عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-22-2021, 09:47 PM
بثينه عبد الحميد بثينه عبد الحميد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 87
افتراضي آثار حركة الإمام الحسين (ع لسماحة الشيخ عبدالمحسن النمر - الدرس الثاني

الدرس الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره السلام عليك يا أبا عبد الله.
الدرس الماضي كان لتهيئة الجانب التفكري للبحث حول أحد أبعاد واقعة كربلاء، وربما تحفيز للعقل والقلب للنظر في هذا البعد، وإلاّ فإننا بلا شك لم نعط المسألة حقها، فقط أشرنا إلى أن إبراهيم عليه السلام في ذبحه لابنه كانت هناك حالة ربانية عبادية بينه وبين الله عز وجل، وهذه القصة القرآنية لإبراهيم عليه السلامخلاف سائر القصص الإبراهيمية لا تعود إلى دور إبراهيم الاجتماعي والدعوة إلى الله عز وجل، بل قصة اختصت بين إبراهيم وربه، وربما كانت هي سبب للخلة، ذكرنا الآية القرآنية التي نستفيد منها أن منشأ خلة إبراهيم عليه السلام وبلوغه هذا المقام هو تسليمه لله عز وجل في إقدامه على ذبح ابنه، وهذه الواقعة بلغ بهاإبراهيم مقام الكمال الإبراهيمي، لكنها لم تتم على نحو كمالها المطلق إلاّ على يد الإمام الحسين عليه السلام، إبراهيم عليه السلام علم وأقدم، ولكن الإمام الحسين عليه السلام قام بقتل أبناءه بل بتقديم نفسه بين يدي الله عز وجل.
النقطة التي أريد الإشارة لها أن هذا البعد الرباني هو الأساس والمنطلق، والأبعاد الثانية تجليات، بمعنى أن ما جرى على رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وبالخصوص الإمام الحسين عليه السلام لو أردنا استعمال لهجة زماننا لقلنا إنه أمر متفق عليه سابقاً، وبه استكمل الإمام الحسين عليه السلام كماله،نعم الأبعاد الأخرى الإصلاحية والاجتماعية وإحياء الدين أبعاد حقيقية أيضاً لحركة الإمام الحسين عليه السلام ولكنها تنُطوي تحت ذلك البعد، وهذه مسألة في غاية الدقة إن شاء الله لنا عودة إليها في الدرس الأخير، وسنرى أن قصص إبراهيم عليه السلام تعيننا في فهم الدور الحسيني.
في هذا الدرس نشير إلى بعد آخر من أبعاد واقعة كربلاء، ويجب أن نتحرك لفهمه، فنحن جميعاً في حاجةلإدراكه، فهو يؤسس لمبادئ فكر إسلامي صلب متماسك.
لا بأس من الإشارة إلى مقدمة تاريخية للحديث حول الخريطة التاريخية الزمانية وكيفية تسلسل حركة الفكر الإسلامي من بداية الدعوة الإسلامية إلى زمان حركة الحسين عليه السلام على نحو الاقتضاب الشديد.
رسول الله صلى الله عليه وآله زرع بذرة الإسلام والفكر الإسلامي، وسعى لإحياء أمة مفكرة واعية ومدركة، والقرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله كلها تصب في هذا الموضوع.

الشهيد الصدر يقول بما معناه: إذا استثنينا القرآن الكريم نجد أن الرسول صلى الله عليه وآله جاء بمعاجز كثيرة نقلها المؤرخون من حديث الحصاة بين يديه إلى حركة الشجرة إلى آخر معاجزه، لكن قضية بناءً فكري متكامل يحيط بالإنسان من جميع جوانبه ويكون كالشجرة الثابتة التي تمتد وتنطلق من منبع واحد في غاية الأهمية والاعجاز، الثقافة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله لا تشكل حركة جامدة في تسلسل الفكر الإنساني فقد جاء بمجموعة من المعارف لا تسمح بانضمام معارف أخرى لها، رسول الله صلى الله عليه وآله طرح الأسس والمنطلقات ثم دعا الأمة وحركها نحو تعبئة تلك الأسس والاستمرار فيها، ولو أن مشيئة الله اقتضت أن ترى عليا عليه السلام على رأس العالم الإسلامي لكان الإنسان غير الإنسان والواقع غير الواقع، ولا نقصد وصول الإنسان إلى الكمال المادي فقط، وإنما ربما بلغ الإنسان مراحل التكامل الحقيقي.
على كل حال توفي الرسول صلى الله عليه وآله فما هي المرحلة الأولى؟ تلك البذرة والنُظم الثقافية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله ماذا جرى عليها ؟
في عهد الخليفة الأول والثاني نلاحظ ثلاثة نقاط:
1- إنهما تمسكا بظاهر الإسلام و النسك والزهد والعدل الظاهري في التقسيم وأداء الصلوات، وهذا من جهة حافظ على شيء من ظاهر الإسلام، لكن من جهة أخرى كان هو أدهى وأمر ما أصاب الإسلام، لأنهما بهذا الطرح إذا ضممنا إليه ما يليه من النقاط لوجدنا إنهما شعبا في الإسلام طريق الفكر الإسلامي فصار يتحرك إلى جهة أخرى. وهذا من الأمور المعروفة والمسلمة تاريخياً.
2_ إنهما زويا الأمر عن أهل البيت عليهم السلام، وعملا على إبعادهم بكل وسيلة وطريقة.
علي عليه السلام الشخصية الثانية في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ما من معركة إلا ولواؤها عنده وما من إقدام إلا وعلي إلى جانبه ما من مدح إلا وعلي على رأسه وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله أبعد علي عليه السلام تماما عن الساحة الإسلامية، لاحظوا الأمة الإسلامية في زمان الرسول صلى الله عليه وآلهكان عدد الداخلين في الإسلام يشكل عددا قليلا جدا، معظم المسلمين تعرفوا على الإسلام في السنة الثامنة والتاسعة والعاشرة في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وآله ثم جاء الفتح الإسلامي وانتشر الإسلام ولم يكن لعلي ذكر أو دور أبدا.
3_ لم يكونا – الخليفة الأول والثاني - من أهل النظر والفكر، وهذا باعترافهما حينما يسئل الأول عن الآيات القرآنية يصرح ( لو أن هذه انطبقت على هذه أهون علي من أن أقول في كتاب الله مالا أعرف)، وكذلك سنة الرسول ولم يكن لهما توجه ثقافي أو طرح علمي والشواهد كثيرة على أن فهمهم للإسلام كان سطحيًا وفي أقل الدرجات.
الخليفة الثاني كان يخطئ في قضايا كثيرة من قضية إرث الجدة إلى مهر المرأة إلى قضية متعة الزواج وغيرها، مضت الخلافتين بهذه المواصفات، وجاءت الثالثة التي هي انسجاماً لحركة الأولى والثانية، بمعنى أن ما مر به الإسلام في زمان الأول يشير تماما إلى المرحلة القادمة وهي مرحلة الخليفة الثاني، والثانية تشير إلى الثالثة، كانت هناك حركة انسجام وانسياب من أبي بكر إلى عمر ومن ثم عثمان، ولا أحد ينكر أن أبا بكر عين عمر بنفسه، ولا ينكر أحد أن عمر عين عثمان، لأن التشكيله التي عينها كانت تؤدي إلى عثمان حتما، حتى قبل وفاته ذهب ابن عباس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لا تدخل مع هؤلاء الجماعة؛ لأن هؤلاء نتيجة اختيارهم واضحة فعمر اختارهم بطريقة تؤدي إلى عثمان، الغرض من هذا الكلام هو أن الحركة كانت منسجمة بصورة تلتئم مع بعضها البعض، في عهد عثمان استكمل الانحدار الفكري في العالم الإسلامي وظهرت أمور كثيرة وتصرفات تتعارض مع مبادئ الإسلام وقيمه، أخذ عثمان أولا يتصرف في بيت مال المسلمين ويعطي أبناء عمه وأعمامه بير وجه حق، وعلى سبيل المثال الحكم بن أبي العاص الذي كان طريد الرسول صلى الله عليه وآله، فقد كان إذا مر الرسول صلى الله عليه وآله صار يقلد مشيته ويسخر منه، وكان يتسلق حيطان بيوت النبي صلى الله عليه وآله وكل هذا بعد دخوله في الإسلام بعد فتح مكة، ونفاه الرسول صلى الله عليه وآله وقال له: ( لا تساكنِّي في المدينة) وبقي منفيا في عهد الأول والثاني ولما جاء عثمان أرجعه بل وسلطه على كثير من إدارة شؤون المدينة ووهبه من الأموال الكثير، ثم جاء ابن عمه مروان بن الحكم الذي اصبح المدير الحقيقي في عهد عثمان وزوجه ابنته وأعطاه خُمس صدقات إفريقيا التي كانت تعد بألفي ألف، وأعطى الحارث ابن الحكم وعبد الله بن خالد ابن أسيد وسعيد بن العاص من بني أمية، وعين الوليد بن عقبة أخوه من أمه والياً مع أنه كان معروف بفسقه وشربه للخمر حتى أنه ذات يوم كان كعادته يشرب الخمر في الليل مع غلمانه ومغنيه ثم جاءت صلاة الفجر وصلاها جماعة أربع ركعات، وقال لو أردتم أن أزيدكم فدخلوا عليه وأخذوا خاتمه، وشاع الخبر إلى آخر القضية حتى أقيم عليه الحد بإقدام من أمير المؤمنين عليه السلام، نعم اضطربت الأمور في عهد عثمان وانتهت إلى خروج الناس عليه.
في المرحلة الرابعة جاء علي عليه السلام، لكن ورود علي عليه السلام كان أمراً على عكس التيار، الحركة التي جاءت من الخليفة الأول ثم الثاني ثم الثالث كانت تشير بشكل تلقائي إلى خلافة بني أمية، جاء علياعليه السلام كموقف شاذ وحركة غير منسجمة، عانى ما عانى سلام الله عليه ولكن في فترة خلافته طرحت بعض المسائل والجوانب الثقافية، فقد كان هناك التفات إلى معاني التوحيد واستمع إلى خطبه الكثير،والتفت إليها كثير من الأشخاص، فبُذرت بذرة روحية وثقافية، ولو أن المشيئة الإلهية اقتضت والظروف سمحت ودام حكم علي عليه السلام كما حكم عمر أو عثمان لكان الأمر غير الأمر لأن علي عليه السلام في تلك الفترة الزمانية القصيرة أعاد للفكر الإسلامي حركته.
المرحلة الخامسة: مرحلة معاوية، بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام اتجهت الأمة إلى معاوية وخلافته،وإذا طالعنا التاريخ وجدنا أنه أدهى وأمكر وأسوء وأشد على الإسلام من كل السابقين، لولا أنه كان لهم السبق في الأمر لكان له السبق، فما تبقى للإسلام من قيم ومبادئ ومعرفة قضى عليها معاوية، سلط فسقته وفجاره سفاكا على رقاب المسلمين، سلط زياد بن أبيه الذي اعتمد أسلوب القسوة والإخافة والإرهاب، وسلط سمرة بن جندب وبسر بن أرطأة على رقاب الناس، وبالخصوص قضى على كل من كان بينه وبين علي علاقة أو تأيد أو محبة، وأراد معاوية أن يمحو الإسلام بمحوه لعلي عليه السلام حينما يسب عليا في صلاة كل جمعة، فالسب لا يطيح بعلي وإنما بالإسلام نفسه، واجه معاوية الإسلام صراحة، فعندما أراد أن يستلحق زياد بن أبيه الذي كان ينسب لعبيد، كان هذا الموقف مواجهة علنية لشريعة الرسول، فرق بين إنسان يذنب ذنبًا وبين من يقول أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله ليس هو الحق، الرسول قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وهذا قانون إسلامي يعمل به، وخالفه معاوية مخالفة صريحة للإسلام، وآخر خطوات معاوية أنه استخلف أبنه يزيد وأجبر المسلمين على المبايعة.
الآن إذا نظرنا إلى هذه الحركة وأردنا أن نرسم التحرك في المجتمع الإسلامي وكيفية استقبال المجتمع الإسلامي له، لأمكننا القول أنه في سنة 60 للهجرة أي بعد الهجرة بـ 60 سنة وبعد وفاته (ص) بـ 50 سنة كان الإسلام يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم يبق لدى للمسلمين شيء، وهذا ليس بغريب فالكثير من الأديان جاءت وبعد فتره زمنية تم الإلقاء بمادتها وأصولها وجذورها في مراصد التاريخ وكتبه، الإسلام كاد أن يلحق بها، لولا الحسين عليه السلام لكان الإسلام من الأديان التي مضت وانتهت ولذكر فقط في كتب التاريخ أنه كان هناك قرآن ومبادئ.

الجانب الذي أريد أن أشير إليه كيف تقبلت الأمة الإسلامية ذلك ؟؟ وما هو الداء الفكري الذي عانت منه فاستسلمت لهذا التيار؟
ثقافتنا ومعارفنا يجب أن تبتني على أسس فكرية قوية وثابتة وراسخة، ونستطيع أن نطور ثقافتنا ومعرفتنا ونضيف لها دون المس بقواعد وأصول ثقافتنا وفكرنا الأصيل.
اليوم نحن في أمس الحاجة لإدراك هذه الحقيقة والالتفات لها، في الأزمان السابقة كانت لديهم معلومات ومعارف كثيرة، كانوا يعرفون أن العادل يتولى الحكم، ويعرفون فضل أهل البيت عليهم السلام، ولم يخفهذا الأمر على أحد، حتى الذين كانوا يقفون في وجه الحسين عليه السلام لا ينكرون أنه الأفضل، لكن ميزانهم الثقافي هو الذي أصيب بالداء والبلاء، كانوا لا يرجعون فكرهم وثقافتهم إلى قواعد واضحة فتختلط عليهم الأمور، وكمثال من الأمثلة أنه بعض الذين كانوا قادة في قتل الإمام الحسين عليه السلام كانوا قبلهاقادة في جيش الإمام علي عليه السلام، مثل شبث أبن ربعي الذي قاتل معاوية، ثم لما خرج الخوارج أصيب بالاضطراب الفكري فانتقل لهم، ثم سمع حجج علي عليه السلام فعاد لصف الإمام عليه السلام، ثم شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام، ثم خرج في جيش المختار، وهذا منتهى التقلب والضياع الفكري، نحن الآن في زماننا يجب أن نرتب ثقافتنا لتكون ثقافة راسخة ذات أصول قوية نستطيع أن نتعامل مع كل الأطروحات في الجانب العلمي والمعرفي والترتيبي والفكري، مسميات كثيرة نحتاج لها، وأول ما يجب أن ندركه ونعرفه كيف نستفيد من هذا العلوم والمعارف في تطوير فكرنا ومجتمعنا الديني، كيف يؤدي هذا الأمر إلى تماسك عقيدتنا، لكن مع الأسف الشديد ظهرت كثير من الظواهر في أنحاء العالم الإسلامي، أصبحالإنسان المسلم مرة يقتنع بهذا الجزء من المعرفة ويقدمه ويؤيده ومرة أخرى يميل ويرجح ذلك النوع الآخر من المعرفة، مرة يطرد نوع من المعرفة بدون سبب ومرة يقتنع ويقبل بنوع آخر بدون ميزان، الذين وقفوا في وجه الحسين عليه السلام ما كان يخفى عليهم مقام الحسين عليه السلام والمروي أن أنس بن سنان الذي شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام مع شمر اللعين، ذهب إلى الأمير وقال:
إملأ ركابي فضة أو ذهبا أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا
كان يدرك هذه الحقيقة ويعرف مقام الإمام الحسين، ومع ذلك نفسه الديئة وسوء حظه وشقاؤه الأبدي قادته ليقف ذلك الموقف الذي تهتز له السماوات والأرض،
لعن الله ظالمي آل محمد من الأولين والآخرين.
رد مع اقتباس