الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ( الدرس الأول )

[الادارة]

الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
( الدرس الأول )
لسماحة الشيخ/ عبدالمحسن النمر حفظه الله

محاور الدرس الأول

- مالغاية من سعي الإنسان في الأرض؟

- كيف يمكن أن يصل الإنسان إلى كماله؟

- ماعلاقة العبادة بالدعاء؟

- ما حقيقة الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام؟

--------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وحبيبه ونجيبه وصفيه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين واللعن الدائم على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدين
قال تعالى في محكم كتابه الكريم (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)غافر 60
الحديث عن الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يحتاج منا إلى سلسلة من الدروس نتعرف فيها على دور الدعاء وأثره وحقيقته عند أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.

الإنسان في سعيه لتحقيق أعلى درجات آماله ورغباته لأن يكون المخلوق الأكمل بارتباطه بالله عز وجل وبتحقق كل أشكال المطالب التي يشبع بها حاجاته من حيث المعرفة و من حيث توفر أسباب السعادة و الكمال الروحي والنفسي دعا بعدة وسائل وانتهج عدة مناهج ، ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأن هذا الهدف وهذه الحركة والسعي عنصر لا يتخلف عن الإنسان تحت أي ظرف وأي زمان، فلا الإنسان ينحرف عن هذا السعي ولا هذه النوازع والحركات والرغبات تضمحل وتنتهي في داخله، ومنذ أن يخرج الإنسان إلى هذا العالم وهو ينطلق بكل قوته وكل إمكانياته إلى أن يبلغ كمال وجوده بكل ما تتسع له نفسه من الرغبات والمشتهيات والملذات ومن أسباب السعادة والكمال فلا يتخلف لحظة واحدة عن الحركة في هذا المجال، بل يمكننا القول أن الإنسان ليس استثناء عن سائر الموجودات ولكن ميزته أنه قد اختار لنفسه أفضل الوسائل وأعمقها، وقد أُوتي الإنسان من الإمكانات الإدراكية والمعرفية ومن الرغبات ما لا تحده حتى السماوات.

الدعاء ماذا يمثل للإنسان في هذا المجال؟
حينما تقول الآية القرآنية (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ ) أليس رغبة الإنسان أن يحقق حاجته المادية والمعرفية والروحية و الاجتماعية؟
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) القرآن الكريم يؤكد على أن لك أيها الإنسان حاجة هي أسمى وأعز حاجاتك، قال تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( فعلينا أن نعي أن العبادة لا تشكل جزءا جانبيا من ذات الإنسان فحسب؛ بل أن كل ما يريده و كل كمال له موجود في عبادة الله عز وجل، ومخ كل عبادة لله عز وجل هو الدعاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم (الدعاء مخ العبادة) فقيمة الإنسان في عبادته ولب عبادته الدعاء وهذه المسألة يجب أن تكون ملفتة لنا !

هل كل شيء نريده وكل غاية وكل أمل نسعى إليه متضمن في العبادة ومتوفر فيها؟ وهل أن العبادات بكل أشكالها كالصوم والصلاة و الزكاة و الطاعات النسكية و القربات السلوكية كلها مخها هو الدعاء؟ هذا ما سوف نتعرف عليه وما نعتقد أنه يتحقق في أعلى درجاته وأسمى مراتبه عند التعرض لأي محنة أو مرض أو بلاء أو أي حاجة من حوائج الدنيا فإننا نتوجه فيها إلى الله عز وجل بالدعاء، فالدعاء حسب هذا المفهوم الضيق هو الطلب عند الحاجة، لكننا نجد في مدرسة أهل البيت للدعاء بابا مشرعا و منطلقا للروح والعقل والمعرفة وللمطالب وللحاجات وللرغبات، الدعاء في مدرسة أهل البيت هو إصلاح الذات لتكون مؤهله لترقى إلى أعلى درجات الرحمة الإلهية، ربما هذا ما يمكن أن يلخص أو يختصر فيه معنى الدعاء، نعم، إن توفير متطلبات الحياة وأسباب المعيشة شأن من شؤون الدعاء، ولكن الدعاء هو الظرف الذي تنمو فيه البذرة التي زرعتها يد القدرة الإلهية، وتلك البذرة الثمينة هو الإنسان المؤهل لأن تفيض عليه يد الرحمة الإلهية وهو أعلى ما تتصوره النفس البشرية بل وفوق ما تتصوره من رحمات وملاذ وسعادة، أيظن الإنسان أن رحمة الله عز وجل تتوقف عند مرتبة من مراتب هذا الوجود؟ فيض الله عز وجل لا انقطاع له بل يسع كل موجود من هذه الرحمة ما تسعه مرتبة وجوده و كماله.

وهذه المسألة هي أساس ما نسعى للتعرف عليه في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام وعلينا أن نحث أنفسنا لكي نتوصل إلى هذه المعاني والحقائق في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، العلوم و المناهج التي حققها الإنسان بكل أشكالها في بلوغه درجات الكمال وما بلغه وما سيبلغه سيجده في أجمل وأكمل صورة في دعاء آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إشتق الإنسان لنفسه أشكالا ووسائل ومدارس وأطلق لنفسه وسائل الحركة ووسائل السير والسلوك ووسائل المعرفة وكرس جهده ووقته لكي يصل، نعم، نجح في بعض الجوانب و حقق بعض منها، ولكن من لا يعرف منهج الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام ولم يستثمر معاني الحركة الروحية للدعاء في مدرستهم سوف يبقى متخلفا حتى لو بلغ من العلوم أقصاها ومن المعارف أعلاها و من المناهج الفلسفية والمعرفية والعلمية أعلى درجاتها، فإن لم يتعرف على دعاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحيفة علي عليه أفضل الصلاة والسلام ودعاء الزهراء و الحسن والحسين عليهما السلام وصحيفة زين العابدين عليه السلام وأدعية أهل البيت جميعهم عليهم أفضل الصلاة والسلام فإنه لم ولن يبلغ مراده.
نكتفي اليوم بهذا المقدار ونتعرف إن شاء الله على ملامح و معالم الدعاء في مدرسة أهل البيت في الدروس اللاحقة إن شاء الله تعالى و نسأل الله لنا ولكم جميعا كمال الجد والعمل الصادق في رقي النفس وصفائها عبر المعرفة والحركة ضمن مدرسة الدعاء عند أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام و نسأله لنا ولكم التوفيق في هذا السير وفي هذا المنهج.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين