![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام سماحة الشيخ عبد المحسن النمر الدرس الرابع اللهم صل على النبي المصطفى الصادق البار الأمين حبيب الله و نجيبه و خيرته من خلقه أبِي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة الميامين و اللعن الدائم على أعدائهم و ظالميهم إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمينبسم الله الرحمن الرحيم (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)غافر 60 الخاصية الثالثة من خصائص الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام الإنسان له آمال و رغبات و غرائز كثيرة و متعددة و طبائع مختلفة و ربما إذا حللنا غرائز المخلوقات و دوافعها لن نجد مثل غرائز الإنسان عمقاً و اتساعاً، اتساعا بمعنى تعددها وعمقا بمعنى ممتدة وتبلغ أعلى وأقوى درجات الغرائز. الإنسان يحب أن يمتلك و يحوز ما يستنفع به في شؤون معيشته وحياته مثل غريزة توفير المسكن المناسب و الصحبة الطيبة وغريزة المأكل و المشرب و العلاقات الخاصة بين الرجل و المرأة وغريزة حب الجاه والمال. ما هي المشكلة؟ و لماذا نجد الإنسان من بين سائر المخلوقات يصل إلى أعلى درجات الضلال للوصول إلى تمام غرائزه؟ لماذا نجد الإنسان يعيش حالات من التنازع و التقاتل؟ وربما من بين سائر المخلوقات نجد الإنسان أكثر من عاث فساداً في الكون، و أقول ربما لأن التساؤل هل للجن دور أكبر من الإنسان في الفساد؟ هل يعيش حالة من تلبية غرائزه أكثر من الإنسان أم أقل؟ لكن من بين سائر المخلوقات التي نعرفها نجد أن الإنسان يعيش حالة من الإضطراب و التصارع من أجل تلبية غرائزه أكثر من باقي المخلوقات، فالحيوانات حتى المفترسة منها تعيش لحظات من النزاع ولكن سرعان ما تهدئ بعد أن تحقق تلك الرغبة لتعيش أمنناً و استقرارا . تفترس أغلب الحيوانات فريستها فتنال منها ما تنال ثم تعيش بقية وقتها في استقرار, فلماذا الإنسان لا يشبع من النزاعات؟! لربما يكون السر في ذلك هو سعة رغباته فهو مخلوق نهم ولا يشبع أبدا. ربما من بين سائر المخلوقات أكثرهم قتلاً و افتراساً هو الإنسان، أقول ربما لأنه سؤال نحتاج إلى إجابة عليه لماذا هذه الحالة؟ فلا نعتقد أن هذه خاصة بالجبابرة بل حتى الإنسان البسيط يعيش في حياتنا اليومية حالة من التنازع والتغالب وعدم إعطاء الآخرين حقوقهم، فأكثر محركات الإنسان و دوافعه نحو الحركة غرائز غير سليمة. الدعاء الذي يعلمنا إياه آل بيت المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم هو ضبط هذه الغرائز و وضعها في مسارها الصحيح لكي ينعم الإنسان بالهدوء و الطمأنينة و أن يواصل سيره إلى استكمال جميع رغباته بلا استثناء. ما هو الخلل؟ لماذا مع وفرة أسباب النعيم والخير؛ نجد بعض البلاد تتوفر فيها الأنهار و الثمار و أسباب الرخاء بأنواعها ومع ذلك لا نجد مجتمعاتها تستثمر هذه الخيرات بما يعود عليها بالنفع، فلعل السر يكمن في ذلك الإضطراب في هذه الرغبات لأن حدود ما نطلبه و نسعى إليه يقضي على رغباتنا الأخرى، إننا نجد مجموعة من الغرائز قد شرعت لها أبواب الإشباع و غرائز تم طمسها وقمعها و التخلي عنها . الدعاء يعيد حالة الفطرة المتزنة لرغبات الإنسان ويعيد إشباع الرغبات إلى مسارها الصحيح ، وفي عصرنا الحاضر على وجه الخصوص نرى جملة من دوافع اللذة و الأنس و الإستمتاع قد طغت و خرجت عن الحدود ولا ندري إلى أين ستذهب بل المؤكد أن هذه الرغبات سوف تبلغ مدى يطمس حقيقة الإنسانية في الإنسان. هذا المخلوق الذي له كل هذه الكرامة و المكانة و المساحات الواسعة من الكمال سوف يفقد هذه الأحاسيس ويستسلم لبعض رغباته التي تنهشها رغباته الأخرى و تنهش أسباب كماله الحقيقية لتحل هي و تدعي بأن هذا ما يريده الإنسان، فهي تحفز عند الإنسان روح التعدي و الحيوانية و البهيمية نحو السقوط بدلاً من أن تتوازن رغباته في مواضعها الصحيحة لتسير حركته نحو إشباع كل رغباته وبلوغ كمالها الصحيح، و أقول كل رغباته لأنه لا يوجد عند الإنسان رغبة فاسدة فكل رغباته قد وهبها إياه الله لتبلغ أكمل مسعاها وأكمل درجاتها، لم يخلق الإنسان برغبات لمجرد الفترة الزمانية المحدودة التي يعيشها ثم تنتهي، فهناك تصور خاطئ عند البعض بأن حب الجاه والعلاقات الخاصة مثلاَ و الغرائز الأخرى هي مجرد امتحان ينتهي بانتهاء الدنيا ثم يعيش في عالم الآخرة. عالم الآخرة هو العالم الذي تنطلق فيه كل رغباته إلى مقامها الأكمل والأتم ولكن علينا أن نعرف كيف نستفيد من هذه الرغبات توضيح هذا المعنى: حينما يحدث خلل في توازن هذه الرغبات و هيمنتها وخروجها عن الحد الذي رسمته الخلقة والحكمة الإلهية لوجودها حين ذاك تنحرف المسيرة و تنعكس اتجاه التطور و الكمال للإنسان و تتفجر في داخله المساوئ و الأضرار و التعدي و الحسد و البغض، ولعل من أهم الغرائز التي جُنبت و أُبعدت عن مسيرة الإنسان في مقابل الرغبات التي فُتحت لها الأبواب و أطلق لها العنان تجد أن هناك رغبات أغفلها الإنسان و حاول تناسيها أو أهملها وزاد في إهمالها حتى طمسها من وجوده . الدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يعيد التركيبة الإنسانية في ذات وفي داخل الإنسان إلى وضعها الصحيح و التوازن فيما بينها، و لكي نلفت أنظارنا إلى هذه الرغبات التي تم الابتعاد عنها و إهمالها وكأنها قد قتلت في داخلنا. المثال الأول: الإنسان قد جُبل على حب البقاء والخلود، فالحياة الخالدة هي مقصد أساسي من مقاصد الإنسان و رغبة وغريزة ذاتية في وجوده، فلماذا يتم تغافل هذه الرغبة ؟ ولماذا يتم طمسها ؟ الإنسان لا يقبل أن يحدد حياته و وجوده و استمتاعه و أُنسه بهذه السُنيات التي يعيشها في هذه الحياة، ما هي قيمة هذه الحياة التي نصيبه منها خمسون أو ستون عاما أو أكثر، وكم سينال من متاع هذه الدنيا؟ الإنسان يريد الحياة و يريد أن يكون باقياً بل هو يخادع نفسه حينما ينغمس في أي لذة و يتحرك لأجل أي سعادة وهو يوهم نفسه أن هذه اللذة باقية وهذه السعادة مستمرة، اللحظة التي نعيشها لا قيمة لها عندنا إلا بشعورنا بأن هذه اللحظة باقية ونحن باقون، و إلا لا يتحرك الإنسان من أجل أن ينال متعة تنتهي في دقائق بل ولا لساعات إلا بأن يضيف لها من خياله و من وهمه بأن هذه الحالة هي حالته هي الحياة الأبدية التي يطمح إليها. المثال الثاني: نحن نتحرك دائما في أمن مطلق من أن يفوتنا كل خير وأن نأمن من كل شر، فلو أخبرت شخصاً بأنه لو قام بعمل ما فسوف تعطيه لذة و متعة و أنساً ثم تقتله بعد سنه ستنتزع منه لذة كل هذه الأمور التي ستوفرها له فهو لا يريد هذه اللذة بل يريد أن يأمن أن تكون هذه اللذة دائمة وباقية وأن يأمن على نفسه من أي ضرر، اعلموا أيتها الأخوات المؤمنات و الأخوة المؤمنون إنما حين نتلذذ بهذه الدنيا حين ندعي خيالاً و وهماً بأنها لن تزول منا ولن يغلبنا عليها غالب لو عشنا حالة الخوف من زوال النعمة لما تلذذنا بأي شكل من أشكال النعمة. المثال الثالث من الغرائز التي أهملناها غريزة حب العلو و الشرف و الكرامة و التي أراد أهل الضلال أن يطمسها ويخفيها من حياتنا ، ومن أقبح الغرائز التي انتشرت في زماننا أن يفقد الإنسان كرامته ويتقبل الذل والمهانة، فعلى سبيل المثال لو قدمت لشخص ما كل الملذات المادية وسلبت منه شرفه و كرامته و علو قدره لكنت قد ساويته بالبهيمة السائبة، فالكرامة والشرف حينما تُسلبان من الإنسان فإنه يصبح مخلوقاً وضيعا لا قيمة له. المثال الرابع ومن الغرائز التي تم إهمالها غريزة حب الإنسان لأن يكون مصدراً من مصادر الخير وأن يكون ذا عطاء و ذا فضل و ذا سخاء و محبة و كرامة ، وهذه الغريزة إن تغافل الإنسان عنها و استسلم إلى تمحوره حول ذاته و نفسه وأنانيته فقد طمس غريزة من غرائز كماله . إن قراءة أدعية أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و السلام هي المنهج الذي أعاد لهذه الغرائز والغرائز التي تم إهمالها وأمثالها القيمة والوجود والحياة والتأثير، بل أعاد نظم هذه الغرائز بمعنى سلم القيادة لأكملها و أعلاها ووضع سائر الغرائز الأخرى معها . الإسلام و دعاء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم لا يعلمنا ولا يطلب منا أن نلغي رغباتنا و ملاذاتنا و سعادتنا ولا في جهة من الجهات ولكنه يضعها في الموضع الصحيح و السليم، يعلمنا الإمام زين العابدين عليه الصلاة و السلام في دعائه أحياء هذه الغرائز حينما نقرأ أدعية أهل البيت عليهم السلام بأننا نستعيد دور هذه الغرائز و ننطلق بمجموع رغباتنا بترتيبها الصحيح الرباني إلى أن نصل إلى الكمال الذي أرادته منا الخلقة الإلهية، نسأل الله عز و جل أن نلتفت إلى هذه الجوانب و نعيد إحياء دورها و تأثيرها و قيادتها في حركتنا و مسيرتنا . |
![]() |
|
|