|| منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية ||  

العودة   || منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية || > || الأقسام الثقافية || > فيوضات ولائية

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: على خطاها (آخر رد :ام يوسف)       :: المقاطعة تعاطف أم تكليف (آخر رد :ام يوسف)       :: اختبار فلسفة سادس ج١ الفصل الثاني ١٤٤١ه (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: ناقضة الغزل (آخر رد :ام يوسف)       :: طالب العلم وأمانة التبليغ (آخر رد :ام يوسف)       :: إنه الإنسان (آخر رد :ام يوسف)       :: أهمية تحصيل العلم (آخر رد :ام يوسف)       :: سيدة الوجود ...سر الوجود (آخر رد :ام يوسف)       :: نموذج اختبار فلسفة سادس الفصل الأول 1441هج (آخر رد :abeer abuhuliqa)       :: المدرسة القرانية تفسير موضوعي سنة سابعة (آخر رد :ام يوسف)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2014, 10:19 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي شرح دعاء الندبة 1

شرح دعاء الندبة

الحلقة الأولى

رابطة إحياء دعاء الندبة

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام


نشهد اليوم إحياء شعيرة من شعائر الله سبحانه وتعالى، شعيرة تربطنا بإمام الزمان عليه السلام وولي العصر عليه السلام،الا وهي دعاء الندبة، ونأمل أن تأخذ هذه الشعيرة حظها في الانتشار، لتدخل كل مسجد ومصلى وحسينية، بل وكل بيت؛ لتلهج بها جميع الأصوات مبتهلة إلى الله سبحانه وتعالى، مازجة دعاءها بالأنين، لتطلب تعجيل الفرج, وفي اشرف يوم من أيام الأسبوع, يوم الجمعة المبارك.

ولانريد هنا أن نتكلم كثيرا عن أهمية دعاء الندبة وضرورة المواظبة عليه واحيائه بالتلاوة, فهذا أمر واضح لكل الموالين.

ونأمل إن شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون لإحياء هذا الدعاء برامج في المساجد والحسينيات, وأنْ يكون هناك تنسيق مع هذه الرابطة خاصة في شرح فقرات الدعاء، ولو بمقدار عشر دقائق قبل القراءة لنستفيد من المخزون الفكري والعقائدي والتعبوي الكامن فيه.

ونحبّ هنا أن نلفت انتباه الأخوات والأخوة الكرام إلى أهمية الدعاء في الشريعة المقدسة, فإنّه من أهم الأركان التي يستند إليها الإنسان في مسيره إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن بايّة حال من الأحوال أن يغفل الإنسان عن أهمية الدعاء في ارتباطه بالله تعالى, فقد ذكر القرآن الكريم الدعاء مكررا وأكّد عليه، فقال عزّ من قائل (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) فهذه الآية الكريمة تجعل وجود الإنسان في كفّة، ودعاءه في كفّة أخرى، ولولا الدعاء لما قبل شيء مما في الكفة الأولى.

فلو قدّر لنا أن نسأل الباري عزّوجل ونقول ربّاه اذا أحببت عبدا فماذا تعطيه؟

ترى ماذا نتوقع أن يكون الجواب؟

هنا نجد النصوص الشريفة تبين لنا الإجابة فتقول عليكم بسلاح الأنبياء، الدعاء, فأحباب الله يمتلكون سلاحا له من المؤهلات والخصوصيات ما يغير القضاء ويرفع المقدر, وهذه الخصوصيات التي يتمتع بها الدعاء لا يمكن أن يتمتع بها أي سلاح آخر في الكون, إذ لم نسمع إلى الآن أنّ سلاحا يغير القضاء وإن كان أبرم إبراما, ولكننا نعلم ونقسم على أنّ الدعاء يفعل ذلك.

هذا هو الدعاء بشكل عام، وهذه حاجاتنا وأمنياتنا، وهذه هي فاعليته وخصوصياته.

الدعاء للإمام المهدي عليه السلام:

يا ترى كيف يكون الدعاء لو كان للإمام المهدي عليه السلام، الذي تعبّر عنه الروايات بأنّه مفتاح باب الأشياء ورضا الرحمن.

فإذا كانت النصوص قد دلت على أن الدعاء سلاح فعال وقادر على أن يغير المقدرات، فكيف به إذا كان دعاء من أجل باب الأشياء وهو الإمام المهدي عليه السلام ومن أجل رضا الرحمن, ذلك الرضا الذي يتحقق بالإمام المهدي عليه السلام.

لاشك في أنّ هذه الخصوصيات ستزداد وتكبر وتكون فعّالة ومؤثرة أكثر, وقد دلت الأخبار على أنّ هناك جملة كبيرة من الأدعية التي ينبغي أن يحافظ عليها الإنسان ليؤمّن ارتباطه بالإمام المهدي عليه السلام طيلة أيام السنة فهناك أدعية تختص بالشهر، وأدعية تختص بالأسبوع، وأدعية تختص باليوم، وهناك أدعية تختص بالفرائض، وهناك أدعية تلازم الإنسان في كل لحظة حتى ورد في بعض تواقيعه الشريفة عليه السلام أنّه قال (أكثروا الدعاء بالفرج فإنّ في ذلك فرجكم).

فإذا كان الإمام المهدي عليه السلام باب كل الأشياء، وإذا كان هناك أمر بالدعاء له, بل والإكثار من هذا الدعاء, وإذا كانت الشريعة المقدسة قد وفّرت لنا الأدعية السنوية والشهرية والأسبوعية واليومية بل وفي كل ساعة, ونصّت كذلك من جهة أخرى على أن استجابة الدعاء إنّما تكون بالأئمةk، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مخاطبا علياً عليه السلام: (الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم) وكذلك نصت الأخبار من جهة أخرى على أنّ الإمام عليه السلام أصدر في بعض خطاباته للناس قائلا: (إنّا غير مهملين لمراعاتكم) فبمجرد أن تكون للشخص حاجة (فليحركها بشفتيه), هكذا يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام (فان الجواب يأتيك).

فهذه المجموعة الدعائية المتكاملة توفر للإنسان أخصب بيئة للاستجابة, وأنّ مفتاح الأشياء هو الإمام، والدعاء له موجب لتحقيق الأشياء, بل موجب لتحقيق كل شيء, وأنّه بمجرد أن تتحرك الشفاه، ومادام الضمان موجوداً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم لا نؤدي غرضنا تجاه الإمام المهدي عليه السلام ونرتبط به من خلال شعيرة الدعاء, فإذا كانت لي حاجة لِمْ لا أجعلْها متوسطة بين دعائين للإمام عليه السلام إذ هو بنفسه عليه السلام يقول: (إن بالدعاء لي فرج لك ايها الداعي).

إذن فهي دعوة لنا جميعا بعد أن عرفنا أهمّية الدعاء, ومكانته, واثره في أن نلتزم على أقل تقدير في كلّ جمعة _وهو يوم تعطيل عن العمل_ أنْ نلتزم بعمل لا يأخذ منا أكثر من ساعة من النهار، وذلك بأن ندعو للإمام المهدي عليه السلام بدعاء الندبة, إذا لم يكن لأجل فرجه فليكن لأجل قضاء حوائجنا، وبذلك نحقق الغرض بأنْ نحيي شعائر الله, ورحم الله امرءاً أحيا أمر آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وستقوم رابطة إحياء دعاء الندبة بتهيئة شرح مناسب يستفيد منه جميع الأخوة القائمين على إحياء هذه الشعيرة المباركة، وستنشر هذا الشرح في هذه الصحفية، لكي يكون الدعاء بمضامينه رابطا روحيا، ويكون الشرح رابطا فكريا وعقائديا، بما يظهره لنا من مكامن هذه المنظومة الدعائية المباركة .

وتعتبر هذه الحلقة بمنزلة الديباجة والتمهيد للدخول في الشرح الذي سيكون على شكل حلقات متتالية في الأعداد القادمة، إن شاء الله تعالى.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-19-2014, 07:16 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي

شرح دعاء الندبة
الحلقة الثانية

رابطة إحياء دعاء الندبة

يعتبر دعاء الندبة من الأدعية المشهورة,ونحن في هذا الشرح لا نريد الوقوف على الطرق التي وصل إلينا هذا الدعاء من خلالها,والمصادر المتنوعة التي نقلته، لأنّ هذا البحث وإنْ كان بحثا علميا,إلاّ أنّه قليل الجدوى بالنسبة للهدف الذي نقصده من شرح هذا الدعاء، فبعد معروفية الدعاء وتناقله في المعتبرات، واشتهاره لدى الخاصة والعامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يترتب على الدعاء بما هو دعاء هو الاعتماد عليه دليلاً في بناء المنظومة العقائدية أو الفقهية، لذا غضضنا النظر عن البحث السندي، وسنبدأ بالشرح متوكلين على الله سبحانه وتعالى، مستمدين العون من ولي الرعاية عليه السلام,فمنه وإليه هذه البضاعة المزجاة.

الفقرة الأولى:

(الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد نبّيــه وآله وسلّم تسليما)

والحديث في شرح هذه الفقرة يكون في ضمن محورين:

المحور الأول: بيان معنى الحمد, وما يتفرع على هذه الفقرة من بحوث عقائدية وفكريّة وعبادية وغيرها.

لقد ابتدأ الدعاء بالحمد لله رب العالمين وأعقبه بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما ابتدأ بــ(الحمد لله) والتي تعني (الثناء المطلق الكامل لله سبحانه وتعالى, والحمد والشكر معنيان متقاربان إلاّ أنّ الحمد أعمُّ والشكر هو عرفان الإحسان ونشره) لأنّه يفترض أنّ العبد وهو كذلك متنعم بنعم كثيرة، لا يمكن إحصاؤها ولا الاستعانة على شكرها إلاّ بشكر منعمها وبارئها والمفيض لها، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث تعطي فقرة الحمد التي تعني لزوم الشكر من العبد، ولزوم التخضّع والتذلّل للمعبود درساً في طريقة التواصل والعبودية لهذا المعبود المشكور, لأنَّ الفقرة التي بعدها عندما وصفت المحمود بأنّه رب العالمين، كأنما هي تريد أنْ تتكلم مع العبد وتقول له: أيّها العبد المنعَم عليه يجب عليك أنْ تشكر هذه النعم التي لا تحصى, لأنّ مصدرها هو ذلك الوجود الذي لا ينبع منه إلاّ الخير ولا يفيض ويصدر منه إلاّ الرحمة، وإن اختلفت تجلياتها، إنّ هذا الوجود هو الوجود الإلهي الغني الذي من أبرز صفاته أنه مربّ ومدير لهذا الكون الذي يحوي العالمين، وهذه العبارة على قصرها تتكفل بالحديث عن المنعِم وأبرز صفاته, والمنعَم عليه واحتياجاته، وما ينبغي للمنعَم عليه من القيام به تجاه منعمه الحامل لتلك الصفات الجمالية, والمنزه عن كل صفة جلالية.

وفي هذا المقطع الصغير يمكن للمرء أن يتحدّث عن المنظومة العبادية، والعقائدية، والارتباطية، فضلاً عن المنظومة الفقهية، إذ هي عبارة _على صغرها_ تختزل هذه المنظومات مجتمعة لتكشف للعبد أنّ منظومة الأدعية التي وصلت عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قادرة على إثبات نفسها بنفسها، لما تحويه من مخزون معرفي متكامل، فكل عبارة منه قادرة على أن تنظّم معارف الإنسان وإن اختلفت ألوانها، ويكفي للمرء أن يقف متأملاً في هذه العبارة ليرى أن المعارف الإلهية وتشكُّل المنظومة العقائدية والفكرية والسلوكية ترجع إليها, لأنّها تتحدث عن محوّرية الرّب والنعمة والإحاطة,من خلال الكلمات الأربع التي تضمنتها الفقرة الآنفة، فـ (الحمد لله رب العالمين) فقرة تتكلم عن النعم التي يجب أن تحمد والتي لابّــُدَ بمقتضى الفطرة _ فضلاً عن غيرها من الأدلة _ أن تعود إلى منعِم غني، هو مجمع صفات الكمال والجلال , وأن أبرز ما يظهره من إنعامه أنه رب مدير مدبّر، ليعقبها بالعالمين، إشارة إلى الإحاطة الربوبية لكل العوالم.

المحور الثاني: بيان معنى الصلاة وآلية الارتباط من خلالها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام.

ثم أعقبها بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً إيّاه بأنّه السيد النبي، ومثنياً بالصلاة والسلام على آله عليهم السلام، والحديث عن الصلاة عن النبي وآدابها وآثارها حديث طويل شيق له القدرة على بناء الإنسان تربوياً، فيكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الصلاة عليه شفاء من أخطر الأمراض التي يواجهها الإنسان والتي يستحيل علاجها من أمهر الأطباء، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الكافي (إن الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق).

أما الحديث عن سيادته ونبوته فقد تكلفت به كتب العقائد، ويكفي أنه صلى الله عليه وآله وسلم عنصر الفيض, وبوجوده المبارك الذي هو النور الأول، أفاض الله سبحانه وتعالى علينا هذه الوجودات، وما نراه في الكون.

فهو العنصر الذي يمثل الرحمة الإلهية, وهو العنصر الذي يمثل حالة الخير في الوجود، حيث لولاه لما كان هناك وجود، ولما كانت هناك حياة، فسيادته سيادة ذاتية بالنسبة إلينا، وسيادة وهبية لما يحمله من الكمالات الروحية والمعنوية التي اقتضت أن يجعله الله سبحانه وتعالى مصدراً للوجود ومحلاً للفيض من قبل الله تعالى.

ثم بيّنت الفقرة الآنفة الذكر أن هذه الصلاة التي تمثل معنى راقياً وجوهراً ثمينا في حالة الارتباط الإنساني مع الوجود الإلهي, لا تكون ولا تتكون عند الإنسان إلاّ بأن يكون مذعناً, لا يجد في نفسه حرجاً من سيادته صلى الله عليه وآله وسلم وإنبائه عن الباري جل وعلا، ومن أبرز تلك السيادة وهذا الإنباء أن جعل الله سبحانه وتعالى سيادة خاتم الأنبياء وشكره وثناؤهُ والتقرّب إليه مقروناً من خلال حديث الثقلين بسيادة أهل بيته عليهم السلام والتقرّب إليهم, حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في النص المشهور المتواتر (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...) وهو يدل بشكل واضح على أنّ من لا يذعن لأهل البيت عليهم السلام ولا يجعلهم سادة له, فهو لا يؤمن بالنبي ولا بسيادته ولا بنبوته ولا يذعن له.

ملخص وفوائد:

1. هناك جملة من البحوث العقائدية والفكرية و الإرتباطية التي يمكن التوسعة فيها من خلال الرجوع إلى المصادر التي تتضمن الحديث عن كل بحث بشكل مستقل وبإسهاب وبيان مفصل.

2. ذكرت جملة من الأحاديث الشريفة أن للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جملة من الفوائد نصت عليها الأحاديث منها إجابة الدعاء حيث قال (صلاتكم علي إجابة لدعائكم ومنها السعة في الرزق) كما في حديث الإمام الرضا عليه السلام في بحار الأنوار ج91 - ص54، وغيرها من الروايات والأحاديث التي تبيّن ثمرات الصلاة في الدنيا والآخرة من محو للسيئات, ونيل للحسنات, واستحقاق للشفاعة, والأمن من النار, ودخول الجنة, وضياء القبر, والبشارة عند الموت وغيرها.

3. سيكون هناك توسع وتفصيل لبعض المضامين التي تم تناولها أثناء الشرح,ولم تستوفَ بشكل يناسبها, وذلك عندما يسلط الدعاء الضوء عليها بشكل أكبر، ويتحدث عنها بشكل مستقل.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-19-2014, 07:17 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي دعاء الندبة 2

شرح دعاء الندبة
الحلقة الثانية

رابطة إحياء دعاء الندبة

يعتبر دعاء الندبة من الأدعية المشهورة,ونحن في هذا الشرح لا نريد الوقوف على الطرق التي وصل إلينا هذا الدعاء من خلالها,والمصادر المتنوعة التي نقلته، لأنّ هذا البحث وإنْ كان بحثا علميا,إلاّ أنّه قليل الجدوى بالنسبة للهدف الذي نقصده من شرح هذا الدعاء، فبعد معروفية الدعاء وتناقله في المعتبرات، واشتهاره لدى الخاصة والعامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يترتب على الدعاء بما هو دعاء هو الاعتماد عليه دليلاً في بناء المنظومة العقائدية أو الفقهية، لذا غضضنا النظر عن البحث السندي، وسنبدأ بالشرح متوكلين على الله سبحانه وتعالى، مستمدين العون من ولي الرعاية عليه السلام,فمنه وإليه هذه البضاعة المزجاة.

الفقرة الأولى:

(الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد نبّيــه وآله وسلّم تسليما)

والحديث في شرح هذه الفقرة يكون في ضمن محورين:

المحور الأول: بيان معنى الحمد, وما يتفرع على هذه الفقرة من بحوث عقائدية وفكريّة وعبادية وغيرها.

لقد ابتدأ الدعاء بالحمد لله رب العالمين وأعقبه بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما ابتدأ بــ(الحمد لله) والتي تعني (الثناء المطلق الكامل لله سبحانه وتعالى, والحمد والشكر معنيان متقاربان إلاّ أنّ الحمد أعمُّ والشكر هو عرفان الإحسان ونشره) لأنّه يفترض أنّ العبد وهو كذلك متنعم بنعم كثيرة، لا يمكن إحصاؤها ولا الاستعانة على شكرها إلاّ بشكر منعمها وبارئها والمفيض لها، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث تعطي فقرة الحمد التي تعني لزوم الشكر من العبد، ولزوم التخضّع والتذلّل للمعبود درساً في طريقة التواصل والعبودية لهذا المعبود المشكور, لأنَّ الفقرة التي بعدها عندما وصفت المحمود بأنّه رب العالمين، كأنما هي تريد أنْ تتكلم مع العبد وتقول له: أيّها العبد المنعَم عليه يجب عليك أنْ تشكر هذه النعم التي لا تحصى, لأنّ مصدرها هو ذلك الوجود الذي لا ينبع منه إلاّ الخير ولا يفيض ويصدر منه إلاّ الرحمة، وإن اختلفت تجلياتها، إنّ هذا الوجود هو الوجود الإلهي الغني الذي من أبرز صفاته أنه مربّ ومدير لهذا الكون الذي يحوي العالمين، وهذه العبارة على قصرها تتكفل بالحديث عن المنعِم وأبرز صفاته, والمنعَم عليه واحتياجاته، وما ينبغي للمنعَم عليه من القيام به تجاه منعمه الحامل لتلك الصفات الجمالية, والمنزه عن كل صفة جلالية.

وفي هذا المقطع الصغير يمكن للمرء أن يتحدّث عن المنظومة العبادية، والعقائدية، والارتباطية، فضلاً عن المنظومة الفقهية، إذ هي عبارة _على صغرها_ تختزل هذه المنظومات مجتمعة لتكشف للعبد أنّ منظومة الأدعية التي وصلت عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام قادرة على إثبات نفسها بنفسها، لما تحويه من مخزون معرفي متكامل، فكل عبارة منه قادرة على أن تنظّم معارف الإنسان وإن اختلفت ألوانها، ويكفي للمرء أن يقف متأملاً في هذه العبارة ليرى أن المعارف الإلهية وتشكُّل المنظومة العقائدية والفكرية والسلوكية ترجع إليها, لأنّها تتحدث عن محوّرية الرّب والنعمة والإحاطة,من خلال الكلمات الأربع التي تضمنتها الفقرة الآنفة، فـ (الحمد لله رب العالمين) فقرة تتكلم عن النعم التي يجب أن تحمد والتي لابّــُدَ بمقتضى الفطرة _ فضلاً عن غيرها من الأدلة _ أن تعود إلى منعِم غني، هو مجمع صفات الكمال والجلال , وأن أبرز ما يظهره من إنعامه أنه رب مدير مدبّر، ليعقبها بالعالمين، إشارة إلى الإحاطة الربوبية لكل العوالم.

المحور الثاني: بيان معنى الصلاة وآلية الارتباط من خلالها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله عليهم السلام.

ثم أعقبها بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً إيّاه بأنّه السيد النبي، ومثنياً بالصلاة والسلام على آله عليهم السلام، والحديث عن الصلاة عن النبي وآدابها وآثارها حديث طويل شيق له القدرة على بناء الإنسان تربوياً، فيكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الصلاة عليه شفاء من أخطر الأمراض التي يواجهها الإنسان والتي يستحيل علاجها من أمهر الأطباء، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الكافي (إن الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق).

أما الحديث عن سيادته ونبوته فقد تكلفت به كتب العقائد، ويكفي أنه صلى الله عليه وآله وسلم عنصر الفيض, وبوجوده المبارك الذي هو النور الأول، أفاض الله سبحانه وتعالى علينا هذه الوجودات، وما نراه في الكون.

فهو العنصر الذي يمثل الرحمة الإلهية, وهو العنصر الذي يمثل حالة الخير في الوجود، حيث لولاه لما كان هناك وجود، ولما كانت هناك حياة، فسيادته سيادة ذاتية بالنسبة إلينا، وسيادة وهبية لما يحمله من الكمالات الروحية والمعنوية التي اقتضت أن يجعله الله سبحانه وتعالى مصدراً للوجود ومحلاً للفيض من قبل الله تعالى.

ثم بيّنت الفقرة الآنفة الذكر أن هذه الصلاة التي تمثل معنى راقياً وجوهراً ثمينا في حالة الارتباط الإنساني مع الوجود الإلهي, لا تكون ولا تتكون عند الإنسان إلاّ بأن يكون مذعناً, لا يجد في نفسه حرجاً من سيادته صلى الله عليه وآله وسلم وإنبائه عن الباري جل وعلا، ومن أبرز تلك السيادة وهذا الإنباء أن جعل الله سبحانه وتعالى سيادة خاتم الأنبياء وشكره وثناؤهُ والتقرّب إليه مقروناً من خلال حديث الثقلين بسيادة أهل بيته عليهم السلام والتقرّب إليهم, حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في النص المشهور المتواتر (إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي...) وهو يدل بشكل واضح على أنّ من لا يذعن لأهل البيت عليهم السلام ولا يجعلهم سادة له, فهو لا يؤمن بالنبي ولا بسيادته ولا بنبوته ولا يذعن له.

ملخص وفوائد:

1. هناك جملة من البحوث العقائدية والفكرية و الإرتباطية التي يمكن التوسعة فيها من خلال الرجوع إلى المصادر التي تتضمن الحديث عن كل بحث بشكل مستقل وبإسهاب وبيان مفصل.

2. ذكرت جملة من الأحاديث الشريفة أن للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جملة من الفوائد نصت عليها الأحاديث منها إجابة الدعاء حيث قال (صلاتكم علي إجابة لدعائكم ومنها السعة في الرزق) كما في حديث الإمام الرضا عليه السلام في بحار الأنوار ج91 - ص54، وغيرها من الروايات والأحاديث التي تبيّن ثمرات الصلاة في الدنيا والآخرة من محو للسيئات, ونيل للحسنات, واستحقاق للشفاعة, والأمن من النار, ودخول الجنة, وضياء القبر, والبشارة عند الموت وغيرها.

3. سيكون هناك توسع وتفصيل لبعض المضامين التي تم تناولها أثناء الشرح,ولم تستوفَ بشكل يناسبها, وذلك عندما يسلط الدعاء الضوء عليها بشكل أكبر، ويتحدث عنها بشكل مستقل.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-19-2014, 07:45 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي شرح دعاء الندبة3

شرح دعاء الندبة

الحلقة الثالثة

رابطة إحياء دعاء الندبة

(اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ).

تشتمل هذه الفقرة على جملة من المطالب التي ينبغي الإلتفات إليها وعدم إغفالها، وهي تحتاج إلى بسط في الكلام وشرح يناسب مكانتها وما تحويه من مخزون علمي ومعرفي، ولكن حيث أن هذا الشرح لهذا الدعاء المبارك مبني على بيان قضايا بشكلها الإجمالي، كذلك الإشارة إلى أمّهات المطالب ويبقى التفصيل متروكا لمحله.

والمطالب التي ينبغي تسليط الضوء عليها بشكل أكبر وإبرازها أكثر هي البعد العقائدي في القضاء والقدر، والبعد الاخلاقي والتربوي في الامتثال لإرادة الله تعالى والتسليم لاختياره، والبعد المعرفي في سنن الإمتحان والإبتلاء, وهناك إبعاد أخرى يمكن أن يشير إليها المتحدث، ونتناولها على شكل محاور.

المحور الأول: البعد العقائدي بحث القضاء والقدر

تشتمل الفقرة الآنفة الذكر الحديث في بحث القضاء والقدر من حيثية الإصطفاء والإستخلاص، وبحث الولاية والإمامة وتنتقل إلى بحث القيامة والنعيم الخالد، حيث يتجلى هذا البحث بشكل واضح في هذه الفقرة, وينبغي أن لا نغفل الإشارة إلى هذه الأبحاث لأجل أن يفهم السامع أنّ هذه الكلمات النورانية الصادرة من معدن الوحي ذات أبعاد متنوعة، وكل بعد منها له أعماق ومستويات ويمكن للمنتهل أن يغترف بقدر سعته لا بقدرها، وعلى ميزان الآية الكريمة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها).

فلابدّ أن تنظم قضية القضاء والقدر والاصطفاء والإمامة بمنظومة الحمد والشكر، وأن تبرز بشكل جليّ للمستمع وكأنها منظومة واحدة, وقد تقدم نحو من البيان فيما يرتبط بقضية الحمد، ونشير هنا إلى أن القضاء والقدر في عقيدة أهل البيتk هو حقيقة (على حدّ تعبير الروايات) بين الجبر والاختيار فتعطي للإنسان مساحة واسعة تؤهله لأنْ يصل إلى المقامات العليا التي ينبغي له الوصول إليها، وفي نفس الوقت لا يعني ذلك تفويضا وخروجا عن القدرة الإلهية، فمن أجمل التركيبات التي تمتاز بها العقيدة الأمامية أنها نظّمت هذا البحث بشكل ينسجم مع الوجدان والعقل والواقع, في حين أن الغير لم يتمكن من الخروج من هذه المعضلة بما ينسجم مع العقل والوجدان وما دلّت عليه الآيات الكريمة.

المحور الثاني: البعد الأخلاقي والتربوي

فإن هذه الفقرة التي تبتدأ بذكر الله سبحانه وتعالى وتنسب كل فيض من الوجود إلى إلوهيته هي في عين الوقت تلزم الإنسان بان يخضع منتهى ألوان الخضوع من خلال الحمد والتخضع إذعانا لتلك النعم وإيقانا بأنّ كل نعمة صدرت وتصدر إنّما هي من معدن ومنبع الإلوهية, فجميع ما يمثّله الحمد من مداليل في اللغة هي صور يعبّر بها الداعي إلى الله سبحانه وتعالى من خلال هذا المقطع وإن كانت تلك النعم في ظاهرها ابتلاءات فالنفس المستخلصة والتي وقع عليها الاختيار الإلهي ترى أنّ ذلك يوجب الحمد وأنه في كل الأحوال لا يفرّق فيه بين سرّاء أو ضرّاء، كما في حديث الباقر عليه السلام مع جابر بن عبد الله الأنصاري حينما سأله عليه السلام عن أحواله فقال جابر: (أحب المرض على الصحة والموت على الحياة والشيخوخة على الشباب, فقال له الإمام الباقر عليه السلام: امّا أنا يا جابر فإنْ جعلني الله شيخا أحب الشيخوخة وإن جعلني شابا أحب الشيبوبة وإن أمرضني أحب المرض وإن شفاني أحب الشفاء والصحة وإن أماتني أحب الموت وإن أبقاني أحب البقاء).

فهذا النموذج الحمدي هو الذي يريد أن يشير إليه هذا المقطع، حيث يجعل النفس المستخلصة، والتي انتخبت واختيرت للولاية نموذجا أسويا يحتذى به بالحمد بما يجري به القضاء تجاه الأولياء, فإنّ النعيم الأبدي الذي لا يزول ولا يضمحل إنما يتفرع على نموذج من الحمد لونه ما يشير إليه هذا المقطع الندبي المبارك.

ولا تخفى الإشارات اللطيفة التي يتضمنها هذا المقطع من سموّ النفس ورقيها وتهذيبها وإعطائها نوعاً من الدربة في الممارسات السلوكية نتيجة لما يتلقاه ويحمله من تلك المعاني الخلقيّة التي تتولد لديه من إذعانه كلما اشتد به البلاء أملاً في استخلاص نفسه لنفس الباري وذوبان وجوده في دينه وهذا السمو الرفيع هو النموذج الذي أمرنا بالإقتداء به والمتمثل بتلك المكارم التي إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتممها في النفس الإنسانية.

المحور الثالث: البعد المعرفي

يسلط هذا المقطع الندبي الضوء على منظومة إلهية لا يمكن أن تستقيم إلاّ بسنن تكوينية كونية، من أبرزها سنة الابتلاء والامتحان والذوبان من أجل تحقيق الهدف الأسمى، فخلاصة المعرفة البشرية والتجربة العقلائية تقول أن الديدن السّنني العقلائي في تحقيق الأهداف العظام يولّد لدى المضحّي قدرة هائلة في أنّه لا يتوانى في البذل مهما كان من أجل تحقيق الغاية القصوى, وهذا المقطع الذي يعكس لنا الحمد على ما جرى به القضاء في الأولياء لأجل الاستخلاص يبرز هذه الحقيقة العقلائية بشكل جلي واضح.

فضلاً عما يحمله هذا المقطع من مخزون معرفي في الإخلاص والاختيار ونظرية العطاء والجزاء وتجسم الأعمال، فيما لو نظرنا إليها من غير بعدها العقائدي والكلامي، فإنّ النعيم الذي يتجسد وجودا دائما لا زوال له ولا اضمحلال يتوقف على التسليم بالقضاء الصادر من الله سبحانه وتعالى بل على حمد ذلك الإله الذي قضى بما قضى وكيفما كان ذلك القضاء, علماً أنّ الفقرة التي تحدثنا عنها تكتنز الكثير مما يمكن لنا ان نفرزه من معارف ومفاهيم ترتبط بتنظيم حياتنا وارتباطاتنا التي تولد سلوكا للرقي الإنساني ولكن البناء أسس على الاختصار فلمن يرغب بفتح المطالب وتوسيعها يمكن له ان يقف على بحر زاخر من المعارف من خلال هذا المقطع الندبي المبارك.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-05-2014, 04:44 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي

شرح دعــــــاء الندبة/ الحلقة الخامسة
رابطة إحياء دعاء الندبة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الفقرة (فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ، وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ).
بعد أن وقفنا على فكرة المشارطة فيما تقدم نقف الآن على نتائج تلك المشارطة وما ترتب عليها.
ويجدر الإنتباه إلى أنّ عملية المشارطة التي تقدمت والتي كان محورها الزهد بدرجات هذه الدنيا، وهنا عبارة لطيفة جداً عندما قال الدعاء درجات هذه الدنيا ويمكن الاستفادة أن الزهد على درجات قد لا يمكن لنا إحصائها، وأعلى مرتبة من مراتبها قد حازها أهل البيت عليهم السلام، وسنلاحظ ما رتب عليها الدعاء من نتائج وآثار وهناك درجات أخرى يمكن لنا إذا ما التزمنا بهذه المشارطة ان نحصل على الآثار المترتبة عليها وإن كانت بدرجات متفاوتة.
وهنا إشارة مهمة وهي أن ما يترتب على الزهد بدرجات هذه الدنيا من الآثار الآتية، وان كان مختصا بأهل البيت عليهم السلام بدرجته العليا لكنه غير ممنوع عنّا بدرجاته الأخرى.
يشير المقطع الآنف الذكر إلى جملة من المطالب الغنية بالمعارف الإلهية، ونجملها ضمن النقاط التالية:
1. شير المقطع إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد حصول المشارطة قبل من أهل البيت عليهم السلام _والأنبياء والعلماء والأولياء_ هذه المشارطة ومعنى قبوله ليس قبولا لمحض ذواتهم، بل علاوة عليها ما يترتب من آثارهم وأفعالهم وأقوالهم فكلها قد قبلها الله سبحانه وتعالى، وينبغي أن نلتفت إلى ان قبول الله سبحانه له مراتب وقبوله لأهل البيت قبولا بأعلى مرتبة، ويمكن لنا أن نصيغ هذا القبول دليلاً على عصمتهم لأنّ قبولهم كان مطلقا وهو يعني قبول كل مايصدر عنهم، وهذا معناه أن الصادر منهم، فعلاً كان أو قولا بل وامضاءً هو عين الحقيقة والصواب وليس ذلك إلاّ معنى العصمة.
2. يحدثنا المقطع عن أنّ ماترتب على تلك المشارطة _وعلم الله سبحانه ووفاء أهل البيت عليهم السلام بها_ أنه قربهم وهذا التقريب ليس محض القرب المادي وإنما هو قربهم من الدين، وقربهم من الحقيقة وقربهم من القداسة وقربهم في كل شيء، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه وما سيأتي أيضاً في طيّات هذا الدعاء من أن هذا القرب هو حقيقة جعلهم وسائط الفيض الإلهي فلأنهم أقرب شيء إلى الله فإن ما يصدر عنه تعالى يمر من خلالهم إلى عباده، وهذا ارفع مرتبة من مراتب القرب فضلا عن غيرها من المعاني التي ذكرها القران الكريم عن القرب الإلهي (كقرب الإجابة) الذي تحدث عنه آية 186 من سورة البقرة (فَإِنِّي قَريبٌ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) و(قرب النصر) في نفس السورة رقم 214 (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَريبٌ) و(قرب التوبة) كما في 17 النساء (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) و(قرب الرحمة) كما في 56 الاعراف (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ) بل و(قرب العذاب) كما في 64 هود (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَريبٌ) و(قرب الفرج) 81 هود (أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَريبٍ) وغيرها من المعاني التي ذكرها القرآن الكريم والتي من خلال هذا المقطع يجوز لنا أن نقول إن كل قرب، قرب خير كالفرج والدعاء والتوبة لايكون إلاّ من خلالهم أو قرب بعد وغضب وسخط وحرمان ولا يكون إلاّ ببغضهم.
3. ويشير المقطع أيضاً إلى أن ما ترتب على تلك المشارطة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّم لأهل البيت عليهم السلام الذكر العلي والثناء الجلي الواضح وهذا لايخفى على أنّه في أعلى مراتبه ويمكن لغيرهم إذا التزم بالمشارطة أن يحصله بمراتبه الأخرى فمن يزهد في هذه الدنيا مشارطاً الله سبحانه بذلك فإنه لا محالة يترتب عليه نتيجة بقاء الذكر والثناء من قبل الله ومن قبل عباده، نعم إن الذكر العلي الذي يعني أن أهل البيت عليهم السلام مذكورون في السماء وعند الأنبياء فضلاً عن أهل الأرض والأولياء بل وهم المذكورون في حضرة الله وعنده تعالى هذا هو الذكر العلي بأن يذكرهم الجميع ويكون ذكرهم شرفا للذاكر والثناء عليهم من منقبة المثني، بل حتى عند أعدائهم نجد ذكرهم والثناء عليهم رغم بغض الأعداء لهم عليهم السلام.
هذه بعض الإشارات بما يسمح به المجال والمقطع الآنف الذكر يحمل الكثير من الأبعاد التي ينبغي تسليط الأضواء عليها والإشارة إليها والتي منها:
1. إنّ للقبول أنواعاً وأصنافاً مختلفة، كالقبول العبادي والقبول الأخلاقي والقبول الاجتماعي وعلى الإنسان السعي في أن يكون مقبولاً في كل الميادين عند الله تعالى كما كان أهل البيت عليهم السلام مقبولون عنده كذلك، وكذلك يأتي الكلام في القرب.
2. إنّ الذكر والثناء، منه ماهو جلي، ومنه ماهو خفي ومنه ماهو قولي ومنه ماهو عملي، فلابدّ من الالتفات لذلك.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-05-2014, 04:45 PM
ام عبد الله السعيد ام عبد الله السعيد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 73
افتراضي

شرح دعاء الندبة
الحلقة السادسة
رابطة إحياء دعاء الندبة
(وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَكَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ).
مازال الحديث متواصلا بشرح مقاطع من فقرات هذا الدعاء المبارك المترتبة على قضية المشارطة بين الله سبحانه وأهل البيت عليهم السلام، وما ترتب على هذه المشارطة من آثار من قبل الله سبحانه وبمقتضى علمه بوفاء أهل البيت عليهم السلام بمشارطتهم معه تعالى، والآثار الذي نقف عليها في هذا المقطع (إهباط الملائكة والتكريم بالوحي والرفد بالعلم) فنقول:
إنّ الله سبحانه وتعالى بعد أن علم من أهل البيت عليهم السلام وفاءهم له بالزهد في جميع درجات هذه الدنيا كرّمهم بأن جعلهم أهل بيت الوحي، وجعل محالهم مهبطاً لجميع الملائكة، وهنا إشارة إلى ذلك العالم المقدس العالم العلوي، وهذا العالم لا يمكن أن ينزل ما فيه إلا (في‏ بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ) وهذا التكريم الإلهي في جعل أهل البيت عليهم السلام محلاً للتنزل السماوي ومحلاً للتمثيل الإلهي في الأرض _فهم كعبة الدّين في الأرض التي ينبغي أن يحج الناس إليها لانّهم بيت الدين على وجه هذه البسيطة، لبيان التعاليم الإلهية_ وقد وردت كثير من الأخبار في الحديث عنه، حتى بوّب صاحب (الكافي) بابا في دخول الملائكة بيوت أهل البيت عليهم السلام وإنها تطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار، وفيه انهم يقذفون في قلوب أهل البيت عليهم السلام وينقرون في أسماعهم وعندهم الجفر والمصحف، بل وأنه يأتيهم من هو أعظم من جبرائيل.
وحيث نعلم بمقتضى ظواهر جملة من الآيات أن وظائف الملائكة متعددة، فلهم وظائف وجودية كقبض الأرواح والتصرف في بعض موجودات الكون بإذن الله وإنزال الشرائع على رسل الله فإن ما يتنزل على أيديهم لأهل البيت عليهم السلام أيضا متنوع ومتلون.
وإذا رجعنا إلتماساً لوصية أهل البيت عليهم السلام بمحاججة الناس بسورة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) فإنّنا نجد أن هذه السورة المباركة وغيرها من آيات ليلة القدر (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‏ لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرينَ * فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ) (إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‏ لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) تقول: إن ما يتنزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر من كل أمر حكيم إنما يكون على من هو مؤهل لهذا التنزّل إذ لا معنى أن يتنزل الملائكة على جميع الخلق ولا معنى أن يتنزل على لا أحد، فلابدّ من وجود ذاك الفرد الأوحدي المؤهل لهذا التنزّل السماوي، ولا بد أن يكون في الأرض لتستمر عملية الترابط الإلهي البشري، السماوي والأرضي، وهذه العملية التي تنتج منها هداية الناس إلى الله وتأمين احتياجاتهم فيما إذا التزموا واهتدوا، إنّما هي ثمرة من ثمرات تلك المشارطة المقدسة التي نتج عنها أن جعل أهل البيت عليهم السلام، وكما في هذا النص الندبي المبارك مهبطا للملائكة ومحلاً للوحي.
اما الرفد بالعلم المتفرع على إنزال العلم الالهي _حسب ما تقتضيه الإرادة الإلهية_ فهو أبرز أثر نجم عن المشارطة المتقدمة وعن إنزال الملائكة وكونهم عليهم السلام مهبطاً للوحي إذ كل ما يأتي عن طريق الملائكة انما هو علم وإن اختلفت ألوانه فبعضه شرعي ينظم الحياة والعقيدة وبعضه اجتماعي وهكذا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من دعاء الندبة جميلة المدني فيوضات ولائية 0 03-13-2014 07:21 AM
دعاء العهد قطر الندى فيوضات ولائية 0 01-20-2014 03:01 PM


الساعة الآن 03:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.