![]() |
#1
|
|||
|
|||
![]() التدين الوظيفي ومسألة الطاعة كتب: إيمان شمس الدين الدين الخاتم يفترض أن ينضوي فيه عنصري الأصالة والخلود ، الأول يمنحه الثبات والرسوخ أمام انعطافات الزمان والمكان وتسلط الأهواء البشرية وانحرافاتها السلوكية ، والثاني يمنحه ديمومة صالحة لكل زمان ومكان تستمدها من تلك الأصالة بثوابتها كقوانين كلية . وخاتميته تعني من جهة أخرى كينونته كمنظومة متكاملة منهجية تتداخل أعضاؤها وظيفيا ، وتحقق الأثر المترتب على انتهاجها كمنهج حياة في الدنيا لتحقق الأثر وتقطع الثمار المرجوة في سعادة الإنسان وتكامله وتحقيق ذاته. وأي خلل في عنصريه أو أي خلل في أعضائه ووظائفها المتداخلة علائقيا في المنظومة سيترتب عليه خللا في الفهم والسلوك والمنهج ، وهو ما سيؤثر على الآثار المترتبة والثمار التي يجب تحقيقها ، وأهم ما سيقع فيه الخلل هو مقصد الشريعة الجوهري وجوهرة القيم أي العدالة وما يترتب عليها من تحقيق لكرامة الإنسان التي بها تعلو كل القيم والمعايير. هذا الخلل يترتب عليه خلل في المعايير المرجعية وخلل في القيم والتقييم ، وبالتالي انقلاب في المفاهيم وتبدل في وعاءها الثقافي ، وهذا لا يقع فجأة بل يحتاج تراكم تاريخي واجتماعي يصاحبه تراكم فكري وثقافي يحدث هذا التبدل والخلل على المدى الطويل ، حتى نصل إلى نقطة يبدو من خلالها بوضوح كم التعارضات والانحرافات في داخل المنظومة الدينية الناتجة عن التجزيء لفهمها أو التفكيك بين أعضائها أو ترجيح عنصر على عناصر أخرى وفقدان القاعدة الجوهرية " لا إفراط ولا تفريط ". وسنسلط الضوء على موضوع اجتماعي متعلق بالدين ويوضح بصورة جلية أثر الخلل في المنظومة الدينية على الفرد والمجتمع . الدين بين الفرد والمجتمع : جاء الدين بتشريعات تنهض بكل من الفرد والمجتمع ، فلم يرجح أصالة الفرد ولم يغَلّب أصالة المجتمع ، بل جعل لكل منهما بُعْد وقيمة ودور يعتمد أحدها على الآخر بل يتداخل أحدها مع الآخر في جوانب تشكل ركيزة في البناء الفردي والاجتماعي. فالفرد هو نواة تشكل المجتمع ، والمجتمع هو ساحة حراك الفرد وبه يحقق ذاته وكماله وسعادته ، بل هي ساحة اختباره . " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد - آية ١١ ويروى عن أمير المؤمنين عليه السلام:"ومن قدر على نفسه كان على غيرها أقدر". وهذا يوضح بجلاء مدى التداخل الوظيفي والعلائقي بين الفرد والمجتمع . لذلك كانت المنظومة الدينية آخذة في حسبانها وتشريعاتها كل من الفرد والمجتمع ، فما ينظم بناء الفرد لابد أن له أبعادا تنعكس في علاقاته الاجتماعية، وتكون لها ابعادا تنظم هذه العلاقة وتنعكس عليها . فكل تشريع عبادي يترتب عليه أثر على الفرد والمجتمع ومرتبط تكوينيا بالطبيعة. فعلاقة التشريع بالأثر علاقة تكوينية لا تنفك ، ولكن إتمامها لا يكون إلا بإرادة الانسان المرتبطة باختياره الحر والواعي والمدرِك . فعلى سبيل المثال : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " العنكبوت - ٤٥ وحسب تفسير معنى الصلاة هنا وهي الصلاة اليومية وفق ما صنفته الكتب الفقهية ورسمت لها خريطة جوارحية وفق قوانين معينة ، الالتزام بها يحكم بصحتها جوارحيا ، إلا أن الثمرة المترتبة على هذا الالتزام السلوكي وفق القرآن أنها ستنهى عن الفحشاء والمنكر . إذا التشريع العبادي هو الصلاة، والثمرة هي النهي عن الفحشاء والمنكر، وساحة التأثير والفعل هي الفرد والمجتمع. لكن كيف يكون هنا المجتمع متأثرا بتلك الصلاة ؟ التأثير يكون في التداعي بين أفراده وتحقق أثر الصلاة في سلوكهم جوانحيا وجوارحيا ، بحيث تصبح الصلاة عمودا ومحورا تترتب عليه حياته ، فحينما يقول الله أكبر كركن تبطل دونه الصلاة ، عليه أن تمتد هذه التكبيرة في كل وجوده ليكون في كل اختياراته وسلوكه الله أكبر ، وحينما يكون الركوع والسجود أيضا ركن تبطل دونهما الصلاة ، فإن ذلك يجب أن يجعل وجوده راكعا فقط لله ولا يسجد إلا له ، فتكون كل خياراته ومناهجه الفردية والاجتماعية قائمة على ذلك ومتوجهه بهذا الاتجاه ومبنية على هذا الفهم ، بحيث لا تجد تناقضا بين سجوده وركوعه الجوارحي والجوانحي لا على مستواه كفرد ولا في ساحة تفاعله الاجتماعية ، بحيث يشكل مجموع الأفراد وفق هذا الفهم ، عصبة اجتماعية متراصة بفهم يحقق نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر. عصبة منسجمة بالتوحيد وتتحقق فيها قيم السماء وتتجلى في وجودها واختياراتها وأفعالها أسماء وصفات وأفعال الله. -التدين الوظيفي وإشكاليات التعارض الجوارحي والجوانحي: الواقع اليوم أن هناك خللا في الطاعة هو ثمرة الخلل في فهم الدين ، هذا الخلل ظاهر لعدة أسباب : ١- تغليب عنصري الأصالة والخلود أحدهما على الآخر ونشأ عن ذلك عدة مدارس هي : أ. الأصولية التقليدية : غلبت عنصر الأصالة على الخلود ، كرد فعل منها للهجمة الشرسة على الدين باسم التحديث وكان للنص والتراث النصي دوره الفعال في فهم الدين مع هامش ومساحة ضيقة للعقل في الفهم . ب: الحداثية : وهي غلبت عنصر الخلود على حساب الأصالة وضحت به ، كرد فعل على المدرسة الأولى ومحاولة لاثبات خلود الاسلام ، فوجدت أنه لا يوجد كل شيء في الاسلام بل هناك نظريات غربية في المجالات الاجتماعية والنفسية قادرة على تقديم معالجات لم يقدمها الاسلام كنظريات معالجة لاشكاليات يعاني منها الانسان .وكان للعقل مساحة كبيرة حتى على حساب النص. إلا أن الحقيقة أن الأولى أفرطت في الأصالة والثانية فرّطَت بها، بينما الأمر يدور في حفظ هذين العنصرين بما يحفظ الحركة المتبادلة والتفاعلية بين العقل والنص ويعطي لكل مساحته الحقيقية . ٢- عدم الأخذ بالدين كمنظومة متكاملة ( عقيدة( قيم ) - فقه( قانون) - أخلاق ( آداب) ، وعدم فهم تداخل هذه الأعضاء تداخل وظيفي علائقي يفترض أن يحقق كل عضو وظيفته العلائقية في العضو الآخر ، فالعقيدة تنظم التفكير وتجلي مفهوم التوحيد وفق إرادة الخالق ، هذا النظم هو من مقولة العقل النظري ( ما يجب أن يكون ) وهو بدوره يدفع بالتسليم والخضوع لله جوارحيا وجوانحيا ، فالفقه ينظم الجوارح لتحقق الخضوع سلوكيا لله والأخلاق تهذب الروح وترتقي بالمعنوية وهما من مقولة العقل العملي ( ما ينبغي أن يكون ) ليكون خضوع واقعي يهذب الفرد وينعكس ذلك على سلوكه الاجتماعي وفق إرادة الخالق تعالى ، إذا هي منظومة متكاملة تحتاج إلى إدراك ووعي معرفي يتجلى فيها التوحيد في كل وجود الإنسان . هذا أدى لبروز عدة مدارس : أ. المدرسة العقدية : ركزت على إظهار الدين ككل عقدي أساسي ، وهمشت دور الفقه والأخلاق بحيث باتا يشغلا مساحة جدا ضيقة غير بالغة الأثر في التأثير في فهم الانسان للدين . ب. المدرسة النصية الفقهية : محور الدين في فهمها له هو في مجموعة الأحكام الشرعية التي تشكل القانون الذي ينظم سلوك الإنسان بطريقة يخدم فيها الانسان القانون وليس العكس. ج. المدرسة المعنوية : التي اعتبرت أن الأخلاق والمعنويات هي محور وجود الإنسان وبها يتكامل وتتم سعادته . الحقيقة أن هذا التفريط في كل مدرسة خلق لنا ظاهرة يمكن تسميتها " بالتدين الوظيفي " ، وهي تحول المتدين إلى موظف والدين إلى وظيفة ، مما أحدث خللا أخلاقيا كبيرا في وسط المتدينين ، شوه واقع الدين وحرف آثاره عن واقعها ورسم بذلك واقعا آخرا فيه خللا كبيرا في خريطته الخارجية وأبعاده . هذا إضافة عن غياب عنصر مهم عن فهم هذه المدارس غالبا هو الفهم الاجتماعي للنص حيث يعرفه الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه بحوث إسلامية كالتالي : "فالفهم الاجتماعي للنص معناه : " فهم النص على ضوءارتكاز عام يشترك فيه الأفراد نتيجة لخبرة عامة وذوق موحد،وهو لذلك يختلف عن الفهم اللفظي واللغوي للنص الذي يعني تحديد الدلالات الوضعية والسياقية للكلام" هذا أثر في صياغة الدين كمنظومة متكاملة لها بعد فردي واجتماعي وليس فقط فردي . فالتدين الوظيفي يقع فيه خلل وتناقض بين الجوانح والجوارح ، قد تدخل المتدين دون أن يشعر في خندق النفاق والتعارض الصارخ بين قوله وفعله ، وبين ما يعتقده وما يسلكه من سلوك وما يؤمن به قلبه . ويتحول تدريجيا من مكلف خاضع بوجوده لله ، إلى موظف حول الدين لمجموعة وظائف متناقضة لا تحدث أثرا حقيقيا في مستواه الفردي ولا مستواه الاجتماعي ولا يكون له دور جلي في مشروع الأمة ونهضتها . يصبح متدينا جافا ، لا يحدث الدين فيه أي تطور على مستواه العقلي والفكري والفردي وبالتالي لا أثر أيضا اجتماعيا . وهذا نتيجة التفكيك بين أعضاء المنظومة الدينية . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|