طالب العلم وأمانة التبليغ

[ام يوسف]

طالب العلم وأمانة التبليغ
الطالبة: السيدة حوراء دخيل السادة
1446هـ


هذه الأيام نعيش في زمن من الحروب الفكرية والغزو الثقافي الذي أثر سلبًا
على الأجيال الجديدة، حيث سلبهم هويتهم الدينية وأبعدهم عن عقائدهم. كما أنه شغلهم بالأمور التافهة والعوالم الوهمية. وقد تمكن هذا الغزو من اختراق المجتمعات من الداخل، من خلال إعادة تشكيل نفسية الأفراد والشعوب، وتنميط أفكارهم وسلوكياتهم، وتغييب الأصول الدينية عبر وسائل خفية وخطوات مدروسة متأنية ومظاهر خداعة ذات تأثير كبير.

حكم التبليغ:
وللتصدي لهذه الحرب الثقافية أصبح جهاد التبليغ الديني مسؤولية كبيرة تقع
على عاتق العلماء وطلاب العلوم الدينية في الحوزات العلمية، بصفتهم رافعي راية الدين الإسلامي. يقول تعالى: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"(١).
والمقصود من التفقه: هو تعلم المعارف الدينية من أصول وفروع لا خصوص الأحكام الفقهية، وقوله: "ولينذروا قومهم.. " يدل على أن مقتضى الآية هو وجوب التبليغ. فما هو التبليغ؟ وما هي صفات المبلغ؟ وما المنهج والأساليب التي ينبغي اتباعها؟.

معنى التبليغ:
التبليغ في اللغة يعني الإعلام، والإعلام هو العملية التي يتم من خلالها نشر الأخبار والحقائق والآراء والأفكار بين الناس بمختلف الوسائل المتاحة. أما اصطلاحا: فإن التبليغ يشير إلى التبليغ القرآني، الذي يهدف إلى إيصال الحقيقة إلى عقول الناس وإخراجهم
من الجهل والظلام إلى نور التوحيد ومقام القرب الإلهي.

صفات المبلغ:
يقول الشهيد الصدر في كتابه ومضات: "لا يمكن أن تتمّ عمليّة التبليغ بدون إنسان يسعى لتحقيق تلك الأهداف وإلّا بقيت الرّسالة وحدها معلّقة بدون تبليغ بين الأرض والسّماء"(٢). إن المبلغ هو العنصر الأساسي في عملية التبليغ، فكلما زادت معرفته ووعيه ودقته في اختيار موضوعاته، زاد تأثيره في نفوس المخاطبين. ولو كان المبلغ جاهلاً بالموضوع الذي يتحدث عنه، فإنه سيبتعد عن الفكرة التي يدعو إليها، أو قد يخطئ ويعرض الدين للانتقادات والسخرية. لذا، يجب عليه أن يكثر من القراءة ويسعى لجمع أكبر قدر
من المعلومات في مجاله. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون المبلغ مؤمنًا بالفكرة التي يقدمها؛ فقد يؤمن الشخص بصحة أفكاره، لكنه لا يكون مستعدًا لتطبيقها عمليًا. وهذا يؤدي إلى إثارة الشكوك حول مصداقية المبلغ، ويعطي انطباعًا بأن أفكاره لو عادت عليه بالنفع لطبقها بنفسه.
إضافة لذلك يجب على المبلغ الديني أن يشعر بأنه أمين على الشريعة ومسؤول عن إيصالها للناس بأجمل صورة ممكنة. كما يجب عليه أن يحرص على الدقة في نقل المعلومات، بعيدًا عن التساهل أو التهاون، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الفقهاء أمناء الرسل"(٣)، وما أعظمها من أمانة.
ومن الخصال الأساسية في شخصية المبلغ الناجح هي سعة الصدر، والرفق، والمحبة، واللين، بالإضافة إلى الصبر وتحمل مختلف أنواع الأذى، سواء من الأصدقاء أو الأعداء. كما يتوجب عليه الاستمرار في*التحصيل لزيادة قدرته على مواكبة التطور العلمي الذي ينمو ويتقدم بشكل دائم. ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس"(٤).

المضمون التبليغي:
إن مضمون الرسالة الدينية يعد عنصرًا أساسيًا في عملية التبليغ، حيث يشكل الرابط بين المبلغ وجمهوره. لذا، من الضروري على المبلغ أن يتعرف على مستمعيه، بما في ذلك أعمارهم ومستوى تعليمهم واتجاهاتهم الفكرية. كما ينبغي عليه أن يدرك متطلباتهم الحالية ويحددها بدقة. بعد ذلك، يتعين عليه بذل الجهد في البحث وجمع المعلومات وتنظيم محتوى الموضوع بشكل مناسب، واختيار الأساليب المناسبة لتقديمه. ويجب أن يخصص وقتًا كافيًا لتدريب نفسه وتأهيلها، ليكون قادرًا على إيصال رسالته وفقًا للخطة المحددة ووفقًا لمتطلبات تكليفه الديني. ومن المهم أيضًا أن تتماشى هذه الرسالة مع احتياجات الحوزة وظروفها، لذا يُفضل عرضها على عدد من الفضلاء لتقييمها والتأكد من دقتها قبل نشرها.

أساليب التبليغ:
في الواقع نحن نعيش في عصر تتوفر فيه ظروف ملائمة للتبليغ الديني بشكل لم يسبق له مثيل، مما يتيح للمبلغين تنويع أساليبهم وطرح رسائلهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وفقًا للجمهور المستهدف والزمان والمكان. كما توسعت مجالات المناهج والمخرجات التبليغية لتشمل على سبيل المثال: كتابة القصص والروايات والمسرحيات، بالإضافة إلى الرسوم الرمزية، والتلفزيون، والإنترنت، والفنون، والحوار، والمسابقات، والبرامج الإعلامية والحملات الإعلانية. إن الانفتاح على هذه الوسائل الحديثة في عالمنا المعاصر يسهم في جذب فئات متنوعة، بما في ذلك الأطفال والشباب، والمثقفين والجامعيين، والمتعلمين وغير المتعلمين، وهذا يعزز تأثير الرسائل التبليغية عليهم.


علاقة المبلغ بالناس:
يعتبر جمهور المتلقين الساحة التي تتم فيها الحركة التبليغية، ويتوجب على المبلغ أن يكون قريبًا من الناس، حاضرًا بينهم، وأن يتحلى بمستوى عالٍ من الأخلاق ليكسب محبتهم ويتجنب نفورهم. قال الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله عبداً اجتر مودة الناس إلينا"(٥). ومع ذلك، يجب أن يكون هذا الانفتاح متوازنًا، بحيث لا يستهلك كل وقته ويشغله عن مسؤولياته العملية والعلمية.
في الختام، لابد للمبلغ أن يراجع دوافعه بشكل دوري، ليتمكن من تصحيح أي خلل قد يطرأ على نيته. حتى تكون جميع أعماله خالصة لوجه الله تعالى وتهدف إلى إقامة الحجة. ويجب أن يسعى لنقل رسالته على أمل هداية المتلقين ورجاء نجاتهم، والفرح باستجابتهم. ومع ذلك، إذا قوبلت رسالته بالرفض، فلا ينبغي أن يتحول حزنه إلى شعور بالخسارة أو الفشل.

المصادر:
(١) سورة التوبة، الآية: ١٢٢.
(٢) ومضات، الشهيد الصدر، صفحة:٣٦٤.
(٣) الكافي، الكليني، الجزء:١، صفحة:٤٦.
(٤) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، الجزء:٢، صفحة: ١١٥٨.
(٥) الكافي، الكليني، الجزء: ٢، صفحة: ٢٢٣.
(٦) ضوابط المضمون التبليغي عند الإمام الخامنئي دام ظله.
https://almaaref.org.lb (https://almaaref.org.lb/maarefdetail...d=542&supcat=0)
(٧) هل التبليغ مفهوم منحصر بطلاب العلوم الدينية على وجه الخصوص؟.
https://alkafeelblog.edu.turathalanbiaa.com (https://alkafeelblog.edu.turathalanbiaa.com/post/769)
(٨) التبليغ الديني والتحديات المعرفية المعاصرة، السيد منير الخباز.
https://www.youtube.com ()