السلام عليكم
بناء على طلب الاستاذة ام حسين بوحليقة بالبحث حول شخصية قيادية لم تنجح مع ذكر اسباب عدم نجاحها
وذلك من خلال درس (الرسالة الفكرية والقيادة) من مادة (ومضآت )
اقدم لكم هذه الشخصية وهي شخصية(سليمان بن صرد الخزاعي)
التوّابون
كان لاستشهاد الإمام الحسين عليهالسلام بهذه الصورة المأساوية نتائج خطيرة في تاريخ العراق والدولة الأموية عامة. فقد عاشت الشيعة بشكل خاص ، والمسلمين بشكل عام عقدة الذنب مثقلاً بمرارة الموقف الانهزامي الذي وقفته إزاء كربلاء.
وتحرّج النظام الأموي الذي لم يقدر فظاعة المأساة ، وكان عليه أن يجابه نتائجها السريعة والمستقبلية التي أخذت تنعكس منذ ذلك الحين على بنية هذا النظام.
كانت مأساة كربلاء لا تزال ماثلة في أذهان أهل الكوفة بالذات ، وكان كثير منهم يشعرون بالندم ، ويعتبرون أنفسهم مسؤولين عن دم الإمام الحسين عليهالسلام وآل بيته وأنصاره ، وباتوا يتطلّعون إلى الأخذ بثاره ، فأخذوا يبحثون عن زعيم يقودهم لتحقيق هذا الغرض.
انضمام الكثير إلى حركة التوابين التي قادها سليمان بن صرد الخزاعي (2) ، وأربعة من كبار زعماء الكوفة ، وهم : المسيب بن نجبة (3) الفزاري ، وعبد اللّه ابن سعد بن نفل الأزدي ، وعبد اللّه بن وائل التميمي ، ورفاعة بن شدّاد البجلي ، الذين هيَّأوا مستلزمات الثورة من جمع الأسلحة واستمالة الناس ، كما واتفقوا على أن يعقدوا لقاءات دورية لتقويم النشاطات التي قاموا بها ،
والانجازات التي حققوها ، ومن ثم لتحديد موعد للخروج وإعلان الثورة ، واستقرّ رأيهم على أن يكون التجمع في النخيلة (1) ، في نهاية ربيع الآخر من سنة 65 للهجرة (2) ومن هنا فإنّنا نعتقد أن سبب اجتماع هذه النخبة يعود إلى :
1 ـ الشعور بهول المأساة ، وفداحة الإثم.
2 ـ الإسراع باتخاذ موقف انتقامي من المسؤولين عن مقتل الإمام الحسين عليهالسلام ، سواء الأمويين ، أم المتواطئين معهم.
3 ـ الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.
4 ـ إنقاذ الأمة الإسلامية من جور وطغيان الأمويين اللامتناهي.
5 ـ فضح بني أمية وإظهارهم على حقيقتهم الظالمة وكما هو حالهم حيث تمسّكهم بالحكم والكرسي ، وهذا معناه أنهم لا يعترفون بدين ، ولا بشريعة ، وأنهم على استعداد تام أن يفعلوا أي منكر وقبيح ما داموا لا يعترفون بجنّة ولا بنار.
6 ـ تحريك عواطف المسلمين من أجل تكوين حركات كفاحية أُخرى ضد جبروت المملكة الأموية ، لأنّ التصميم على الكفاح ينتج عنه ضرورة التغيير.
وفعلاً اندفع التوابون من مواقعهم بقيادة سليمان بن صرد ، والتحموا مع قوات الحصين بن نمير السكوني ، والأموية التي تفوقهم كثيرا في العدد ، وذلك في يوم الأربعاء في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة 65 هـ (4 كانون الثاني 685م) بعد خمسة أيام من نزولهم في (عين الوردة) (1).
ويظهر من سير الاشتباكات الأولية ، أن وضع (التوابين) ، ـ برغم قلّتهم العددية ـ كان جيدا ، ومعنوياتهم بارتفاع دائم ، أما الحماس فقد بلغ حدّا لا يوصف ، وكانت تستثيره نداءات سليمان في صخب المعركة فتزيده التهابا وتأجّجا : «يا شيعة آل محمد ، يا من يطلبون بدم الشهيد ابن فاطمة ، أبشروا بكرامة اللّه عزّوجلّ ، فواللّه ما بينكم ودخول الجنّة ، والراحة من هذه الدنيا إلاّ فراق الأنفس ، والتوبة ، والوفاء بالعهد) ، وفي وسط المعمعة كان صوت سليمان يخترق الأذان مردّدا : «عباد اللّه ، من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه ، والوفاء بعهده فإليّ» (2).
وكانت هذه الكلمات آخر ما ردّده القائد التوّابي وهو يشقّ بسيفه صفوف الأمويين بكلّ جرأة ، ورباطة جأش.
وانتهت معركة عين الوردة بقتل سليمان بن صرد ومعظم أصحابه (3).وهكذا أخفقت ثورة التوابين في تحقيق أهدافها وتحطّمت قوتها الأساسية في (عين الوردة) للأسباب التالية :
1 ـ الاختلال الظاهر في ميزان القوى بين الجيش الأموي والتوابي ، حيث كان عدد أفراد الجيش التوابي ، أربعة آلاف ، أو أقل. في حين تجاوز تعداد الجيش الأموي العشرين ألفا (1) وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن الجيش الأموي بلغ الستين ألفا (2).
هذا مع عدم وفاء بعض القبائل العربية بعهودها لقاء الثورة بسبب الضغوط الأموية أو بسبب رشوتهم. حيث قيل أن عدد متطوعي ثورة التوابين ارتفع إلى نحو عشرين ألفا ، قبل الشروع في المعركة ، في حين أن الذين اشتركوا مشاركة فعلية في تلك المعركة قدر عددهم بأربعة آلاف ، أو أقل بكثير.
2 ـ عدم قضاء الثوار على زعماء الكوفة ، والموالين للأمويين والذين قد شاركوا مشاركة فعلية في قتل الإمام الحسين عليهالسلام وأهل بيته وأنصاره ، أولئك الزعماء ، باتوا يعملون المستحيل للحيلولة دون التحاق المزيد من الثوار بحركة سليمان بن صرد.
3 ـ عدم تعاون الثوار مع ابن الزبير والذي كان يسعى هو الآخر للإطاحة بالأمويين أيضا. إذ كان من الممكن أن يمدّهم بشيء من أسباب الانتصار كما انهم لم يتحالفوا مع المختار ، كما يقتضي الحال بوحدة هدفهم (الأخذ بثار الإمام الحسين) ، والحق أننا لم نقف على سبب يحول دون تحقيق ذلك التحالف ، وبإمكاننا أن نعلّل ذلك بتأثير جماعة سليمان بما روّجه الأمويون
من كون المختار كان يهدف إلى الوصول للسلطة.
4 ـ كان الإعلام للثورة ضعيفا جدا ، إذ انحصر موطنه في الكوفة وأطرافها ، ولم يتعدَّ هذه الحدود ، ولو كان قد امتدّ إلى ما وراء تلك الحدود لجذب أنصارا آخرين لصفوف الثورة.
5 ـ عدم اهتمام الثوار بالقاعدة ، فلو سيطر سليمان على الكوفة سيطرة كاملة لكانت فرص النجاح بالنسبة إليه أكثر ، لكنه فكر في رأس عبيد اللّه وجعله الهدف الأساسي لثورته.
6 ـ كان يفترض بسليمان أن يحارب الانحراف السائد في مجتمعه ، وبالتالي أن يهيء المجتمع للقيام بالثورة. وبمعنى أدقّ كان عليه أن يحارب من أجل الأهداف التي خرج بسببها الإمام الحسين عليهالسلام.
7 ـ لم يعتمد سليمان على الموالي المعروفين بحبّهم وولائهم لآل البيت إذ كانوا يشكّلون الأكثرية المسحوقة ، والمحرومة ، والمستضعفة في الكوفة قاعدة الثورة ، كما فعل المختار في ثورته.
المصدر: الثآئر من اجل الحسين عليه السلام المختار الثقفي
المؤلف : عباس غيلان الفياض