عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-25-2021, 04:31 PM
بثينه عبد الحميد بثينه عبد الحميد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 87
افتراضي آثار حركة الإمام الحسين (ع ) لسماحة الشيخ عبدالمحسن النمر - الدرس االرابع

الدرس الرابع
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك لعن أمة قتلتكم ولعن الله أمة ظلمتكم.

نشرع في الإشارة إلى فائدة، وركيزة ثقافية نستلهمها من حركة الإمام الحسين عليه السلام، أو نجعل أحداث كربلاء مثالًا واقعيًا لتثبيت هذا المبدأ الإسلامي، لا بأس بالتمهيد قبل الدخول في هذه الفائدة.
معنى الثقافة والآثار المترتبة عنها:
نتعرف بداية المعنى المقصود من الثقافة، والآثار المترتبة عنها، وعلاقة أنواع معارفنا الثقافية بعضها ببعض.
الثقافة: هي المعارف التي يكتسبها الإنسان وتترك أثرًا في سلوكه وحالته المعنوية، وبهذا يتضح لنا أن مجموعة ما يكتسبه الإنسان بأي نحو من الأنحاء، فمنذ نشأته في عالم الدنيا يأخذ باكتساب أنواع مختلفة ومن مصادر مختلفة معنوية وحسية كمصادر السمع والبصر، وكلها تتراكم على النفس وتترك أثرًا معنويًا فيها، وبالتالي تترك أثرًا سلوكيًا، المعارف التي تنشأ مع الطفل ثم تتنامى بمجموعها تسمى ثقافة، وكل أثر علمي ومعرفي يكتسبه الإنسان ويترك في نفسه أثرا معنويًا، إحساسًا، رغبة، محبة، بغضًا، ألما، سعادةً ويترتب عنها سلوك، هذه هي الثقافة، وبهذا المعارف التي يتحصل عليها الإنسان وليس لها تأثير في جانبه المعنوي أو شخصيته أو إنسانيته أو حقيقته أو سلوكه تخرج عن كونها ثقافة، وإنما تسمى معلومات غير مثمرة وغير مفيدة، والأمثلة على هذا كثير، وللأسف الشديد هناك من يسوّق ويبيعنا هذه المعلومات الغير مفيدة على
أنها جزء من الثقافة التي يحتاجها الإنسان.
ولا بأس من الإشارة إلى نقطتين أساسيتين حول الثقافة، وحول حقيقة الإنسان المثقف أو غير المثقف:
أولا :حقيقة الثقافة ليست مجموعًا كميًا، بمعنى هي ليست تراكم جمعي للمعلومات والمعارف، فإذا تأملنا نجد أن بعض المعارف لها أثر معنوي، وبعضها ليس له أثر، بعضها له تأثير في تكوين الإنسان وبعضها ليس له أثر في ذلك، وبعضها له مردودات سلوكية ومهارات اكتسابية، وبعضها ليس له ذلك، فكثرة عدد المعارف بحد ذاته لا تكون ثقافة، وإنما ما كان له أثر معنوي وتطبيق سلوكي هو الذي يستحق أن يوزن بميزان الثقافة ويقال عنه ثقافة، فكم من الآلآف المؤلفة من المعلومات التي يقضي الإنسان وقته وجهده في تحصيلها ولا تكّون ثقافة حقيقية، وكم من معلومةٍ أومعرفةٍ أو إدراكٍ توصل إليه الإنسان وهو قليل في مجموعه العددي، ولكن بعده المعنوي والروحي يكون كثيرًا وثمينًا؛ وذلك لما تركته هذه المعرفة من أثر معنوي وسلوكي، فالثقافة لا تقاس بالكم والعدد وإنما بميزانها وتأثيرها في شخصية الإنسان، أي في آثارها المعنوية عليه ومقدار ما تحمل له من سلوك، وبهذا المقياس فإن المعارف التي نكتسبها ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ثقافة نافعة باعتبار أثرها المعنوي الإيجابي على الإنسان، وأثرها السلوكي في تحسين وتطوير قدرات الإنسان وأخلاقه وعمله.
النوع الثاني: المعرفة التي لها آثار سلبية، أي تأثيرها الروحي والمعنوي على الإنسان سلبي، وهذه ثقافة سلبية، تأخذ بيد الإنسان إلى السقوط والانهيار.
النوع الثالث: المعارف التي لا تزيد في شخصية الإنسان ولا جانبه المعنوي، ولا تؤثر على سلوكه، وهي معارف هامشية، ومن باب المثال يذكر أن أحد كبار الصحابة له باع واسع ومعرفة بعلم الأنساب وقد تخصص بمعرفة كل قبيلة وأفخاذها وأسمائها وفروعها، وحينما يُسئل عن آية في القرآن الكريم يقول أنا لا أعرفها، مع أنه تسلم القيادة في العالم الإسلامي، ولكن نوع الثقافة التي يمتلكها هذا الصحابي لا قيمة لها، ومع الأسف الشديد نحن مبتلون بهذا النوع من المعارف التي لا يصح تسميتها بالثقافة، لأنه لا قيمة لها من الجانب الثقافي، وفي الواقع الخارجي يحفظ البعض أسماء شخصيات نجوم الفن والرياضة، وتراهم يجمعون من هذا النوع من المعرفة ما يشحن صدورهم وعقولهم ومشاعرهم ولكن أي قيمة وأي ثمن لذلك، بينما يقول أمير المؤمنينعليه السلام : (علمني رسول الله ألف باب، يفتح لي من كل باب ألف باب)
دعنا من الألف باب الأولى عرفنا أنها كثيرة، لكن الألف باب الثانية التي لعلي عليه السلام كل منها هو يولد لعلي عليه السلام ألف باب، وربما ألف باب هي إشارة إلى ما يستوعبه العقل الطبيعي من الأعداد، وكل معلومة من المعلومات تفتح أبوابًا من المعارف الروحية والآثار وهذه هي التي تسمى حقيقة ثقافة، أما معرفة أسعار السلع وما يستجد في الأسواق وغيرها، هذه لا يمكن أن تسمى ثقافة، وليختر لها اسمًا كل حسب ما يناسبه ويقدره.
ثانيًا: إن هذه الثقافات والمعارف المتعددة التي نمتلكها ليست في مرتبة واحدة، بل إن لبعضها سلطة وحاكمية على المعارف الأخرى، بعضها معارف حاكمة وبعضها تابعة، بعضها معارف متسلطة ولها قيمومة وبعضها عليها قيمومة.
الفوارق في العلاقة بين المعارف الحاكمة والمعارف المحكومة:
1. الثقافة الحاكمة في داخلنا تتولى اتخاذ القرارات الأساسية في حياتنا، حينما يحدد الإنسان له اتجاه أساسيًا في الجانب العقائدي أو السلوكي فهو يعتمد على هذا النوع من الثقافة الحاكمة ذات الرتبة العالية.
وحينما نريد معرفة الثقافة الحاكمة على إنسان ما، لننظر حينما يتخذ قرارات أساسية في حياته، وحينما يرسم المخطط الأساسي في حياته، الثقافة التي يعتمد عليها تكون هي الثقافة الأساسية والحاكمة في نفسه.
2. الثقافة الحاكمة دائمة وثابتة في نفس الإنسان، أما المحكومة فهي ثقافة مؤقتة زائلة تسكن في عقله وفكره ولها أثر معنوي ولكن يقبل الزوال، ويقبل التغلب عليه والتخلص منه.
3. وهو في غاية الأهمية، وهو أنه في نقاط التقاطع بين ثقافتين يملكهما الإنسان، ولكل منها أثر معنوي وسلوكي عليه، فإذا تداخلت مقتضيات هاتين الثقافتين، فالثقافة المقدمة هي التي تمحو وتزيل آثار الثانية، وهذا هو معنى الحاكمية، الثقافة الحاكمة في نفس الإنسان كلما واجهها معارض ثقافي حكمت حاكميتها على الثقافة الثانية.
قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ" سورة آل عمران: 135 الإنسان في داخله لا يخلو من أثر للثقافات الضارة، "أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ" المقصود أنه قد يقدم الإنسان على مواقف وأعمال غير نافعة في مقام سلوكه وسيره إلى الله، فيختلط سلوكه ولو بدرجات مختلفة ومتفاوتة بآثار معارف وثقافات غير سليمة في داخله، وحينما تبدأ معرفة غير سليمة وغير صحيحة في التفاعل تظهر آثارها المعنوية والسلوكية على النفس، فإذا كانت لدى الإنسان ثقافة صحيحة وحاكمة على نفسه فإنها تتغلب وتحكم "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ" الآية الكريمة جعلت ذكر الله هي الثقافة الحاكمة والمسيطرة على نفس الإنسان المؤمن في نقاط التقاطع بين الثقافات التي توجد داخل الإنسان.
هاتان النقطتان الأولى وهي أن الثقافة إنما تقاس بآثارها وتأثيرها السلوكي والمعنوي في الإنسان والثانية أن الثقافة فيها حاكم ومحكوم، هاتان النقطتان أساسيتان إذا التفتنا إليهما تبدأ الصورة التي نفسر وندرك بها الأحداث والتي نعرف بها داخلنا تتجلى وتتضح لنا، لاحظوا كيف يبين لنا الإمام الحسين عليه السلام الحقائق في هذا المجال "النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ" بحار الأنوار الإمام الحسينعليه السلام يشير إلى أن هذه الأمة قبلت الرسالة، واعترفت بالإسلام والتوحيد والنبوة ولم ترفض شيئًا من مبادئ الدين، بمعنى أنها لم تقف أمام أصل الرسالة؛ ولهذا يقول يحوطون الدين أي يعتنون به ويتمسكون به وله عندهم قيمة ما درت معائشهم، مادام هذا الدين لم يصطدم ولم يتعارض مع ثقافاتهم الثانية.
نتعرف على مصادر الثقافة الآخرى في الأمة الإسلامية وإذا تعارض هذان النحويين من الثقافة أيهما المقدم والحاكم، ويبين لنا الإمام الحسين عليه السلام القضاء الذي قضت به الأمة، وأي جانب اختارت.
الأمة الإسلامية منذ بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سنة 60 -61 هجرية، التي وقعت فيها الأحداث كان عندها أرث ثقافي وثقافة مكتسبة.
المصادر الثقافية لدى الأمة الإسلامية في زمان الإمام الحسينعليه السلام:
الأول: ما ورثوه وما بني عليهم نظامهم المعيشي والقبلي في زمان الجاهلية قبل البعثة، ولا نريد الخوض في تفصيل القيم والمبادئ التي وجدت في الجاهلية، لكن يكفي دلالة أسمها على أسسها ،الجاهلية بمعنى أنها لم تنشأ نشأة سليمة صحيحة، وإنما كان مصدر هذه المبادئ هي المعارف القبلية التي توارثوها، والتربية القبلية التي يختزنونها، وإذا أردنا أن نشير بشيء من الاختصار لقلنا أن ثلاثة أمور هي غالبة وذات تأثير قوي في النشأة الجاهلية في هذا المصدر.
الجانب الأول: القبلية ولاشك أن تكوين القبلية كان تكوينًا قويًا ومهيمنًا، لم يعمل الإسلام عمله التام في تحويل الولاء والعداوة والمحبة إلى أخوة إسلامية، وإنما بقي الولاء الثقافي للقبيلة، وكمثال على المسألة قبيلة الأزد التي كان على رأسها هانئ ابن عروة الذي كان مواليًا لأهل البيت ويحبهم ،فحينما كان هانئ على رأس تلك القبيلة كان يتخذ قراراته في الدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام وتهيئة الأجواء لنصرته عليه السلام، وحينما جاء مسلم ابن عقيل في الكوفة وجد من هانئ كل الترحيب والتأييد، ولستجابت قبيلة الأزد لمسلم واندمجت مع دعوة الإمام الحسين عليه السلام، ولكن حينما قبض عبيدالله ابن زياد على هانئ وأسره، تولى أمور قبيلة الأزد عمر ابن الحجاج والذي كان أموي الهوى، ذا نفسية خبيثة وطماعة محبا للدنيا، فتخاذل الأزد في نصرة مسلم، بل إن موقفهم كان متخاذلًا في نصرة هانئ ابن عروة نفسه، حتى أن سائر المؤرخين يستغربون كيف أن قبيلة الأزد لم تدافع عن هانئ فضلا عن نصرة مسلم، عمرو ابن الحجاج أتخذ أسوء المواقف في حرب الإمام الحسين عليه السلام، ربما لو تتبعتم أحداث ما قبل يوم العاشر إلى يوم العاشر لوجدتم أن ذكر عمرو بن الحجاج يتكرر في كل موارد القسوة والتحريض على قتال الإمام الحسين عليه السلام ومنعه من الماء الذي كان هو حق لكل الموجودات، فقد كان عمرو بن الحجاج هو الذي أقام على طرف النهر لمنع الحسينعليه السلام من الماء، تأملوا موقف القبيلة، كانوا أنصارًا لمسلم ابن عقيل والحسينعليه السلام مع رئاسة هانئ للقبيلة، وأصبحوا حاملين للسيف في وجه الحسين عليه السلام مع رئاسة عمر بن الحجاج، هذا دلالة على قوة التربية القبلية التي كانت تعتمد على أن القبيلة وحدة واحدة تسير خلف زعيمها، وآثار هذه المسألة في غاية القوة، منذ يوم السقيفة والمسألة تدار بواسطة القوة والولاء القبلي.
الجانب الثاني: المنهج الجاهلي والذي بقيت آثاره قوية في طاعة القوي واتباعه، فكان من يتولى الحكم ويستولي عليه تنصاع النفوس له، وتنحى جوانب معرفتها القرآنية والروحية والمعنوية جانبًا أمام اتباع القوي الغالب.
الجانب الثالث: أن الوضع القبلي كان يعيش على نهج السلب والدخول في الحروب للاستيلاء على الغنائم، وهذا بحث طويل وربما لا نجد مشهدًا واحدًا في تاريخ الإسلام وقف أمام هذا الأسلوب القبلي كما وقف علي عليه السلام؛ لأنه بعد معركة الجمل لم يكن أحد يتصور أنه لن يكون هناك سلب، فهو أمر لا ينفك عن القتل والقتال في تلك العهود، الغالب يستولي على كل شيء، والمعركة الوحيدة التي لم ينهب فيها الغالب ولم يسلب ما لدى المغلوب كانت معركة الجمل، يقول بعض المؤرخين والمحللين غير المتدينين أن مشكلة علي عليه السلام هو أنه جعل مبدأه أمام المبدأ والمنهج الجاهلي المتوارث.
المصدر الثاني: منشأه القرآن والإسلام، لكن هذا المصدر قد عمل عمله في تحريف أسس العقيدة الإسلامية والمبادئ التي أنطلق منها الإسلام، ولا نريد الخوض في هذا الجانب لأنه طويل ومتشعب، لكن فقط نشير إلى جانب واحد وهو أن الخليفة الأول والثاني منعا نقل أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتدوينها، وانتشر بين الناس أن الدين والتدين هو حفظ القرآن، ولهذا نجد طبقة كبيرة من الناس تفرغت لحفظ القرآن وتعليمه، بينما لا نجد من يتولى تعليم الناس وتعريفهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، القرآن يعطي أحكامًا عامة، أما معاني تلك الأحكام يحتاج لمن يفهم الرسالة ومعانيها، لمن استوعب أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك ليشرح تلك المعاني القرآنية، كتمت تلك المعارف والمعاني وأبعدت، ولهذا لا عجب أن تكون أسوء فئة ذات انغلاق فكري ومشوه هم حفّاظ القرآن، فكان أسوء فكر وثقافة إسلامية وجدت في تلك الأزمنة من طبقة حفاظ القرآن الكريم، الذين كانوا يحفظون القرآن ويعلمونه ويتزمتون في ذلك، وينالون بذلك مظهر التدين ومنصب الشرف، ولكن كانوا ذو خواء وانحدار ثقافي وأصحاب ثقافة جامدة متعصبة، انتهى بهم الأمر ليكونوا الخوارج، أصل الخوارج وانطلاقتهم الحفاظ الذين كانوا يعلمون الناس تلاوة القرآن، لأنه لما مُنعت عنهم ثقافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحجبت عنهم تعاليمه، أنتهي بهم الأمر ليكونوا فئة الخوارج، هذه الظاهرة من أسوء الظواهر، ومتى بلغت الاضطرابات الثقافية أسوء مراحلها في الأمة وُجِد الخوارج؛ لأنهم ينشأون في مراحل التضارب الفكري.
المصدر الثالث: الثقافة الدينية المطهرة الصحيحة التي وعت القرآن، وأدركت أبعاده، وفهمت معنى الرسالة الإسلامية؛ فلم تحفظ القرآن بدون وعي، وإنما فهمت ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما أراده من تلك الأمة.
هذه المصادر الثقافية الثلاثة أصبحت في حالة من التصارع في نفوس الأمة، فأيها كان هو الجانب الغالب وأيها المغلوب،
الجواب أن الثقافة الإسلامية أصبحت أسيرة، الغالبية العظمى لثقافة الأمة الإسلامية كانت أسيرة للمصدر الأول والثاني من مصادر الثقافة، ولم يتح للعارفين الواعين أن ينشروا معارف الإسلام على نحو يصبح هو القوي والمهيمن، بل إن آثار هيمنة الروح القبلية والروح الإسلامية المنحرفة كانت جلية واضحة، ولا نكاد نرى إدراك وغلبة روح الثقافة الإسلامية التامة إلا في أفراد معدودين، ولهذا نجد الإمام الحسين عليه السلام في يوم كربلاء أراد إعادة ترتيب الوضع الثقافي في نفوس هؤلاء، ويعلمهم ويعلم الأجيال بعدهم، أنه سوف تحتاجون إلى أنواع متعددة من المعارف والثقافة لكن ضعوا ترتيبًا لها، بحيث تكون ثقافتكم الدينية السليمة الصحيحة هي الثقافة المهيمنة، نحن اليوم بلا شك نعيش في بحور لأنواع من المعارف التي نحتاج إلى التعامل معها، لكن قبل ذلك نحتاج أن نضع تخزينًا وتصنيفًا مناسبًا لهذه المعارف في داخلنا، فنضع كل معرفة في محلها المناسب والصحيح، الإمام الحسين عليه السلام حينما خرج عليهم قال: (انسبوني من أنا ثم أرجعوا إلى أنفسكم فانظروا هل يحل لكم قتلي ألست أبن بنت نبيكم) أراد إعادة ترتيب المعنى الثقافي والروح الثقافية التي تهيمن على أنفسهم ( أليس أمير المؤمنين أبي، هل يوجد ابن بنت نبي غيري ) أعاد لهمعليه السلام مبادئ الإسلام الأساسية التي يعتمد عليها، الإسلام جاء لبناء نهج ثقافي يبتني على موالاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل الحق، ولكن حين نسيت وهجرت هذه المعاني وهذه الثقافة أمام ثقافة الجاهلية والفكر الإسلامي المنحرف، فتخلوا عن موالاة أهل البيت والحق، ونحن اليوم في زماننا نحتاج أن نجعل من ثقافة واقعة كربلاء المنطلق الأساسي لشخصيتنا، نحن نتعامل مع أنواع من المعارف والتعاملات المختلفة مع أجناس مختلفة من الناس، وإن شاء الله سنتعرض لمعاني الانفتاح، ولكن يفترض فينا أن نكون قد تربينا تحت ظلال معاني كربلاء، ولثقافة كربلاء مبادئ وهي:
أولا: عدم الانغماس في الدنيا التي لا قيمة لها، ولو كان لها قيمة لم يكن يزيد هو الحاكم فيها، والإمام الحسين عليه السلام هو المطارد.
ثانيا: رفض الظلم بجميع أنواعه وأبعاده.
ثالثا: الاستعداد والتضحية.
هذه الثقافة الكربلائية لا بد أن ننطلق منها في حياتنا، فتكون هي المهيمنة علينا، أينما ذهبنا وإلى أي جهة توجهنا، وفي أي مجال من مجالات الحياة التي نحتك بها، ونحتاج إليها ونتعامل بها، لتكون ثقافة كربلاء هي الثقافة الحاكمة على حياتنا، ولتكون هي الثقافة المهيمنة على الثقافات التي نعيشها في حياتنا.
والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس