![]() |
|
« آخـــر الــمــواضــيــع »
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]()
الإمام الصادق عليه السلام .. البعد الآخر من شخصيته
أم حسين بوحليقة
حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية 25 شوال 1444ه ____________ مقدمة: ▪︎ نبذة مختصرة عن حياة الإمام الصادق (ع) وسمات عصره: امتد عمر الإمام الشريف (٦٥) عاما، عاش خلالها أهم مرحلة في تاريخ الإسلام وهو سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، وتعتبر من أخطر المراحل الانتقالية التي مرت على تاريخ الدولة الإسلامية. عاصر الإمام الصادق (ع) خلال حياته من حكام بني أمية: - هشام بن عبد الملك - يزيد بن عبد الملك - إبراهيم بن الوليد - مروان بن محمد ومن حكام بني العباس: - السفاح - المنصور وهو الذي استشهد على يديه حين دس له السم. ❍ كانت مدة الإمام الصادق (ع) (٣٤) سنة، أي أنه تقلد الإمامة بعد أبيه الإمام الباقر (ع) وعمره الشريف (٣١) سنة. ❍ من يَطّلع على تاريخ وسيرة حياة الصادق (ع) يجد مع الأسف أن فترة الصراعات التي عاصرها يلفها نوع من الغموض، فرغم أن هذه الفترة كانت مليئة بالأحداث والاضطرابات والتحولات التاريخية، إلا أنها لم تنعكس في أقوال المؤرخين بصورة واضحة أو مفصلة على الإطلاق، وأكثر الأحداث لم توثق بشكل دقيق، لذلك كان على الباحثين في حياته الشريفة وخصوصا فترة التحولات السياسية أن يعتمدوا على القرائن وملاحظة الأحداث العامة ليتمكنوا من ربطها بحركة الإمام، حيث كان له (ع) حركة سرية وأهداف لم يُعلن عنها في بداية حركته حتى يتمكن من تحقيقها ثم يتم الإعلان عنها. 📌 فما هي أسباب عدم تأريخ هذه الفترة المهمة من حياة الإمام الصادق (ع) ؟!! ↩ وجد المحللون أن جميع التواريخ المعروفة والمعتبرة لهذه الحقبة التاريخية والتي بقيت إلى ما بعد حياة الإمام الصادق (ع) ب (٥٠٠) سنة كانت ذات صبغة عباسية، حيث استمرت دولتهم إلى منتصف القرن السابع الهجري، وأغلب التواريخ قد أُلفت وكُتبت في هذه المرحلة المتجبرة، وهذا يجعل المحللون يستنتجون أن أي مؤرخ في ظل دولة بني العباس لا يمكن أن يُدوِّن معلومات واضحة عن حياة الإمام الصادق (ع) أو حركته مع شيعته وأتباعه، لأن ذلك كان ضد مصالحها، وقد يكون ذلك أحد أسباب الكثير من التحريفات والإبهامات في حياة الإمام (ع). 📌 وهذا التحليل يثير تساؤلاً آخر وهو: ما هو الطريق إذن للتعرف على حياة ونشاط هذا الإمام العظيم ؟؟ ⬅️ قد يكون الطريق الأصح والأضمن وربما الوحيد هو أن نبحث عن نماذج حية من حياة الإمام الصادق (ع) ونستمد منها الأصول العامة لفكره وأخلاقه وسمات عصر إمامته. ❍ ذكرنا في المقدمة أن من أبرز سمات عصر الإمام الصادق (ع) أنه عاصر مرحلتين في حياته (نهاية الدولة الأموية وبداية قيام الدولة العباسية من 114- 135هـ)، وكانت هذه الفترة مرحلة سعة وهدوء بالنسبة لشيعة أهل البيت وأتباع الإمام الصادق (ع) لعدة أسباب منها: - أن حكام بني أمية كانوا مشغولين عن مطاردة الإمام وشيعته في صراعاتهم مع بني العباس. - أن بني العباس بعد انتصارهم على بني أمية انغمسوا في شهواتهم وملذاتهم وفجورهم. فوجد الإمام (ع) أن هذه الأسباب هيأت فرصة ذهبية لنشر علوم أهل البيت، فتأسست الحوزات العلمية وتخرج ما لا يقل عن (٤٠٠٠) طالب من كل أنحاء العالم. لذلك عُرف في التاريخ مما لا يدعو للغموض أو الشك أن الإمام الصادق (ع) كان رجل العلم والمعرفة بشهادة العوام والأعداء قبل الخواص من شيعته وأتباعه، حيث تتلمذ على يده أئمة المذاهب الأربعة (الشافعي/المالكي/ أبو حنيفة/ ابن حنبل) وغيرهم من علماء السُّنة. وهذا الجانب من شخصيته العلمية هو الأكثر تداولاً وشهرة حتى نُسب مذهب أهل البيت (ع) إلى المذهب الجعفري، وقال فيه أبو حنيفة: (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد). ولكن .. ما نريد طرحه هنا هو هذا السؤال: 📌هل كانت شخصية الإمام الصادق عليه السلام ترتكز فقط على الجانب العلمي كما أُشتهر عنه؟؟ أم أن لشخصيته أبعاد أخرى؟؟ ↩ للإمام الصادق (ع) سمات عظيمة وأبعاد أخرى في شخصيته غير بروزه العلمي والمعرفي، وهذه الأبعاد تناسبت مع سمات عصره الذي تميز عن غيره من عصور الأئمة عليهم السلام، وتمثلت في أنه كان رجل الجهاد والمواجهة والتنظيمات والتشكيلات. ❍ وربما لم يُعط هذا البعد السياسي من شخصية الإمام حقه بسبب تزوير المؤرخين لهذه الفترة المهمة من حياته. فكما كان الإمام الصادق (ع) مشغولا في نشر العلوم الإسلامية؛ كان مشغولا أيضا بجهاد واسع النطاق من أجل تهيئة الأرضية للقضاء على جهاز الدولة الأموية وإقامة حكومة العدل الإسلامي، وكانت هذه من الأسرار والأهداف التي خطط لها الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام، وهو القيام بثورة علنية لإسقاط الحكومات الأموية والعباسية الظالمة. حيث انتشرت في ظل هذه السلطات الإسرائيليات والعقائد المنحرفة والبدع (مثل القياس عند أهل السنة)، كما أصبحت الفرق الأربعة تُكفر بعضها البعض، والسلطة ترفع المذهب الذي يخدم مصالحها وتقتل كل من يعارضها. ❍ واجه الإمام الصادق (ع) هذه الحياة التي ملؤها الانحراف والظلم مواجهة علمية أدبية حوارية قائمة على أساس العقل والمنطق والكتاب والسنة، وحارب المذاهب المنحرفة بإظهار السنة المحمدية الأصيلة، لذلك امتاز المذهب الجعفري بالأصالة وسط موجة الانحرافات المذهبية. ونطرح هنا نموذجا لمظاهر الانحرافات العقائدية التي انتشرت في عصر الإمام الصادق(ع) من خلال مناظرته مع من يعمل بالقياس: *(1) كان أبو حنيفة (وهو أحد أئمة مذاهب أهل السنة الأربعة) يعمل بالقياس في الأحكام الشرعية فناظره الإمام الصادق عليه السلام؛ قال الدكتور أحمد أمين: إنه ناظر أبا حنيفة في الرأي، قال جعفر الصادق (ع) لأبي حنيفة: أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس. قال (ع): فإن الله قد قبل في قتل النفس شاهدين، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. ثم سأله (ع): أيهما أعظم الصلاة أو الصوم؟ قال: الصلاة. فقال (ع): فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فكيف يقوم لك القياس؟ فاتق الله ولا تقس. 💥توضيح معنى القياس لرفع الاشتباه: المقصود بالقياس هنا بمعنى التمثيل (وهو أحد طرق الاستدلال المنطقية) ومعناه هو: إثبات الحكم في جزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له. مثال: كإثبات حکم حرمة الخمر للنبيذ لأنه يشبه الخمر في الإسكار. *(2) وقد جاء في كتاب أصول الفقه للمصنف قدس سره (يقصد الشيخ المظفر) في باب القياس: ومن المعلوم عند آل البيت عليهم السلام أنهم لا يجوزون العمل به، وقد شاع عنهم: «إن دين الله لا يصاب بالعقول» و«إنّ السنة إذا قیست مُحق الدين». بل شنوا حربا شعواء لا هوادة فيها على أهل الرأي وقياسهم ما وجدوا للكلام متسعا. ومناظرات الإمام الصادق (ع) معهم معروفة، لا سيما مع أبي حنيفة، وقد رواها حتى أهل السنة إذ قال له الإمام (ع) فيما رواه ابن حزم: «اتق الله ولا تقس، فإنا نقف غدا بين يدي الله، فنقول: قال الله وقال رسوله، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا». انتهى. *(3) والتمثيل بمعنى القياس كمصدر للتشريع عند أهل السنة يختلف عن معنى القياس وهو أحد طرق الاستدلال المنطقية: وهو تطبيق القاعدة الكلية على جزئیاتها لمعرفة حكم الجزئيات. مثاله: کتطبيق قاعدة (كل من يشرب الخمر فاسق) على (خالد) لأنه يشرب الخمر لمعرفة الحكم الذي يترتب عليه وهو (الفسق) فيقال (خالد يشرب الخمر + وكل من يشرب الخمر فاسق = فخالد فاسق). أما السؤال المطروح هنا فهو: 📌كيف واجه الإمام الصادق (ع) - رجل الجهاد والمواجهات والتنظيمات- حكومات السلطة الظالمة؟ ↩ استخدم الإمام الصادق (ع) عدة أساليب لمواجهات العناصر الظالمة والمتجبرة، فلم تكن شخصيته ممن تقع تحت تأثير المنافع والمصالح الظاهرة، فهو الإمام الذي أهّله الله للقيادة والعلم بعواقب الأمور، فكان من الحكمة بحيث لم يُخدع بتلك المغريات ويُعّرِض نفسه وأهل بيته بل المجتمع الإسلامي كله لخطر لا قِبَل لهم على دفعه. ❍ لقد اتبع الإمام (ع) في المرحلة الأولى من حركته أسلوب (النصح) للأمويين بحكم صلة القرابة بينهم، وجهد أن يُجنبهم المهالك، ويُبصِّرهم بعاقبة ما يُقْدمون عليه مع استخدام أسلوب التقية. وفي هذه المرحلة لم يتزلزل كيانه الروحي والفكري عن نهجه في عدم التقرب إلى الحكام والإلتقاء معهم إلا في حدود دفع الخطر والهلاك. ولكنه عندما وجد أن النصح لم يُجْدِ معهم انتقل إلى مرحلة أخرى وهي (المواجهة العلنية) التي لم يَعد فيها أي خفاء أو تقية أو كتمان. حيث كان (ع) صریحأ في التعبير عن وجهة نظره تجاه الحُكّام الذين عاصرهم في حياته الكريمة، بل حتى مع الثائرين الذين لم يتوثق منهم الصلابة في الدين والصرامة في الحق، فلا مجاملة في الحق ولا مسایسة على حساب الاسلام . من هذا المنطلق اتخذ الإمام الصادق (ع) -كما آباؤه وأبناؤه من أئمة أهل البيت- موقف الرفض من كل الأنظمة الحاكمة. ونجدها فرصة هنا لتوضيح معنى (التقية) التي قد يفسرها البعض بمعنى الخوف أو يفهمها بشكل خاطئ. يوضح سماحة السيد الخامئي (دام ظله) معنى التقية بأسلوب بسيط ورائع من خلال رواية الإمام الصادق (عليه السلام): *(4)《إنّ التقية تُرس المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له》. *(5)[ عندما نتحدث عن التقية من الممكن أن تقولوا أن التقية ترتبط بذلك الزمان الذي كانت فيه الحكومة الجائرة ممسكة بزمام السلطة ونحن كنا في خفاء بسبب الخوف منها، كلا .. في ذلك الوقت لم تكن التقية قضية خوف!! "التقية تُرس المؤمن"، فأين يُستعمل التُرس؟؟ إذن التقية تكون في مورد المواجهة والقتال، وبناء عليه نتقي أي أننا لم نكن نسمح للعدو أن يدرك ماذا يجري، فالتقية تُرس والمتقي يختبئ خلفه، وهذا هو معنى التقية] وبهذا المعنى نفهم أن الإمام الصادق (ع) عندما استخدم أسلوب التقية في بداية حركته أي أنه كان يمارس أنشطته دون توقف أو خوف من جهاز السلطة، ولكن بعيدا عن أعينهم بما يضمن له الاستمرار في حركته، ولكنه بعد ذلك استخدم أسلوب المواجهة العلنية عندما بدأت السلطة الأموية في الضعف والإنهيار، حيث لم يعد هناك مبرر لإخفاء حركته عن أعداء أهل البيت، لأن التقية في هذا الوضع تعطي للعدو نوع من القوة، فعمل (ع) في هذه الفترة على تبيين مكانة الإمامة للناس ووجوب تمحورهم حول من هم أحق بالخلافة والإمامة، فكان (ع) يستغل مواسم الحج ويعلن صراحة عن مظلومية أهل البيت وأحقيتهم بالخلافة بالحجة والبرهان المنطقي والعقلي، مما ميز الفقه الجعفري عن بقية المذاهب ليس كخلاف مذهبي وعقائدي فقط وإنما كمذهب تميز بالوعي والعقلانية، وذلك من خلال حمله لمضمونين: ١- إثبات عدم تمتع جهاز الحكم الظالم بالوعي الديني والمعرفي وعجزه عن إدارة شؤون الدولة الإسلامية. ٢- تشخيص موارد التحريف في الفقه الذي قام على أساس خدمة مصالح الحكام والسلاطين. ❍ لقد استطاع الإمام وسط كل هذه الإنحرافات تنظيم وتشكيل جماعات من المؤمنين العلويين في مختلف أرجاء العالم الإسلامي(من أقصى خراسان وما وراء النهر إلى شمال أفريقيا، ومن المدينة إلى الكوفة والشام). وهذا الجانب من حياة الإمام الصادق (ع) لم يكن مصرحا في حياة الأئمة، لأنه اتسم بالسرية من جهة، ومن جهة أخرى عمل التعتيم الإعلامي والتزوير التاريخي على طمسه، لذا لفه الغموض، حيث لم يُعرف عن الشبكات العظيمة التي كانت تُدار حول العالم من قِبل الإمام (ع). 📌 فماذا نعني بهذه التنظيمات والتشكيلات؟ ↩ هي ليست كما قد يفهمها البعض مجموعة كوادر من المنظمين يقودون منطقة معينة فقط !! بل كانت عبارة عن جماعات تقوم بأعمال ومسؤوليات مختلفة ولكن لها أهداف مشتركة واحدة، وترتبط بمركز قيادي وقلب وعقل واحد، يشعرون فيما بينهم بعظم التكليف الملقى على عاتقهم مما جعلهم على استعداد لتقديم التضحيات من أجل هذا الدين. كان هذا الجانب المخفي والعظيم من حياة الإمام الصادق عليه السلام هو الذي أعطى القوة والرسوخ الشامخ للقواعد الشيعية، مما جعلها تشكل خطرا حقيقيا للسلطة العباسية. ❍ وختاما .. يُخطىء من يُصور أن الإمام الصادق(ع) كان بمعزل عن السياسة و منزويا في المسجد مشغولا بالعلم والعبادة فحسب، فالسياسة في قاموس أهل البيت (ع) تقوم على أساس من الدين والإيمان مقرونة بالورع والتقوى، وإلا فهي مراوغة وخداع وتضليل للعامة ولا خير فيها، مما جعل السلاطين تخافه وبخاصة المنصور الدوانیقي الذي كان يريد قتله والتخلص منه، حتى أنه كان يقول: (قتلت كل آل علي ولم يبق سوى سيدهم - يقصد بذلك الصادق (ع)-) فدس له السم للتخلص منه.. إلا أن شعلة الإمام الصادق عليه السلام لم تنطفأ وبقيت منارا يهتدي به كل العالم. السلام عليك أيها الإمام الصادق المصدق في القول والفعل ______ *(1) حِكَم الإمام الصادق عليه السلام/ ص: 64 *(2) المقرر في توضيح منطق المظفر/ ص: 434 *(3) مذكرة المنطق للشيخ الفضلي/ ص: 127 *(4) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج4 *(5) إنسان بعمر 250 سنة/ ص: 293-294 بتصرف. 📚 المصادر: - إنسان بعمر 250 سنة/ الإمام الخامنئي/ (الفصل العاشر حياة الإمام الصادق عليه السلام) . - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة/ أسد حيدر/ (ج1). - الإمام الصادق والواقع المعاش/ السيد عبد الحسين القزويني. |
![]() |
|
|