِبُّ وَتَرْضى، اِلـهي اِنْ اَخَذْتَني بِجُرْمي اَخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ،) هناك رابط بين هاتين الفقرتين ، نحن نحاول أن نشير أو نحاول فهم الرابطة بين هاتين الفقرتين (اِلـهي اِنْ اَخَذْتَني بِجُرْمي اَخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ) ما المقصود بأخذتك بعفوك ؟ إلهي إن أخذتني بجرمي أي إن اقتضى عدلك يا رب بالنظر إلى ما جره عليّ جرمي ، إذا اقتضى هذا العبد أن أُأخذ على جرمي وأُحاسب عليه وأحصل على الجزاء والنتيجة التي تترتب على جرمي ، الجرم هو الذي يجر ورائه ما لا يحبه ولا يريده الإنسان ، جرم الإنسان وذنوبه هي مقيدات ، هي من جهة لها الآثار السيئة وهي من جهة أخرى تحدد رتبة الإنسان ومقامه ، تحدده أي تمنعه الطريق إلى الأعلى والأسمى!! الإنسان إذا أذنب ذنب بالإضافة إلى أن نتيجة هذا الذنب هي العقاب والعذاب فإن معنى هذا الذنب هو أن هذا الذنب يرهن الإنسان في حالة معينة من حالات الشقاء مثلا أو القصور أو النقص هذا هو أثر الذنب ، أثر الذنب هو كالقيد الذي يقيد الإنسان ، الإنسان إذا أذنب فإن ذنبه يكون غلاً وقيدا يُقفه عند مرحلة معينه هذه المرحلة تقتضي أن يشعر بإحساس الألم نتيجة ذنبه بما يتولد عن ذنبه من آثار . بعض الذنوب يتولد عنها آثار هي تشبه العقارب وبعضها ينشأ منها عذاب كعذاب الثعبان وبعضها ينشأ منها عذاب كعذاب النار التي تلتهم بدن الإنسان وبعض الذنوب ينشأ عنها آثار كآثار النار التي تلتهم قلب الإنسان وليس بدنه وبعض الآثار كآثار النار التي تلتهم باطن الإنسان . في دعاء كميل هناك مقاطع غريبة تشير إلى أنه كل شيء في الإنسان له نار ، هذه نار عجيبة ، نار لا تدع شيء من وجود الإنسان لا الظاهر ولا الباطن ولا المعنوي ولا الروحي ولا الإحساس إلاّ تشعله ألما ، أي ألم ؟ ألم.. نحن الألم الذي نشعر به عندما يحترق جلد الإنسان هو أن الجلد يتوسط في نقل الحرارة إلى الأعصاب والأعصاب تنقله إلى الدماغ والدماغ يحوله إلى هذا الألم ، أما النار التي يخوفنا منها علي عليه السلام هي تصيب الضمائر مباشرة وتصيب القلوب مباشرة بدون حاجة لتوسط الجلود ، هناك نار تصيب الجلود ولكن هناك نار تصيب حقيقة الإنسان مباشرة ، وهذه النار التي تلتهم دماغ الإنسان مباشرة كيف يكون أثرها ؟ الأمير عليه السلام في دعاء كميل يبين أن النار ليست شكلا واحدا ، هذه النيران التي في الآخرة هي ما تولده الذنوب !!!. (اِلـهي اِنْ اَخَذْتَني بِجُرْمي) الله سبحانه يوم القيامة لا يؤاخذ الناس كما نتصور ، يؤاخذك بمقتضى عدله ومقتضى حكمته بسب فعلك ، فعلك هو ولّد نارا تلتهم الأفئدة ( إلهي إذا كانت هذه الذنوب وهذه التقصيرات قد أوجبت أن أنال هذا التقيد وهذا الذي يُوقفني تحت طائل هذه النيران أخذتك بعفوك ) كيف نأخذ الله سبحانه بعفوه ؟ إذا جاء يوم القيامة وجاءت النيران وأصابت الإنسان في تلك الحال نقول يا عفو يا غفور ..!! بهذه الحالة يأخذ الله بعفوه ؟ لا ، المعنى أبعد من هذا. إلهي إن كانت ذنوبي قد أوقفتني موقف الخزي والرهينة وموقف المُعذب فأنا يا ربي ملتجأ إلى عفوك وآخذ بعفوك أي أني طارح نفسي وجاعل نفسي تحت رحمة عفوك ، وأكون موضوعاً لتسلط عفوك عليّ ، وهذا لا يتحقق إلاّ بإدراك أن الحمد لله تعالى بمعنى أنه لولا أن أمير المؤمنين عليه السلام يعلمنا (اِلـهي فَلَكَ الْحَمْدُ اَبَداً اَبَداً) ربما لا يكون هناك معنا واضح لقوله (اَخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ) أخذتك بعفوك الآن ترتبط بمعنى إلهي لك الحمد ... أنت يا رب في كل الحالات وكل المراحل وكل الآنات ، أنت يا رب محمود أنت يا رب لا يصدر منك إلاّ الجميل ،أي يا رب أنا أدرك وأؤمن أنك مفيض للخيرات في كل الحالات ، أنا أعرف يا رب أن ذنوبي هذه هي نتائجها (اِنْ اَخَذْتَني بِجُرْمي) أي هذه أعمالي أجزم أنه هذه هي نتائجها وذنوبي هذه آثارها لكنني أعلم يا رب بأنك محمود في كل الحالات ، يا رب أنت لا تفيض إلاّ حمداً ، يا رب أنت لا يصدر منك إلا ما تستحق عليه الحمد ، لا يصدر منك إلاّ الجميل ومقتضى حمدك أن أكون محلاً لعفوك . إذا لم ندرك أن الله تعالى مفيض للجمال في كل حال ولم تتعلق قلوبنا بالجمال الإلهي ولم تتعلق قلوبنا بأن الله محمود في كل حال لا نكون قد أخذنا الله بعفوه حتى لو قلنا بألسنتنا ( يا عفو يا غفور ) اللسان إذا لم يكن معبرا عن هذا الانطلاق من داخل القلب ، إذا لم يكن اللسان قد انطلق بتحريك القلب وبمشاعر الإنسان لا يكون للألفاظ نفس الآثار المترتبة ، قد يشملنا شيء من الرحمة بقلقلة اللسان ولكن هذا شيء آخر ، بعض الروايات أن رجلاً يؤخذ إلى النار فيأخذه الملائكة إلى النار فيعلو صوته ويرتفع : يا رب ، يا رب أنا كنت في الدنيا حسن الظن بك فكيف تأخذني إلى النار ؟ فيقول الله تعالى أنا أعلم أنه كذّاب لم يكون حسن الظن بي ولكن رحمة مني بهذه القلقلة اللسانية أنا آخذه إلى الجنة . أحياناً !! ربما تنفعنا القلقة اللسانية . الذي يكون عليه المعول هو أن ينطلق هذا اللسان بحقائق نابعة من القلب فعندما تقول ( يا رب اِنْ اَخَذْتَني بِجُرْمي اَخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ) يجب أن يكون هذا الأخذ بالعفو منطلق من إدراكنا بأن الله عز وجل هو مفيض للرحمات والبركات والخيرات وأنواع الجمال والكمال في كل حال ولهذا ناسب أن يقول عليه السلام (فَلَكَ الْحَمْدُ اَبَداً اَبَداً دائِماً سَرْمَداً) أي يا رب أنت محبوب حينما خلقت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعلته كاملاً !! أنت محبوب حينما خلقتني أنا الضعيف على جرمي وعلى حالي ، وما أنا فيه من الذنوب وعلى تلك الحال من السوء التي أنا فيها !! أنت يا رب محمود ومقتضى حمدك أن تعفو عني . السرّ في كل بركة وفي كل حركة إلى الأمام وإلى الخير وإلى السعادة ننالها هو أن ندرك أن الله تعالى له الحمد . إذا لم ندرك أن الله عز وجل له الحمد فإننا لم نقطع شيء ، إذا كنا نتصور أننا نتوسل بأعمالنا، بتوسلنا بصيامنا ننال شيئاً ، وأننا ننال بشفاعة أحد ، بدون أن يكون ذلك من إفاضة ومن حمد الله عز وجل ، أن ننال بذلك شيء فإننا مخطئين . يقول الإمام الباقر عليه السلام لمّا سأله زرارة بن أعين أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال عليه السلام : ( أن يمجد ) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من شغله الثناء عن المسألة لنفسه أعطيه أفضل مما أعطي السائلين ) ويقول الإمام السجاد عليه السلام - عند قراءتنا لهذا الدعاء نحتاج لتبصر ولمعرفة دقائق هذا الدعاء – (يا غَفّارُ بِنُورِكَ اهْتَدَيْنا، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْنا، وَبِنِعْمَتِكَ اَصْبَحْنا وَاَمْسَيْنا،.) هذا ثناء على الله عز وجل ولكن بداية الدعاء ( يا غفار ) وربما يخطر بالبال أن المناسب أن معنى الثناء أن يشير إلى كرم الله عز وجل ، ولكن الإمام عليه السلام يمدح الله بغفاريته (يارب يا غَفّارُ بِنُورِكَ اهْتَدَيْنا، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْنا، وَبِنِعْمَتِكَ اَصْبَحْنا وَاَمْسَيْنا، ذُنُوبَنا بَيْنَ يَدَيْكَ نَسْتَغْفِرُكَ الّلهُمَّ مِنْها وَنَتُوبُ اِلَيْكَ. ) نحن يا رب إليك تائبون من ذنوبنا ، يا رب بنورك وهبتنا الهداية وبفضلك أغنيتنا وبنعمتك نصبح ونمسي ... الإنسان جُبل على الغفلة ، الإنسان يصبح وقلبه مشغول بهذا الأمر وذاك وتلك المسألة ، ويمسي وهو يتابع تلك الشؤون التي لم تتم وكل وقت ينفتح له أمر جديد ، وينسى أنه أصبح بنعمة من الله عز وجل وأن ما لديه هي نعم من الله ، غفل عنها ويمسي وهو بخير ونعمة . الإمام يذكرنا أننا نصبح بنعمة من الله ونمسي بنعمة ، ويقول يا رب مع كل ذلك نحن مذنبون فهذه ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللهم ونتوب إليك !! بمناسبة ذكر أن هذه الذنوب بين يد الله تعالى ناسب أن يقول يا رب أنت جدير بأن لا تواجه بالذنوب فأغفرها لنا ، الحياء منك يدعونا أن نطلب منك أن تمسح وترفع عنا هذه الذنوب ؛ ثم يكمل عليه السلام هذا التقابل بين نعم الله وخيراته (خَيْرُكَ إِلَيْنا نازِلٌ وَشَرُّنا إِلَيْكَ صاعِدٌ وَلَمْ يَزَلْ وَلايزالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ يَأْتِيكَ عَنّا بِعَمَلٍ قَبِيحٍ ) أي الذنوب والتقصير منا قبيح . بل إذا نظرنا إلى الأمور بمنظار الدقة حتى صلاتنا قبيحة وحتى صيامنا ودعائنا قبيح فنحن لم نخلص يوم !! حتى تكون عبادتنا جميلة نستقبل بها الله عز وجل ، نحن عبادتنا كلها نقائص (وَلَمْ يَزَلْ وَلايزالُ..) أي هذا الملك الذي يرفع من الصباح مازال يرفع أعمالنا واحد تلو الآخر كلها قبيحة ، صلاتنا وكلامنا ومجالسنا ..كل هذا ثم يقول عليه السلام فلا يمنعك ذلك أن تحيطنا برأفتك ورحمتك ، الإمام عليه السلام قال أنت هديت وأعطيت وأنعمت ونحن أعمالنا قبيحة ، أنت المنعم أنت المحسن أنت .. فالمناسب أن تعفو عنا وتغفر لنا !! قد يخطر في بالنا هذا المعنى ولكن إذا أكملنا الدعاء نجد أنه لا ..الإمام عليه السلام لم يطلب شيء في هذا الدعاء ، ولم يسق هذه العبارات ليطلب شيء وإنما ساق هذه الحالات ليعلمنا حمد الله عز وجل!! عجيب هذا المقطع لا حظوا كيف يختم الإمام عليه السلام هذا المقطع (لا يَمْنَعُكَ ذلِكَ مِنْ أَنْ تَحُوطَنا بِنِعَمِكَ وَتَتَفَضَّلَ عَلَيْنا بِآلائِكَ، فَسُبْحانَكَ ماأَحْلَمَكَ ) بعض الأشخاص يقول الإنسان الذي يعاملني معاملة حسنة أكرمه , وأرد عليه بالمثل أم الإنسان الذي أساء وقدم لي السوء فأنا لا أتحمله ولا أحتمل أن يؤذيني أحد وهذا النوع من الناس لا أحبه ... نحن نحب أبناءنا ولكن إذا أساءوا قلبيا نتأثر ، الإمام السجاد عليه السلام يقول يا رب أنت الذي أعطيتنا وأنت الذي وهبت ونحن يا رب أعمالنا القبيحة يرفعها إليك هذا الملك الكريم (فَلا يَمْنَعُكَ ذلِكَ مِنْ أَنْ تَحُوطَنا بِنِعَمِكَ وَتَتَفَضَّلَ عَلَيْنا بِآلائِكَ، فَسُبْحانَكَ ماأَحْلَمَكَ وَأَعْظَمَكَ وَأَكْرَمَكَ ) هو عليه السلام لا ينظر إلى ذنوبه ولا يقول يا رب أغفر لي ذنوبي ، كرمك جميل حتى أننا في أشد حالات البُعد والإهمال والتقليل أنت يا رب جمالك ينير (سُبْحانَكَ ماأَحْلَمَكَ وَأَعْظَمَكَ وَأَكْرَمَكَ مُبْدِئاً وَمُعِيداً، تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَكَرُمَ صَنائِعُكَ وَفِعالُكَ. ) الإمام عليه السلام نظره في أنك أنت يا رب مستحق للحمد والثناء ؛ وكأنما يجعل فعل العباد وأفعالنا وتقصيرنا مؤشر إلى سعة رحمة الله عز وجل وسعة كرمه ، لم يذكر ذنوبه ليستغفر عنها وإنما يذكر ذنوبه من أجل أن يشير إلى رحمة الله عز وجل وجميل صنعه . الإمام في كلامه ينبهنا ّ!! أنا يا رب أرتكب الذنوب كي أرى لطفك وحلمك في غفرانك وعفوك حتى في هذه الحالة ، ففي كرم عفو الله وجمال رحمته لا يتجلى فقط في الابتداء ولكن يتجلى في أن الله يحلم علينا ويعفو عنا وتظهر جوانب جمالية لرحمة الله وكرمه أحيانا في نقائصنا التي نقع فيها ، في أدركنا هذا وأدركنا أن الحمد لله تعالى إن شاء الله نكون قد هيئنا أنفسنا لنكون محلاً لعفوه تعالى . والحمد لله رب العالمين التعديل الأخير تم بواسطة بثينه عبد الحميد ; 06-08-2016 الساعة 02:51 AM |
#3
|
|||
|
|||
![]() ✨��✨✨��✨�� ��بسم الله الرحمن الرحيم �� ✨شرح دعاء الافتتاح ✨ سلسلة دروس القاها سماحة الشيخ الفاضل ☄عبد المحسن النمر ☄ في شهر رمضان 1422ه في الدمام يشرح فيها بعض معاني دعاء الافتتاح الدرس الثاني : معنى الحمد الحمد لله حمداً لا يقوى على إحصائه إلا الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الميامين الهداة . تلخيص لما مضى : (اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ ) هذا الدعاء المعروف بدعاء الافتتاح ذكرنا أنه افتتاح شهر الفتح ، وأن الحمد لله عز وجل خير عمل يحبه الله جل وعلا ، إن الحمد هو الفتح وهو الختام ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) . بعض هذه النقاط سوف نحتاج إليها أثناء التعرض لمقاطع الدعاء . دعاء الافتتاح هو أربع فقرات : الجزء الأول : هو حمد الله وإن تخلله بعض الطلب والمسألة. الجزء الثاني : هو الصلاة على النبي وآله الأطهار . الجزء الثالث : هو الصلاة والدعاء لخصوص الإمام الحجة ( عج ) . الجزء الرابع : هو الدعاء للأمة وللنفس. معنى الحمد : في الجزء الأول : هناك علاقة بين الحمد والسؤال !! ولكن قبل ذلك نلاحظ أن ( حمد لله ) يحتاج منا لإدراك معنى الحمد ولو بصورة مجملة وكيف إن الله تعالى هو أهل الحمد وبأي شيء يُحمد الله ؟ بصورة مختصرة الحمد : هو أن تثني على الشيء ، وكل محمود تحمده فأنت تذكر محاسنه وتثني عليها وعلى ما لديه من أمور جميلة بشرط أن تكون اختيارية . فلا يكون الحمد في الأمور التي لا يملك فيها الإنسان الاختيار ، مثلاً حينما تصف وردة بالجمال لا يكون هذا حمدا !! وان كان ثناء عليها بالجميل ؛ فالمحمود شرطه أن يكون ما تثني عليه اختياري وأيضاً لا بد أن يكون جميلاً فنحن لا نمدح أحداً بأعمال قبيحة أو غير جميلة أو أعمال عادية لا شأن لها . الحمد لا بد أن يكون فيه ثناء على أمر جميل اختياري من قبل المحمود ، وحينما نريد أن نحمد الله لا بد أن ندرك ما هو الجميل الذي ننسبه لله عز وجل ، وهل هذا الجميل اختياري من الله أم لا !! النقطة الأولى : حقيقة حمد الله القرآن الكريم ذكر في آيات متعددة ما يعطينا قاعدة عامة : إن كل ما في هذا الوجود هو مركز لحمد الله عز وجل ، كيف ؟ الأمر الأول : القرآن قال إن كل ما في الوجود هو فعل الله ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ( الأنعام :102) فحيثما اِلْتفت وحيثما نظرت وأينما وجهت وجهك فإنما أنت تجد فعل الله عز وجل ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء ) (الأنعام :102) وليس المقصود فقط الأشياء المحسوسة , وإنما يشمل المحسوسات والغيبيات والمعنويات والأفعال كلها خلق الله عز وجل - هذه النقاط تحتاج لمقدماتها وبراهين ولكننا نأخذها كمسلمات قرآنية - هذا ما نص عليه القرآن الكريم أن كل شىء من مخلوقات علوية أو سفلية هي خلق لله تعالى . الأمر الثاني : إن كل ما في الوجود هو جميل ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (السجدة :7)، وهذا أصعب من الأمر الأول لأننا نرى غالباً أن الموجودات منها الجميل ومنها القبيح !! ما يُفرحنا نُعرفه أنه جميل أما إذا كانت الأشياء تسبب لنا صعوبة ومرارة فعندها لا يتضح لنا وجه الجمال فيها ولكن القرآن ينص على أن كل ما وجد وما سيوجد ويحدث في الوجود كله بما هو خلق فهو جميل . وبصورة مختصرة : أن كل ما يجري في هذا الكون حيثما هو إنما هو يسير بالأشياء نحو كمالها ومبتغاها ونحو هدفها ، وليس هناك شيء حسن وشيء غير حسن فكل ما في هذا الوجود حسن وجميل . منذ أن نصبح إلى أن نمسي فكل ما تقع عليه عيوننا وعقولنا له دور في تكاملنا !! نصبح فتطلع الشمس من المشرق وهذا لا شك في حُسنه ، ونواجه الأمور التي تطرأ في بيئتنا ومجتمعنا وحياتنا وكلها فرداً فرداً ؛ هي أمور تأخذ بيد الإنسان نحو بلوغ غاية هي الأكمل والأسمى و الأتم بالنسبة له ؛ سواء حسبناها مسرّات أم مصائب هي بما هي خير وهي خطوات نحو بلوغ الكمال حتى وإن رأينا أنها لا تناسبنا ولا تصلح لنا . إذن الأمر الثاني أن كل شيء في هذا الوجود فهو حسن . الأمر الثالث : إن كل ما يحدث في هذا الوجود هو باختيار من الله عز وجل ، وليس هناك شيء قام به زيد وشيء قام به عمر وشيء قام به الله تعالى . كل ما يحدث في الوجود هو لله تعالى (هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار ) (الزمر:4 ) فسواء نحن أدركنا هذه المسألة أم تخيلنا أن فاعل هذه الأشياء فلان أو فلان .. وأن هذه الأمور وقعت بإرادتنا أم بإرادة فلان أم ذلك الظالم المتجبر، فهي حقيقة بإرادة الله . نحن إذا تبصرنا وجمعنا هذه الحقائق بعضها إلى بعض وهي أن كل ما في هذا الوجود خلق الله ، وأن كل ما في هذا الوجود هو حسن ، وأنه كله باختيار الله عز وجل لتبين لنا أن الله عز وجل محمود على كل ذرة من ذرات هذا الوجود . لله الحمد على كل شيء وعلى كل حال ولهذا نجد القرآن أشار في آيات قرآنية كثيرة إلى أنه أهلك قوماً والحمد لله رب العالمين !! حتى في الأمور التي نرى أنها إهلاك ، أخذهم الله بذنوبهم والحمد لله رب العالمين !! فما يحدث من رزق فالحمد فيه لله تعالى ، وما يحدث علينا من معاملات وتعامل مع الناس فالحمد فيه لله تعالى ، وما يحدث فينا من مرض ومن مصيبة فالحمد لله رب العالمين . هذه مسألة في بابها وبحثها طويل ولكن نحن نريد أن نحمد الله حقيقة ؛ فنحن نحتاج لهذه النقطة وهي أن ندرك أن ما في هذا الوجود كله بلا استثناء هو مظاهر تجري فيها حمد الله عز وجل وحمدها وجميلها لله . النقطة الثانية : كيف نحمد الله عز وجل ؟ النقطة الثانية التي هي كالجزء المكمل للنقطة الاولى : إذا عرفنا أن كل ما في هذا الوجود يستنطق حقيقة حمد الله تعالى ، نحن نحتاج أن نتعلم هذا النطق ، كيف نحمد الله عز وجل ؟! لكل مخلوق لسان ولكل مخلوق قدرة ولكل مخلوق بيان خاص به يحمد الله عز وجل ؛ ولكن شتان بين حمد المخلوق المحدود الإدراك والمعرفة والشعور وبين حمد المخلوق الأكثر قدرة والأكثر معرفة . النملة تسبح بحمد الله عز وجل ولكن تسبيحها يتناسب مع قدرتها وإدراكها ومشاعرها ومعرفتها ، الحيوان ذو الخلية الواحدة وذو الخليتين يسبح الله عز وجل , والحيوان ذو الأجهزة المتعددة !! وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (الإسراء: 44 ) ولكن كل شيء يسبح بمقدار إدراكه ومعرفته وكل شيء حمده بحسب ظرف وجوده وإمكانياته . وهنيئاً لمن كان له مرشد يعلمه كيف يحمد الله عز وجل!! نحن لا نجد في هذا الوجود من درج على مراتب الكمال في حمد الله كما نجد لدى رسول الله وآل البيت ( ع ) ، فأنواع الحمد التي علمها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلمها علي ( عليه السلام ) وآل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي أرقى مراتب الثناء على الله تعالى . ويحق لنا أن نفخر بأننا نعرف دعاء الافتتاح ، هذا الدعاء لوحده فيه ما يقارب عشرون فقرة حمد ، وكل فقرة حمد في هذا الدعاء لا تجد لها قياساً ولا نجد أحدا يعرف كيف يمدح الله ويثني عليه ويحمده كما يفعل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) والإمام الحجة (عجل الله فرجه ) ففي هذه الادعية يعلموننا كيف نحمد الله. فكمال الإنسان في مراتب وجوده يكون بكمال حمده لله تعالى . وأيضاً لا بد أن نكرر الإشارة إلى هذه النقطة وهي أن السائل حينما يسأل الله عز وجل - وهذا هو ديدننا وقد خلقنا لهذا – فإنه بمقدار ما نسأل الله عز وجل مراتبنا تعلو وترتفع ، فشأننا يوم القيامة يكون بقدر ما نسأل الله عز وجل وبمقدار ما يكون سؤالنا حقيقياً يكون عطاء الله لنا، (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) (ابرهيم: 34) معنى الآية أن كل شيء تسأله الله بكيانك وحقيقتك فإن الله سبحانه يعطيك إياه . أي كرم وأي رحمة !! كل ما تسأله يعطيك إياه مطلقاً (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) ، إذا كنت صادقاً في سؤالك لله تعالى فإنه سبحانه أكرم الأكرمين فليس هناك بخل في ساحته (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقره: 186) كيف نسأل الله وماذا نسأله ؟ وهذا هو المهم ، لاحظ نحن عندما نأتي بطفل صغير ونقول له اسأل الله عز وجل فهو بقدر ما في ذهنه وعقله وإدراكه عن الله عز وجل يسأل ، الطفل ماذا يسأل ؟؟ هو يرى أن الله خالق الشجر والمطر وخلقه فهو ماذا يسأل ؟؟ يسأل الله بهذا المقدار الذي يدركه عقله أنه تعالى خلق الحيوان والنبات والألعاب ، فلو لم يتكامل هذا الطفل وحشر يوم القيامة سوف تأتيه هذه الخيرات التي هي بقدره ؛ أما الإنسان الذي يرتفع في معارفه ويطلع على الجمال أكثر فهو يسأل الله بقدر ما حصل عليه من معرفته وإدراكه ، فإذا تدرج و ارتفع في معرفته لله تعالى فسوف يكون سؤاله لله أعلى وأرفع .[color="red"]..يتبع[/colo |
#4
|
|||
|
|||
![]()
العلاقة بين السؤال والحمد :
السؤال قرين المعرفة ، والمعرفة هي الحمد ؛ أي أنت بقدر ما تكون حامداً لله تعالى تسأل الله تعالى . لاحظوا العلاقة بين السؤال والحمد !! السائل حامد بالطبع ، عندما تسأل الله تعالى : يا رب أعطني مالاً !! سؤالك هذا ظاهره طلب وهو يستبطن أنه أنت يا رب مالك الأموال فالسؤال قرين الحمد . لا سؤال إلا من حامد لكن هذا الحامد نظره الأصلي إلى حاجته ونظره الباطني إلى الله تعالى أنه هو المعطي ؛ فالسائل ظاهره وأصل طلبه وسؤاله طلب للمال مثلا !! ولكن حاله مستبطن للحمد . الحامد على خلاف ذلك ؛ فالذي يحمد الله عز وجل ويقول يا رب أنت الكريم وأنت المعطي وأنت الرازق حتى بدون أن يسأل الرزق !! عندما يقول يا رب أنت الكريم ويتعلق قلبه بهذا الكرم الإلهي فإنه أصبح الآن في موضع إفاضة الكرم الإلهي بمقدار ما تعلق من قلبه بكرم الله، أصبح هو موضوعاً لظهور كرم الله عز وجل . ولهذا ورد في الروايات أنه إذا أصابتك مصيبة فأكثر من قول ( يا رؤوف يا رحيم) مجرد قولك (يا رؤوف يا رحيم ) لا أن تقول نجني مثلاً !! وذلك بتعلق قلبك بالرؤوف الرحيم ستكون موضوعاً لظهور الرأفة والرحمة في داخلك ؛ فالحمد والسؤال أمران متقاربان ولهما علاقة يستبطن كلاً منهما الآخر - إذا كانت عبارة يستبطن صحيحة - الحامد إذا حمد الله عز وجل وتبلغت معاني الحمد من قلبه أصبح مظهراً لظهور آثار ذلك الحمد ، ولهذا عندما يقولون عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من شغله الثناء عن المسألة لنفسه أعطيه أفضل ما أعطي السائلين ) حديث قدسي . لماذا ؟ لأن نفس الحمد والثناء على الله عز وجل موجب لأن يكون الإنسان مظهراً وموضعاً لإفاضة تلك الجهة الحمدية التي حمد الله عز وجل بها . حينما تحمد الله على أن الله هو الشافي المعافي تقع نفسك موضع من تظهر عليه أثر ذلك الاسم فيكون الإنسان محلاً لشفاء الله عز وجل , حتى وان لم يقل يا رب أشفني . درجات الحمد : النقطة التي نريد قولها علينا أن ندرك أنه حينما نحمد الله تعالى فإننا نخطو الخطوات الصحيحة لكي نبلغ خطوات الكمال . نحن لا نقول هذه هي الغاية التامة من الحمد بل هذه بدايات الحمد ؛ بداية معنى الحمد أنه حينما أقول ( الحمد الله الذي يعطيني والذي يهب ) فإنه إذا صدق إدراك هذا المعنى في قلبي فإنني أكون موضعاً لجهة الإعطاء وجهة الوهابية من الله عز وجل . سوف نلاحظ في هذا الدعاء نحو من التلازم بين جهة الحمد لله وجهة السؤال ؛ المقطع الأول عشرون أو أقل من الفقرات كلها حمد ، ولكن نلاحظ في بعضها سؤال كأن السؤال مستبطن داخل الحمد . وفي بعض الفقرات يظهر بمناسبة حمد الله أنه هو المعطي ، هو الكريم ، هو الوهاب ، يظهر لنا مقطعاً من السؤال . وهذا ظهور أمر قد استُبطن وظهور أمر يناسب أن يخرج في ذلك الموضع .- إن شاء الله - يصبح ركيزة من ركائز دعائنا وعباداتنا لله عز وجل أن نلتفت أن الحمد اقرب طريقة لبلوغ ما نتمناه ، أقرب حتى من السؤال . الحمد لله تعالى أقرب حتى من السؤال وهذا ما أخبرنا به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما يفيدنا به المنهج العقلي . قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الدليل . ويتضح لنا أن أقرب شيء لتحقيق غايتنا ورغباتنا ومسائلنا هو الحمد. وهناك بعض الأدعية التي هي في موارد الحاجة والفاقة والشدة ، إذا نحن قرأنا هذه الأدعية نجد أن الدعاء أغلبه كان حمداً مع أن الإنسان في موضع شدة وكان ملتفت لحاجة ولكن الدعاء أغلبه هو حمد وثناء على الله عز وجل بالجميل وما هو أهله من الثناء ثم يأتي ذكر الحاجة كنوع من التطمين للإنسان ونوع لبيان فقرة وحاجته إلى الله عز وجل . نعم بهذا نكون قد أعطينا مقدمات ونقاط تصلح لأن تهيأ لنا الدخول في فقرات هذا الدعاء . أفتتح كمالي بحمدك يا رب : وهنا نستعين بالله تعالى لنبدأ أول فقرة في الدعاء ( اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ، وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ ) ( اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ) من هنا أخذ اسم الدعاء ، أي أني يا رب أشرع وأجعل مدخلي ومولجي وطريقي إلى عبادة الله والتقرب لله سبحانه والسير والسلوك أجعله منطلقاً من حمد الله عز وجل ( اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ) وكأن الإمام ( عليه السلام ) يضع لنا قاعدة يجب أن نتحرك منها ، نحن قد عزمنا !! نفهم من الفقرة الأولى أنه لدينا عزم على أن نشرع في حمد الله عز وجل حتى تفتتح لنا أبواب الثناء على الله التي تسوقنا إلى الكمال فإننا نشرع بحمد الله . من الذي يحمد الله وكيف نحمد الله ؟ حينما نريد أن نحمد الله لا بد أن يكون لدينا أولاً إدراك منطلق من وسائل الحس فأول ما يدرك الإنسان الأشياء المحسوسة فاليد تلمس والعين ترى والأذن تسمع ولو لم تكن هذه الأمور الحسية موجودة فإنه لا تتوفر أسباب المعرفة الإدراكية العلمية . فمبدأ معارف الإنسان من أحاسيسه ، رؤية جمال الأشياء وسمع جميل الأصوات ، وهكذا . وبهذه الأمور تترقى إدراكاتنا ومعرفتنا ونحتاج إلى ذلك العقل الذي وهبنا الله عز وجل وبه توسعت مدارك معرفتنا فأصبحنا نعرف الكرم والخير والجمال بأشكاله . الإمام ( عليه السلام ) يعلمنا أنه لكي نتمكن من استغلال كل هذه الخيرات والنعم الإلهية بطريقة صحيحة تقودنا إلى بلوغ الغاية التي هي حمد الله عز وجل لا بد أن يكون هذا بتوفيق وهداية من الله عز وجل . ( اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ) أي رب أنا أحمدك ولكن (وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ ) هذه الفقرة قد تكون محمولة على العموم أي هذه يا رب أول فقرة أحمدك بها أي أنت يا رب تسدد للخيرات ؛ لكن الأقرب أن تكون هذه الفقرة ناظرة للفقرة التي قبلها مباشرة يعني يا رب أنا حينما أريد حمدك فإنني لا أستطيع أن أحمدك إلا بمنك ، والمفسرون الذين فسروا سورة الفاتحة يقولون(بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (البسملة يتبعها (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي رب ( الحمد ) ولكن هذا الحمد لا يكون إلا (بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيقولون إن التوفيق لحمد الله تعالى لا يكون إلا بفيض جود الله ونعمه وهدايته ، وهذا ينطبق على هذه الفقرة (اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ ) أنا يا رب أريد أن أحمدك ولكنني في حاجة إلى منك . منك : يعني عطاؤك وإفاضتك لكي أتمكن من تحقيق هذه الغاية (اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ) أي أنت الذي تسددني يا رب لكي أحمدك حمداً يليق بك . الحمد بقدر إدراك الحامد ومعرفته . كم من إنسان يريد أن يمدح إنسانا آخر، شخص يريد أن يثني على شخص آخر فيثني عليه بأمور لا تناسب مقامه ؛ فكيف بمن يريد أن يمدح الله عز وجل !! ليس أمراً متيسراً أن يوفق الإنسان لمدح وحمد الله عز وجل ، بل على رأي العلماء ليس أمراً ممكناً أصلاً . أي ليس هناك مادح لله تعالى مطلقاً ، لماذا ؟ لأن المدح والثناء والحمد يقتضي المعرفة ومن ذا الذي يعرف الله حق معرفته ليمدحه . رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو الغاية الكامل في الخلق حينما يمدح الله يقول مضمون الرواية ( أثني عليك بما أثنيت به على نفسك ) فأنا لا أعرف شيء أمدحك به فكل ما نعرف من الجمال هو مقيد بقيود وجودنا وبمحدوديتنا. فنحن تعلمنا الجمال من هذه الأشياء التي حولنا ولذلك عندما نريد أن ننسب الجمال لله تعالى نمدح الله عز وجل كما عهدنا من الجمال فهو سميع قوي عليم قادر ، كلها إنما ندركها بحسب ما توصل إليه إدراكنا ، وإدراكنا لا يتم ولا يصلح للثناء عليه سبحانه ، فحتى نثني على الله عز وجل بثناء يقبله الله نحتاج إلى منّ وإفاضة من الله عز وجل ، إلى كرم منه سبحانه يتمم معانينا الناقصة ويجعلها مقبولة . (وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ) الإنسان كلما كبرت درجته وعلت ، كلما تأسف على ما كان يثني به على الله عز وجل قبل ذلك . الذي تعلم في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) كلما عرف وأدرك كم كان مقصرا في المدح والثناء على الله عز وجل ، ولكن مسامحةً ورحمةً به تقبل منه ، ويتدرج الناس في المعرفة إلى أن يصلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) الذين يقولون ( وقصاراي الإقرار بالقصور ) أي إنني أقر أن أقصى شيء عندي وأكمل حالي وأعلى درجات ثنائي عليك أن أقر أنني قاصر عن حمدك ، هذا أكمل وأجمل درجات الحمد عند هؤلاء (عليهم السلام ) . ولذلك نحن في كل خطوة وفي كل محل نريد أن نحمد الله عزوجل لابد أن يحي عندنا هذا الشعور أن يا رب أنا في حاجة إلى منِّك ورحمتك ليكون هذا الحمد شيء ، لأننا حتى لو استعرنا عبارات وألفاظ الأولياء فالمشكلة في المعاني فنحن نذكر الكلام الذي عن الإمام السجاد وعن الحجة ( عليهم السلام ) ولكن لا ندرك المعاني التي يريدونها ، جميع الألفاظ ألفاظهم ولكن المعاني معانينا وتنطلق من قلوبنا . فنحن نحتاج إلى رحمة إلهية في كل خطوة نحمد الله عز وجل فيها . (اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ) عسى أن لا أقول كلاماً أمدحك فيه وإذا بالمعنى الذي يخرج من قلبي لا يليق بشأنك يا رب - أستغفر الله- فأنا أحتاج إلى منك لأدرك ويكون معنى كلامي فيه شيء من المقبولية ليكون مدحاً لك . (وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ) هذه ربما تكون الفقرة الأولى من فقرات الحمد (اللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ ) هذه كالمقدمة والمبينة للغاية من هذا الدعاء . أنا يا رب أقبلت عليك في هذا الدعاء وأنا أريد أن أحمدك وأنا أحتاج لمنك وخيرك في كل خطوة وكل حركة أتحركها لحمدك وأنا يا رب موقن بأنك أنت أرحم الراحمين وأشد المعاقبين وأعظم المتجبرين . والحمد لله رب العامين |
#5
|
|||
|
|||
![]()
الدرس رائع جدا رحم الله والديكم على النقل
وفتح عليكم أبواب الجنة والرحمة من اوسعها |
#6
|
|||
|
|||
![]() ✨��✨✨��✨�� ��بسم الله الرحمن الرحيم �� ✨شرح دعاء الافتتاح ✨ سلسلة دروس القاها سماحة الشيخ الفاضل ☄عبد المحسن النمر ☄ في شهر رمضان 1422ه في الدمام يشرح فيها بعض معاني دعاء الافتتاح الدرس الثالث : أنواع الحمد الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين ... ( اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ، وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ ) تلخيص لما مضى: هذا الدعاء تربية منهجية وتعليم لحمد الله عز وجل ، حيث أنه يأخذ في الاعتبار كيف يسلك بالداعي منازل التعرف على الله عز وجل وتهيئة النفس وتوجيهها إلى فتح أبواب التدرج للتعرف على كمال الله وجماله وجلاله . ومدار هذا الدعاء هو الحمد ، وهذا هو الجزء الأول من الدعاء إذ قسمنا الدعاء مسبقا إلى أربعة أجزاء ، وذكرنا بنحو مقتضب أن الحامد لله إذا ذكر صفة من صفات الثناء على الله يلزم منها أن يكون هذا الذاكر محلا لتجلي هذه الصفة وظهور آثارها وذلك إذا كان ذكره عن صدق . وسوف نرى في فقرات الدعاء كيف أن الحامد سائل لأن من آثار الحمد الاستدعاء والسؤال ولكن هذه بداية درجات الحامد . وهذا تلخيص مغزى فقرة (اَللّـهُمَّ اِنّي اَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ) ، ثم تأتي الفقرة الثانية (وَاَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَّنِكَ) اعترف بأنني أنا يا رب حين أحمدك ليس لي وسيلة ولا قدرة على تحقيق هذا الحمد إلا بفضلك وعطائك ، فإذا حدث مني ما يكون فيه صبغة الثناء الحقيقي عليك فإن هذا فقط وفقط بسبب توفيقك ومنك . (وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ) هذه الفقرة والفقرة التي تليها هي كالتهيئة والتبرير لأتوجه بحمدي لك ، يا رب أنا أعرضت عن التوجه لسائر المخلوقات لأنني أراك يا رب أنك أنت (اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ) –وفيها حصر فليس هناك أحد آخر يستحق الحمد سواك -أي أنا عندما أطلب شيئاً فأنا أطلبه من المعطي الرحمن الرحيم وهو أنت سبحانك ، أنا يا رب إذا أخاف من شيء فأنا أخاف ممن يكون -شديد العقاب- عقابه أشد وأقوى وأدوم من غيره وأشد المعاقبين هو أنت ، كما أنني إذا أردت أن أحمد ذي العظمة والكبرياء والجلال فهو أنت سبحانك ؛ فكأنه توجيه أنه أنا يا رب وجهت همي وقدرتي لحمدك لأنك أنت (اَرْحَمُ الرّاحِمينَ ، اَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ ، أشَدُّ الْمُعاقِبينَ) . الأذن بالدعاء: ثم تأتي الفقرة الثانية (اَللّـهُمَّ اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي، وَاَجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي) هي كالاستتباع لهذه الفقرة (وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ ) بعد أن تبين أن توجه قلبي لحمدك لأنك أنت الرحمن الرحيم المعطي ، يقول أنه ربما يخطر سؤال في ذهن الداعي أنه وإن كان الله هو الرحمن ، الرحيم ، وأشد المعاقبين . ما الذي جرأني على سؤاله ، ما الذي جرأني أن أقصده وأتجرأ على سؤاله ؟ يقول (اَللّـهُمَّ اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ) لاحظواالترابط بين الفقرتين أنت الذي تستحق أن تحمد فأنا لست أهلاً لأن أحمدك ولكن أنت أذنت لي بدعائك ومسألتك (فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي) يا رب مبرري وحجتي في أنني أحمدك وأسألك وأثني عليك هو أنك أنت يا رب أذنت لي في دعائك ومسألتك (فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي ، وَاَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي ) أقل عثرتي عامة أي أنا يا رب كثير العثرات والأخطاء أتجاوز حدود ما أمرت به ونهيت عنه التفت إلى غيرك أجعل حيائي وخوفي من غيرك في حياتي الكثير من العثرات . وقد تكون فيها خصوص هذه الجرأة لأنه لما قال (اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ) أي كأنه يبين سبب الجرأة التي جعلتني أتجرأ على سؤالك أي أنا يا رب داعيك وسائلك لأنك أذنت لي . متى أذن الله للعبد بالسؤال والدعاء ؟! هنا يحتاج السائل أن يستذكر متى أذن له الله بالدعاء والمسألة ؟ فلا بد أن نلتفت إلى أنه هناك كرم خاص وتوفيق وتوجيه خاص لنا بالدعاء بمعنى أن لا نتصور أن الإنسان إذا وفق وخلا بالله عز وجل ودعا بدعاء الافتتاح أن له المنة والفضل في هذا العمل بل الذي وفقه للدعاء هو إذن الله عز وجل . حينما أعطاه العقل والفكر وهذا القلب كان إذنا له ، حينما أرسل إليه الرسل والأنبياء كان إذن الله له حينما أنزل إليه الكتب كان إذناً ، حينما جاءت الكتب السماوية تحث العبد على السؤال والدعاء فهو إذن!!. القرآن كله والروايات كلها إذا أردنا تلخيصها فتلخصيها أنه اسألوا الله وتوجهوا إليه سبحانه ، فدعوة الأنبياء تدور مدار توجيهنا نحو الله تعالى. قلوبنا وعقولنا تدعونا ودعوة الأنبياء توجهنا . هذا إذن من الله عز وجل وتوفيق لنا بالدعاء ، ومن التوفيق هذا الظرف المعين الذي جعلني أدعو الله عز وجل فهو إذن من الله عز وجل لي في الدعاء . حينما يشعر الداعي بهذا الشعور يقول ( يا رب اَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي) أي يا رب هيأت لي ظروفاً لكي أدعوك وأتوجه إليك لكنني غير مطمئن أنني أستطيع أن أدعوك بما يجب لك من الدعاء . (وَاَقِلْ يا غَفُورُ عَثْرَتي) قد تكون عامة لما مضى في حياتي وقد تكون بخصوص موقفي هذا وإقدامي على الدعاء والثناء والحمد فأنا خائف في أثناء دعائي أن لا أكون صادقاً مخلصاً واعياً لما يحق لك من الدعاء والثناء (واَجِبْ يا رَحيمُ دَعْوَتي) كذلك قد تكون إجابة عامة لدعواتي في حياتي التي مضت وقد تكون في خصوص حالي هذا الذي أتوجه إليك فيه. ( فاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي ) أيضا قد تكون عامة في كل حياتي وقد يكون التوجه فيها أنه الآن أنا يا رب شارع في دعائك (فاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي) ( اسْمَعْ ) ليس بمعنى اعلم بما أقول لأن الله عالم بكلام المؤمن والكافر والمصيب والمخطئ ، لكن (فاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي) أي هذه الحجب التي تحجب بين كلامي وبين وصوله للقبول في ساحتك يا رب ارفع هذه الحجب. صحيح أننا ننظر إلى هذه الفقرات إلى أنها عامة في الحياة ، لكن الظاهر أن تسلسل الفقرات وارتباطها يدل على أن هذا الحامد يتقدم خطوة ثم يتردد .. أنا أحمد الله عز وجل ما المبرر لحمدي لله عز وجل ؟! لاحظ كيف تسير هذه الخطوات . فكأنما هي مسيرة ومسلك يحرك الإنسان درجة فدرجة لرفع أسباب الوحشة والتخوف وعدم الاطمئنان ، عندما نصل إلى الفقرة السابعة سوف يتضح هذا المعنى بصورة أجلى .لكن من الآن التفتوا إلى أن هذا الدعاء يرتقي بالإنسان خطوة فخطوة ، لأن تلك الغيوم التي تراكمت على قلبي وفكري وحياتي الآن أنا في مقام مواز ومقارب لمقام الأولياء والأنبياء الصادقين الشاكرين الحامدين الذين بلغوا ، فإني أضع نفسي في موضعهم وأعزم على أن أكون حامداً لك مثلهم ؛ أي على طريقة حمدهم أحمدك وليس كحقيقة مدحهم. تهيئة النفس للوصول إلى مقام الحمد لله : رهبة هذا الموقف تحتاج إعانة من الله ولتقريب الصورة نضرب مثالا حال الإنسان الذي يجد نفسه مدعواً مع أشراف بلده للقاء شخص عظيم فإنه قبل أن يقدم على اللقاء يرتب مظهره وما يتمكن من تهيئة لأموره وشؤونه ، يحاول أن يزيل تلك الأمور العالقة بينه وبين هؤلاء الأشراف حتى يصبح برفقتهم فهو كذلك مع الأولياء عندما يريد أن يكون حامداً لله عز وجل يتهيأ ويستعد. التعاليم في الدعاء هنا تأتي لترفع جوانب الغيوم وظلال الخوف والوحشة والتردد وأسباب اليأس فيتممها هذا التعليم فيقول (فَكَمْ يا اِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَة قَدْ اَقَلْتَها، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها) قد نفهم أن هذه الفقرات عامة لجملة حياة الإنسان وقد نفهم أنها يا رب كما سبق لي في حياتي وأنعمت علي بشتى النعم وفرجت عني الشدائد والكرب وكشفت همومي وأقلت عثراتي فيما مضى من حياتي فأنا الآن يا رب مقدم على حمدك وأتمنى عليك وأسألك أن تزيل العقبات التي تقف بيني وبين تلك المرحلة من الحمد والثناء عليك . يتبع |
#7
|
|||
|
|||
![]()
الدعاء استئذان يستبطن الحمد:
هذه الفقرات التي ذكرناها استئذان واعتذار ولكن في نفس الوقت تستبطن الحمد أيضاً . فلو نظرنا لها من الجهة الأخرى لوجدنا أنها مبدأ الحمد حينما يقول ( عليه السلام ) (وَاَيْقَنْتُ اَنَّكَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ في مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ ، وَاَشَدُّ الْمُعاقِبينَ في مَوْضِعِ النَّكالِ وَالنَّقِمَةِ وَاَعْظَمُ الْمُتَجَبِّرِينَ في مَوْضِعِ الْكِبْرياءِ وَالْعَظَمَةِ، اَللّـهُمَّ اَذِنْتَ لي في دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ فَاسْمَعْ يا سَميعُ مِدْحَتي) هذه استئذانات ومقدمات تستبطن حمد الله عز وجل ، أو هي حمد في لباس الاستئذان .؟! البداية بصريح الحمد: الفقرة الأولى يرد فيها الحمد بصراحة (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً) تلك الفقرات فيها الحمد مستبطن لكن لو أردنا فقرة يرد فيها الحمد الصريح لوجدنا أن هذه الفقرة هي أول فقرة يرد فيها الحمد الصريح ، البقية كانت كلها دعوات وتبرير وإن كانت مليئة بالمحامد لله عز وجل . الحمد التوحيدي : (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي َلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ) وهذه قضية توحيدية ذكرها القرآن في عدة مواضع لأنه قد ابتلي الإنسان في توجهه للخالق والمعبود بعدة ثغرات فكرية وقعت به في الشرك ، فتصور الإنسان أن هذا الخالق الموجد شأنه شأن هذه الموجودات ، وأن هذا العالم تولد منه كما نرى كيفية الولادة ، فالتولد هي الظاهرة الطبيعية في بعض الموجودات ( الحيوانات ، الإنسان ) ، بل حتى الأشياء المادية المختلفة ، فلا نجد شيئا ينبع بدون مقدمة وإنما له صورة ووجود سابق ، ثم يكون نوع ازدواج بين شيئين ينتج منهما شيء ثالث ، ومنها تسربت هذه الفكرة على ذهن الإنسان و هيمنت عليه ، و لجهله وقصوره حكم على البارئ عز وجل أن شأنه شأن سائر الموجودات من ظهور تولدي ، فأول فقرة واردة في الحمد هي بصدد نفي هذا التصور . والقرآن ذكر أن اليهود والنصارى وأيضا الكفار وقعوا في هذا التوهم فهذه الفكرة شملت الكل . وإذا أردنا أن نعمم فكرة التوحيد والولادة والتولد لوجدنا أن كل مشرك بالله عز وجل ينشأ شركه من اعتقاده أن الموجودات تمر بعملية الظهور من ازدواج حالتين تنتج منهما حالة ثالثة ثم هذه الحالة الثالثة تظهر بالتدرج في حالات أخرى فظاهرة التولد ظاهرة تصيب العقل البشري من السابقين واللاحقين (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (التوبة 30) وقدم القرآن في آيات كثيرة نفي لهذا التصور وبين سبب الخلل الذي وقعوا فيه . بداية الحمد أن هذا التخيل الذي تتخيلونه في أن الله وجد بموجود قبله ورث منه الوجود والحياة ثم نحن تولدنا منه تخيل غير صحيح فلله الحمد حيث لا صاحبة له ولا ولد (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً ) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ ) هذه العبارة واضحة وإن كانت ذات معنى أعمق وأنه لا شريك لله في الملك لا إله ولا نبي ولا إنسان ولا أي موجود شريك له سبحانه في ملكه ، بل أنت ايها الانسان لست شريكاً لله عز وجل حتى في نفسك وقدرتك وما لديك ، فكل ما في هذا الوجود ملك محض لله عز وجل حتى أنفسنا ومشاعرنا . (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ) لم يكن لله من يكون معين له يملك عليه القدرة والهيمنة بسبب حاجته له ، ليس هناك شيء في هذا الوجود يحتاجه الله حتى يكون ولياً له عز وجل . (وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً) نتيجة هذا الثناء على الله عز وجل والحمد له أنه كبروا لله عز وجل ، أي الله أكبر مما نتخيل ونتصور ، وأكبر من كل صورة ذهنية تخطرعلى ذهن الإنسان وأكبر من كل كبير ، الله عز وجل له الكبرياء والعظمة المطلقة . الحمد التحميدي : (اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا) هذه ثاني فقرة يتكرر فيها الحمد صراحة ، الفقرة الأولى من الحمد فيها أربعة أركان أما هذه الفقرة فهي واحدة . الفقرة الأولى توحيدية بحتة أما هذه فهي حمد تحميدي بمعنى إن هذا الحامد كأنما يريد أن يحمد الله عز وجل ثم لا يعرف كيف يحمده ولا يدري بأي شيء يحمد الله عز وجل فيقول (اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا ) قد يكون لها معنى آخر ولكن الأقرب أن الله قد مدح نفسه ، ولا شك أن المادح الوحيد لله هو الله لأن مدحنا ومدح سائر الموجودات لله عز وجل إنما هو بقدر سعة وجودهم وفكرهم ، فكل حامد يحمد الله إنما حمده راجع على نفسه وقدرته وبحسب امكاناته ، ومن التجسر و الجرأة على الله أن تقول إننا نحمدك يا رب ، أو أننا نعرف كيف نحمدك . فنحن نتلفظ بما ورد في القرآن ، ولكن نحن نعرف أن المسألة ليست مسألة ألفاظ و لو كانت المسألة مسألة ألفاظ لربما كان الذي يحفظ الكلام يعرف كيف يحمد الله عز وجل ؛ إنما المسألة مسألة إدراك ومعرفة وتحقق . فأول فقرة بعد فقرة التوحيد هي التحميد المطلق لله عز وجل ، يا رب أنت حمدت نفسك فأنا بجميع ما حمدت به نفسك مما جاء على لسان أنبيائك وبما نزل في كتبك السماوية فإنني أنسبه إليك (اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا) وأنا أسلم بأن هذه المحامد ليست مني ولا تنسب لي ولا أنا الذي أدرك معناها ولكن كما أثنيت على نفسك وأنت أعلم بنفسك وكبريائك وعظمتك ، فكما أثنيت على نفسك ذلك الجلال والكمال والتسبيح والتقديس الذي نسبته إلى نفسك لا التسبيح الذي أنا أعرفه ولا التقديس والجلال الذي أنا اعرفه وإنما الجلال والعظمة الذي نسبته إلى نفسك أنا أنسبه إليك . (اَلْحَمْدُ للهِ عَلى جَميعِ نِعَمِهِ كُلِّها ) كل نعمة من نعمك يا رب هي مظهر لكل محامدك كل نعمك يا رب هي ابتداء وعطاء بلا استحقاق وهي مظهر لجميع جمالاتك ، فنحن يصعب علينا أن ندرك هذا المعنى لكن نعم الله الجليلة مظهر لحمده ، ونعمه التي نراها صغيرة هي مظهر لجميع محامده أيضاً . الفقرة الثالثة والرابعة في الحمد الفقرة الثالثة (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا مُضادَّ لَهُ في مُلْكِهِ، وَلا مُنازِعَ لَهُ في اَمْرِهِ) أي لا يوجد هناك اثنان متضادان في الملك وربما تكون هذه الفقرة تفصيل أو قرينة لما مر أنه (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً، ، وَلا مُنازِعَ لَهُ في اَمْرِهِ،) وهذه أيضاً ربما فقرة تفصيلية لما مر بمعنى أن الله عز وجل الذي يحكم على جميع هذه الموجودات لا يوجد أحد له حكم مع الله ، قد نتخيل نحن مثلاً ملك يأمر والوزراء ينفذون أوامره فلا بد أنه يحدث في تسلسل هذه الأوامر خروج لرغبة ذلك الملك فلا تقع الأمور تماماً على ما يريده ، نحن لا نبعد هذا التصور عن الله عز وجل نحن في خيالنا نتصور أن الله أمر الناس بالخير لكن الناس فيهم من أطاع وفيهم من عصى فحدث - استغفر الله - عدم استجابة تامة لما أراده تعالى . يرتسم في عقولنا أن الله سبحانه أمرالناس وأرسل الرسل والملائكة والأسباب والمسببات ولكن الناس عصوا فنازعوا الله في أمره بكيفية ما أو بأخرى هذا الذي نراه ليس بحق ، إنما الحق أن كل ما يجري في هذا الوجود هو بإرادة إلهية لا تتخلف ذرة واحدة . يتبع |
#8
|
|||
|
|||
![]()
الفقرة الرابعة (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا شَريكَ لَهُ في خَلْقِهِ، وَلا شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِهِ،)
الفقرة الخامسة : إفشاء الحمد الفقرة الخامسة ( َلْحَمْدُ للهِ الْفاشي في الْخَلْقِ اَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ، الْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ، الَّذي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً، اِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْوَهّابُ) هذه من أطول الفقرات وعندها سينتهي الحمد في المقطع الأول ، وسيتضح أن هناك تسلسل وترتيب في هذه المقاطع ( الْحَمْدُ للهِ الْفاشي في الْخَلْقِ اَمْرُهُ وَحَمْدُهُ) الفاشي يعني المنتشر أي الذي يوجد في الخلق إنما هو أمر الله عز وجل ، أمره الذي وجدت به الموجودات وظهرت إلى عالم الوجود فأمر الله هو الظاهر ، كما أن إرادته سرت في هذا الوجود فعلى كل ذرة من ذرات هذا الوجود أمر الله وعليها حمد الله عز وجل . (الظّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ) مجد الله عز وجل ظاهر بالكرم أي الله جل جلاله وعظمته ورفعته ومجده مجد الكريم الذي يعطي ويهب ولهذا خرج عالم الوجود للوجود ، نحن نتصور أن فلان له عظمة ومجد ولكن هذا المجد لا يظهر لأنه ليس كريم وليس منكشف أما مجد الله العظمة والكبرياء وهي بارزة و مفيضة على هذا الوجود بالكرم ، لم يكن هذا الوجود في حد ذاته مستحق وليس لهذا الوجود أصل ليكون به أهلاً للإفاضة ولكن الله أفاض هذا الوجود على الموجودات . (الْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ، الَّذي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً) هذا هو التسلسل الذي ينساق إليه حمد الله عز وجل الواحد الأحد الذي ليس له شريك والذي له جميع المحامد والذي لا مضاد له في ملكه ولا منازع له في أمره ، الحمد لله الفاشي في الخلق حمده ، والحمد لله الذي مجده ظاهر بالكرم . الله عز وجل يفيض بالخيرات والنعم على عباده من خزائنه التي لا تنقص . إذا نلت أنت شيء أو نال أحد غيرك من الدرجات فإن هذا لا ينقص من عطائه ، وهنا تنفتح أمام الإنسان أبواب الخيرفي هذه الخيرات والبركات ، نحن نرى إن كل ما في هذا الوجود وكل ما عهدناه في هذا الوجود كلما أخذت منه فإن المتبقي قد تأثر وقل .الآن بإمكانك أن تأخذ لكن تأخذ بروية فما تأخذه في المرة الثانية يختلف لأن أخذك في المرة الأولى قد أنقص الخزينة ، فإذا طلبته ثالثة فإنه لا يمكن أن تنال في هذه الحالة كما نلته في الحالة الثانية وهكذا كلما أخذت كلما قل ما يمكن أن تحصل عليه . لكن خزائن الله وعطاء ه على العكس من ذلك ، فأنت كلما زدت عطاءً كلما زدت إلى الله تعالى تقرباً وزادت عليك الإفاضات وانفتحت لك أبواب خيرات لم تكن تعهدها من قبل ، لا نتصور أن الله عز وجل يوم القيامة يفيض علينا تمراً وخبزاً وماءً حتى نشبع !!! كل ما نعرفه وما نعهده سوف يفيضه علينا إلى الحد الأسمى .في الآخرة كلما زاد الله لك عطاء كلما ازداد وجودك سعةً وازدادت طلباتك علوا فالعطاء الأخروي لا يمكن أن يتخيله الإنسان أو يخطرعلى قلبه ما عند الله من خيرات . الله إذا أفاض علينا رحمة فسوف نكون أكثر استعداداً لاستفاضة رحمة أوسع منها ، فكم هو كريم هذا الرب وكم هي واسعة هذه العطاءات وهذا لا يمكن أن يخطر في بالنا ولا يمكننا استيعابه ، لأننا الآن ندرك حداً معيناً من هذه الرحمات ، الآن لو فتحنا كل أبواب الرحمة على قلوبنا لرسمناها بصورة معينة . إذا أفاض الله علينا من خيراته فسوف تتسع ساحة استعدادنا ولهذا يتلو هذه الفقرة مباشرة السؤال . كل ما ذكرنا هو حمد وقد ذكرنا أن هذه الفقرة خاصة بالحمد وليس فيه سؤال ولكن السؤال جاء تبعاً وفي ذيل هذه النظرة الكرامية لله عز وجل ، سبق القول أن الحامد سائل لاحظوا حينما حمد الله وأثنى عليه وبلغ أن يقول (وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً، اِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْوَهّابُ) كان تجلى هذه الوهابية الإلهية أن الإنسان يسأل شيئاً آخر ربما غير ما كان سيسأله قبل أن يحمد الله !! انظروا كيف تغير السؤال في الفقرات التالية فيقول ( عليه السلام ) : (اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ قَليلاً مِنْ كَثير، مَعَ حاجَة بي اِلَيْهِ عَظيمَة وَغِناكَ عَنْهُ قَديمٌ ) إلى هنا نتوقف لكن أنبهكم إلى أن إكمال هذه الفقرات يحتاج أن نستتبع كيف أن الدعاء بعد أن بلغ هذه المرحلة من الحمد لله عز وجل سوف يكون الحمد الآن بصيغة أخرى ، و سوف يتبين لنا أن هناك محامد غير حمد السائل فبعد أن يصل الإنسان إلى هذا المقدار من حمد الله عز وجل سوف تنفتح له أبواب أخرى من الحمد . والحمد لله رب العالمين. |
![]() |
|
|