
02-14-2019, 11:50 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2016
المشاركات: 185
|
|
الدرس الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الدرس الرابع:.
مازلنا في إثبات نبوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بالدليل العلمي الاستقرائي (وليس بالدليل الرياضي ولا الفلسفي).
الدرس الماضي أخذنا فقط الخطوة الأولى وهي: المعطيات والعوامل المحسوسة المتمثلة بحالة شبه الجزيرة العربية قبل البعثة الشريفة.
درس اليوم سيكون عن الخطوة الثانية: (دراسة النتائج).
أي معرفة خصائص الرسالة الإسلامية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله والمتمثلة في القرآن الكريم والشريعة الإسلامية.
فالرسالة السماوية جاءت بنوع فريد ومميز من الثقافة الإلهية عن الله سبحانه وتعالى وصفاته، والتي تأخذ بالإنسان نحو كماله وخيره وصلاحه ليعود إلى فطرته السليمة.
فالرسالة تنسجم مع الغاية التي خلق الإنسان من أجلها، حيث أن الإنسان عاجز عن إدراك كل مصالحه التي تأخذ به إلى الكمال، خاصة الكمال الروحي والنفسي لذا فهو بحاجة إلى هداية تأتيه من خارج نفسه وعقله.
هذه الهداية من الله جاءت بواسطة الأنبياء بحيث يضيئون للبشر طريق الحق والخير والسعادة ليسلكوه، ويوضحون لهم طريق الباطل والشر والشقاوة ليجتنبوه.
في هذه الثقافة الإلهية تبيّن دور الأنبياء في هداية البشرية، وكأنهم الهواء الذي تتوقف عليه حياة الإنسان وهو يأتيه من خارج دائرته.
فكانت الثقافة الإلهية التي جاء بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أكبر من كل الثقافات الدينية التي عرفها العالم، وليس فقط أكبر من ثقافة مجتمعه الوثني في مكة، بل جاءت لتصحح ما في الثقافات من أخطاء، وتعدل ما فيها من انحراف، كما تحدثت عن الأقوام السابقة وتاريخ عصرهم وأنبيائهم، بتفاصيل لا يعرفها حتى أصحاب ذاك الدين في عصر النبي صلى الله عليه وآله.
جاءت الرسالة بقيم ومفاهيم من أروع القيم الإنسانية في التاريخ، مثل: العدالة، المساواة، الأخوة الإنسانية، الارتباط بالمظلومين والضعفاء ومراعاة مصالحهم.
هذه الرسالة تدعو إلى التفكر والتأمل في كل شيء في السماء والأرض في الليل والنهار وفي النفس وما حولها، فهي تفتح للإنسان الجاهلي أفق جديد لا عهد له من قبل.. تنبه عقله من غفلته ليبحث ويدرك الحقيقة بإرادته واختياره دون ضغط أو قسر، وبالتالي تكون عقيدته عن اختياره، (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
وفي ظل مبادئها تحرر العبيد والمضطهدون من الحرمان والاضطهاد، وشعروا بكرامتهم الإنسانية بعد المناداة بمبدأ وحدة البشرية والأخوة الإنسانية.
وأصبح مورد التمييز التقوى وحسن الخلق، بعد أن كانوا يعيشون ألوانا من التميز العرقي والنسبي والقبائلي.
وحتى على مستوى البيت العائلي بعد أن كان مفككا وما فيه من ظلم للمرأة وإهدار لكرامتها وإهانتها، ووأد البنات أحياء، فهذه الرسالة رفعت من شأن المرأة وكرامتها ومستواها وساوتها بالرجل في جميع المسؤوليات والواجبات والحقوق، وفي كل شيء إلا ما تقتضيه الفوارق الطبيعية بينهما.
وبعد أن كان يعيش الفرد في الأوهام والأساطير والمفاهيم المنحرفة والعادات والتقاليد الخاطئة، وجد نفسه أمام نظم جديدة تنظم علاقاته الشخصية والعامة وتحقق العدالة الاجتماعية.
ووضعت الرسالة تعاليم أخلاقية سامية، وقوانين من الناحية الناحية السياسية والاقتصادية والتي تعتبر من أفضل القيم والمفاهيم والتشريعات.
هذا غير ما امتاز به نفس الخطاب القرآني من فصاحة وبلاغة، فكان كل العارفين باللغة العربية يدركون ما يشتمل عليه القرآن من فنون البيان والتصوير والبلاغة والفصاحة، وما ينجم عنه من تأثير على سامعه، ولقد شهد بذلك بلغاء عصره.
(والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو وما يعلى عليه)، لدرجة أنهم يمنعون أنفسهم من سماع القرآن خوفا من قدرة القرآن على تغيير نفوسهم (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) ومع علمهم وتفننهم باللغة العربية، إلا أنهم فشلوا في مواجهة التحدي والإتيان بمثل القرآن، مع تدرجه فتحداهم بداية بالإتيان بمثل القرآن، ثم التحدي بعشر سور، ثم التحدي بسورة واحدة فقط، ومع ذلك فشلوا وعجزوا، لأنه فوق قدرتهم اللغوية.
مع أن القرآن نزل خلال ٢٣ عاما، مع مختلف الحوادث والمحن والمتغيرات والاضطرابات في عصر النبي صلى الله عليه وآله، والحالات النفسية المختلفة من فرح أو حزن، قلق وهدوء، وغيرها.
لكنها لم تؤثر في تنسيق محتويات القرآن وأسلوب إعجازه، لا في بداية نزوله ولا نهايته، بل كانت الآيات القرآنية منسجمة.
لاحظوا بعض المؤلفين يختلف أسلوب كتابتهم في بداية ممارستهم للكتابة عما بعدها، ويرتقي الكاتب كلما مارس الكتابة أكثر، ويتغير أسلوب الكتابة في حالة الفرح عن الحزن، بعضهم يتبرأ مما كتبه بداية حياته، حتى بعض الاستفتاءات تتغير، بعد إدراك أكثر للمعرفة.
لكن القرآن الكريم على نسق واحد وأسلوب واحد من الإبداع، مع العلم بأن الحامل لهذا القرآن المعجز مكث معهم أربعين سنة لم يعهدوا منه المشاركة في محفل أدبي أو شعري أو خطابي، و لا أي فن من فنون القول والكلام..
هنا يدعوا إلى المقارنة بين المعطيات وهذه النتائج ونأخذها في الدرس القادم إن شاء الله..
والحمد لله رب العالمين.
انتهى الدرس...
|