|| منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية ||  

العودة   || منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية || > || الذكرى السنوية لتأبين الشهيد الصدر|| > ورثة الأنبياء 1440-2019

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: على خطاها (آخر رد :ام يوسف)       :: المقاطعة تعاطف أم تكليف (آخر رد :ام يوسف)       :: اختبار فلسفة سادس ج١ الفصل الثاني ١٤٤١ه (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: ناقضة الغزل (آخر رد :ام يوسف)       :: طالب العلم وأمانة التبليغ (آخر رد :ام يوسف)       :: إنه الإنسان (آخر رد :ام يوسف)       :: أهمية تحصيل العلم (آخر رد :ام يوسف)       :: سيدة الوجود ...سر الوجود (آخر رد :ام يوسف)       :: نموذج اختبار فلسفة سادس الفصل الأول 1441هج (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: المدرسة القرانية تفسير موضوعي سنة سابعة (آخر رد :ام يوسف)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2021, 01:33 AM
بثينه عبد الحميد بثينه عبد الحميد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 87
افتراضي مقال السيد أمير العلي..وقفة تأمّلية في عناصر الشخصيّة الحضارية للشهيد الصدر

وقفة تأمّلية في عناصر الشخصيّة الحضارية للشهيد الصدر
بقلم الشيخ السيد أمير العلي

لأنّ الحديث عن شخصية السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر ملحٌّ وصعب في آن واحد. ولأنني أريد أن تكون وقفتي في هذا الملتقى قصيرة، ومساهمة في تحفيز الحركة نحو استكشاف ما يمكن من خصائص ومميّزات هذا المفكّر الاستثنائي، كطريق لاستلهام تراثه وسيرته في إصلاح واقعنا -أو ربّما تكوين واقع جديد صالح-؛ من خلال إعداد قيادات أو روّاد أو فاعلين في حركة التغيير الإيمانية.
هذا ما يجعلني أركّز على عناصر عامّة يمكنها أن تتوفّر في الأفراد والجهات على اختلاف مستويات هذا التحقّق؛ فليس المطلوب -بل ليس من الممكن-أن نكون نسخًا مكرّرة من رموزنا، بقدر ما نطلب أن نتّخذهم أمثلة عليا في طريق إنجاز ما نستطيع من أهداف ورؤى وقيم عبّر عنها تراثهم وأوصلتها إلينا تضحياتهم.
يمكن أن نختصر شخصية الشهيد الصدر في أنّه "مفكّر رساليّ جادّ"، وتتجلّى مفردات هذا الوصف في العناصر التالية المميّزة له رضوان الله عليه ليس من بين سائر العلماء والمفكّرين الذين لم يكونوا في الطريق المبدئي الذي كان يسلكه فحسب، بل تميّزه حتى على رموز الخطّ المبدئي الذي ينتمي إليه، وتلك العناصر هي:

المنهجية
حينما نقرأ تراث الشهيد الصدر نجد بوضوح أنّه كان ينطلق في معالجة أي مسألة يتناولها من أسس معرفية موجودة في بنيته الفكرية، قد يكون انطلاق المعالجات البحثية وتقوّمها بمبادئ وقوالب منهجية أمرًا طبيعيًا متوقّعًا من كلّ إنسان مفكّر، إلا أنّ انعكاس الصفة المنهجية لا نجده في كتابات كثير من الكتّاب والمفكّرين، أي أنهم لا يأخذون بيد القارئ في رحلة تكوّن الفكرة التي يتحدثّون عنها، بعكس ما يتصف به تراث الشهيد الصدر؛ فإنّ القارئ لا يجد في ذهنه -على الأقلّ في غالب مؤلفاته رحمه الله- استفهامات ناتجة عن قفز الكاتب من مقدمة إلى نتيجة تفتقد الارتباط بينهما، بل لعلّ القارئ يكون مساهمًا في تكوين الفكرة في ذهنه قبل أن يكتمل وجودها الكتبي.
وقبل هذا فإن المبادئ المنهجية المكوّنة لهذا التراث تم منه (رحمه الله) الاستدلال عليها وتأصيلها بنحو الإشارة أحيانًا وبشكل تفصيلي في مواضع أخرى، كما في كتبه في علم أصول الفقه، وكما في كتابه المهمّ الأسس المنطقية للاستقراء.
يتجلّى عنصر المنهجية أيضًا في طبيعة المسائل التي تناولها تراث الشهيد الصدر، فإنّه كوّن من خلال مجموع مؤلفاته صورة شبه مكتملة لمعطيات المنهج الإسلامي في حقول متعدّدة ومتنوّعة؛ كالمعرفة والاقتصاد والاجتماع، وأدوات الاجتهاد، وسيرة المعصومين عليهم السلام.
وإذا ما جئنا لنتحدّث عن أهمية هذا العنصر في بناء الفاعلين في بناء المجتمع المبدئي، والمسهمين في الخطو باتجاه تكوين حضارة ترتكن إلى مبادئ إيمانية، فلن نكون مضطرّين للإسهاب كثيراً؛ فإنّه لا يمكن تأسيس حضارة بدون منهاج، ولا يمكن تكوين المنهج بلا تأصيل واستدلال، ولا يمكن الإقناع بجدوى المنهج وأهلية الحضارة المرادة دون عرض ممنهج لمفرداتها. وهذا العنصر لا يخصّ المفكرين، بل يشمل الطبقات الأخرى من الكوادر أو الفاعلين المنتمين لأيّ خطّ مبدئي، وإلا فكيف سنتصور حال مجتمع في الأزمات الناشئة من صراع النماذج الحضارية المتباينة، إذا لم ترتكن الكوادر الفاعلة فيه إلى رؤية منهجية مستدلّ عليها، رؤية تقتنع الكوادر بها، وتكون قادرة على عرضها بثقة، وإقناع الآخرين بها، أو على الأقل إقناعهم بصلاحيتها للوجود والحضور المنافس؟!
وأجدني هنا راغبًا في استغلال فرصة الاحتفاء بالشخصية الحضارية لشهيدنا الصدر؛ للتذكير بضرورة الإعادة المستمرّة لقراءة تراثه وسيرته انطلاقًا من هذه الجهة، أي من الجهة المنهجية، ولا أقصد بالإعادة محض التكرار، بل أقصد قراءة تراثه بحثًا عن المفاتيح المنهجية التي نحاول من خلال تطويرها معالجة ما يستجدّ في ساحتنا من إشكاليات، وما يولّده الواقع بتغيّراته المتسارعة من أسئلة واحتياجات في شتى مجالات الفكر والعمل، كما أجدني راغبًا في الإشارة سلفًا إلى أنّ تراث السيد الشهيد يمتلك قدرة عجيبة على صياغة وتشكيل ذهنية قارئه تشكيلاً تنعكس آثاره -من حيث يدري أو لا يدري- على قراءته ومعالجاته لمختلف الأفكار والمسائل والأسئلة.

الرسالية
هذا عنصر مهمّ جدًّا، وأعني به المبدئية الحركية، بمعنى أن يكون المفكّر أو أي فاعل في بناء مجتمع وحضارة خاضعًا في حركته لمبادئ وقيم عليا لا يتجاوزها مهما ارتفعت أسهم نجاحه الشخصي، ولا يزلّ عنها مهما عظمت تحديات الحياة، بل يكون -في مستوى أعمق من الرسالية-متحرّكًا انطلاقًا مما تتطلّبه المبادئ التي يؤمن بها، أو بعبارة أدقّ: انطلاقًا مما يتطلّبه تفاعل الواقع الذي يعيشه مع المبادئ التي يؤمن بها، لا بحيث يخضع لإلحاحات الواقع، بل يسعى لتطويع الواقع لمبادئه تطويعًا مرنًا متفاعلاً.
يتجلّى هذا العنصر في أكثر من أفق، ففي تراث الشهيد الصدر نجد أنّه انبرى لمعالجة قضايا شاهد ضرورة تبيين كلمة الإسلام فيها، وقد تصدّى لها بجدارة منقطعة النظير، وفي هذا المجال نجد رساليته متجلّية حتى في عناوين كتبه؛ ف(نا) الأمّة المسلمة، أو (نا) الهويّة الجمعية، التي زيّن بها بعض مؤلفاته، تشير إلى أنّه ينطلق في هذه المؤلفات من روح الرسالة ووحي المبادئ، فهو لم يكن بصدد استعراض عضلاته الفكرية، وتبيين عبقريته النادرة، بل كان يوظّف المنح الإلهية المتوفرة فيه في سبيل الوصول إلى نظرة الإسلام للحياة في مختلف مجالاتها، ومن ثمّ إيصال الآخرين إليها. ولعلّنا نجد ذلك أيضاً في اختياره لمنهج فقه النظرية في كتابه المعروف "اقتصادنا"، حيث كان في صدد عرض النظرية الإسلامية في الاقتصاد من خلال لملمة اجتهادات الفقهاء لصوغ نظرية جامعة، حتى لو كانت بعض هذه الاجتهادات مخالفة لرأيه الفقهي، ما دامت مساهمة في تشكيل إجابة بلسان الرسالة الإسلامية على أسئلة الواقع المستجدّ.
ولا يخفى أن بعض كتبه كان إجابة عن سؤال وجّهه إليه بعض المتديّنين الراغبين في تطبيق الشريعة في بعض المجالات، مثل كتابه "البنك اللا ربوي في الإسلام"؛ فإنّه جاء استجابة لسؤال بحثيّ عن الصورة الممكنة لتكوين بنك لا يتّخذ الربا طريقة في تعاملاته، وقد صرّح السيد الشهيد بأنّه يقدّم صورة لبنك غير ربوي في بيئة ليست إسلامية بكلّ مرافقها. ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أنّه رضوان الله عليه أشار إلى أنّ تطبيق فكرة البنك المقترح تسعى لتحقيق قيم الإسلام في هذا المجال بقدر الإمكان، مع الإقرار بأنّه تطبيق غير مكتمل؛ لعدم إسلامية جميع مرافق المجتمع الذي يراد تطبيقها فيه، ومع الإقرار أيضاً بوجود تضحيات مرافقة لهذا التطبيق، وأنّ ما يبرّر هذه التضحيات المحتملة كونها في سبيل تحقيق حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، التي نعتقد بكونها تسهم في تحقيق سعادة الإنسان في دنياه وآخرته. وهذا نموذج رسالي واضح يجعلني أكتفي به، مع الإشارة إلى توفّر العديد من الأمثلة على عنصر الرسالية والمبدئية في سيرة الشهيد الصدر، منها مواقفه الواضحة في تأييد التجربة الإسلامية الرائدة التي قادها الإمام الخميني رضوان الله عليه، وبعضها كان عبارة عن إسهامات نظرية، وأخرى عبارة عن خطوات عملية غالية، كان ثمنها دمه الزكيّ الطاهر.
وغير خافي أهمية عنصر الرسالية في تكون الفاعل الحضاري، خصوصًا إذا ما نظرنا إليه في شخصية فكرية عبقرية فذّة. ولا نبالغ إذا قلنا بأن أكبر شاهد على تميّز شخصية الشهيد الصدر رضوان الله عليه هو محافظته على رسالتيه وتوظيفه لعبقريته في طريقها، مع أنّه كان بإمكانه أن يستثمرها في تحقيق صروح شامخة من الإنجازات الشخصية العابرة!
ولعلّ واحدًا من أخطر مهدّدات بناء الجماعة الصالحة هو غياب هذا العنصر من بعض أفرادها بعد أن يكوّنوا ذواتهم معتاشين على بركاتها، كما أن توفّر هذا العنصر واستمراره ضمانة مهمّة لاستمرار ونموّ الجماعة، وقوّة للمجتمع الإيماني، قادرة على الإسهام في تشكيل الحضارة المنتظرة.

الجدّية

أعني بعنصر الجدّية تلك الصفة الناتجة من الشعور بالمسؤولية تجاه الإسهام بالحدّ الأعلى من القدرة في حركة إصلاح الواقع، ومحاولة تقديم مستوى متكامل من الأداء في هذا الطريق، فلا يكتفي الإنسان الجادّ بعمل ما يتصوّر أنّه أداء للتكليف، بحيث تكون غايته رفع عتب الآخرين وتسكين وخز الضمير، بل يسعى بدل ذلك إلى الوصول إلى المستوى الأفضل من العمل، من خلال توظيف القدرات الشخصية، والعمل على تطويرها بما يخدم المبدأ الذي ينتمي إليه.
ويواجه هذا العنصر عدّة عوائق بعضها يعود إلى عنصر الرسالية نفسه! فإنّ بعض الرساليين تكون غايته العمل وكثرة العمل دون الالتفات إلى الكيفية، وهذا ما يجعل المخرجات ضعيفة هزيلة، لا ترتقي إلى ما تتطلّبه وما تفرضه المبادئ من المسؤولية تجاه إصلاح الواقع.
إنّ هذا العنصر يتّضح لنا من خلال النظر إلى الهمّ الرسالي الذي كان يحمله السيد الشهيد من جهة، وإلى طبيعة الأداء الرسالي فكريًا وعمليًا في تراثه وسيرته، فهو كان لا يمرّ بفكرة دون أن يعالجها معالجة ناضجة، ولا يستخفّ بأي سؤال يلقى عليه، ولا يتغافل عن الظروف المستجدّة في واقع الأمّة، وإذا استجاب لها فإن استجابته تكون نوعيّة متميّزة، نكاد نقرأ الإخلاص والصدق والجدّية في تفاصيلها.
إذن الرسالية وحدها لا تكفي، والمنهجية وحدها لا تكفي، وصدق المنطلقات لا يكفي، بل نحن نحتاج إلى هذه العناصر مجتمعة ومضافًا إليه صفة الجدّية حسب التوضيح الذي ذكرناه لها، وعندئذ نكون قد كوّنّا عناصر أساسية لشخصية مؤمنة فاعلة في بناء مجتمع مبدئي، يكون مؤهّلاً للمساهمة في تمهيد الطريق لبناء حضاريّ نطمح إليه ونترقّبه.
وإذا ما قرأنا الشهيد الكبير السيّد محمّد باقر الصدر بعناية تامّة، سنجد هذه العناصر متحقّقة في شخصيّته، واضحة في تراثه وسيرته، والأهمّ بعد ذلك أن نسعى لاستلهام ذكراه في صناعة وعي يتّجه نحو إكمال الدرب، وتطوير المسيرة، التي اختطّها ورادها هو، وبقيّة الرموز المضيئة في تاريخنا الطويل.

قال تعالى: ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.