عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11-27-2018, 06:37 PM
كوثر حسين كوثر حسين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2016
المشاركات: 185
Post الدرس الثامن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الدرس الثامن:.


الدرس الماضي ذكرنا القضايا الثلاثة التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي وهي:
١- كل حادثة لها سبب.
٢- الأدنى لا يكون سبباً لما هو أعلى منه درجة.
٣- اختلاف درجات الوجود في هذا الكون وتنوع أشكاله كيفياً.

ومنها تعرفنا على التفسير المعقول لعملية النمو والتكامل في أشكال الوجود، وهو أن سبب الزيادة النوعية في الوجود من (الحياة والفكر والإحساس) ناتج من مصدر يتمتع بها كلها ومن ثم يفيضها على الوجود وهو الله رب العالمين.

أما المادية الميكانيكية كان لها تفسير آخر، فهي تقول أن تنوع أشكال المادة ناتج عن تركيب وتجميع وتوزيع عددي للأجسام والجسيمات لا أكثر بسبب الحركة والانتقال من مكان إلى مكان آخر.

فهي لا تؤمن بالتطور النوعي والكيفي وإنما فقط مجرد حركة وتجميع عددي.
بينما المادية الحديثة (الجدلية - الديالكتيكية) في درسنا اليوم
تؤمن بالتطور النوعي والكيفي.

لكن تقول بأن مصدر التطور هو المادة.
فهي تؤمن بأن المادة هي مصدر العطاء وهي التي تمون عملية التطور الكيفي على أساس أن كل أشكال التطور موجودة في المادة من البداية.

فسرتها بهذا التفسير حتى لا تناقض القضية الثاني: (الأدنى لا يكون سببا لما هو أعلى منه).

فهي تعتبر أن الشيء يحتوي على نقيضه في داخله وهما في حالة صراع مستمر ، و من خلال هذا الصراع ينمو النقيض الداخلي، و ينتصر فيحدث تحول وتطور في المادة.

وفقا لقانون الطبيعة العام التناقض الذي تؤمن به.
مثلاً:
فالدجاجة موجودة في البيضة من البداية في وقت واحد
ويكون صراع بينهما فكلما زاد الصراع ينمو النقيض أكثر إلى أن تنفجر البيضة ويخرج (فرخ الدجاجة) من داخلها.
وهكذا تتطور وتتنوع أشكال المادة على حسب رأيها.

لكن ماذا تقصد المادية الجدلية من قولها: بأن الشيء يحتوي على نقيضه؟
هناك ثلاثة فرضيات:
1- أن البيضة والفرخ نقيضان بحيث أن البيضة تصنع الفرخ وتضيف له الحياة.
⬅ هذا يعني أن الميت يوجد الحي.

وهذا يتعارض مع القضية الثانية التي تقول: (الأدنى لا يكون سببا للأعلى).

2- البيضة والفرخ نقيضان وهما موجودان معا في نفس الوقت لكن الفرخ كامن مختفي فيها فتقوم البيضة بإبرازه.
نقدر نشبهه ببعض الملابس التي تلبس من الجهتين جهة لونها أسود ومن الخلف المقلوب لونها برتقالي مثلا
فاللونين موجودين معا لكن واحد منها ظاهر والآخر خفي وعند قلبه يبرز اللون الآخر.

ففي هذه الحالة:
لا يوجد أي عملية نمو أو تكامل فكلاهما موجود من البداية.

كالشخص الذي يخرج أمواله من جيبه بعد أن كانت مخفيه فهو بهذه الحركة لم يزدد ثراء.
فليس هناك أي تطور أو تكامل.
مع ملاحظة أن الشيء يتطور ويتكامل بشرط وجود القابلية والاستعداد لديه للتكامل.

فالبيضة هي مشروع دجاجة أي عندها القابلية والاستعداد لتكون دجاجة عند توفر الشروط والظروف المعينة (مثلا البيضة صالحة غير فاسدة - حضانة الدجاجة الأم للبيضة وغيرها).
لكن الحجر لا يمكن أن يصبح دجاجة مهما كان، لأن ليس له القابلية والامكان والاستعداد لذلك هذا من ناحية.

ومن ناحية آخرى:
إذا كان تطور المادة ناتج عن تناقضاتها الداخلية وكل شكل له تناقضات خاصة به، فالبيضة لها تناقضات وتنتج دجاجة.

والماء له تناقضات داخلية ينتج غاز (بعد التبخر مثلا).
س/ فكيف نفسر تنوع أشكال المادة؟
فنفسر تنوع هذه الأشكال على أساس تنوع تلك التناقضات الداخلية.

لكن المادة الأولى التي منها تكوّن الكون كيف تناقضت وانتجت الكم الهائل من أشكال المادة المختلفة؟!
كيف تحولت وتطورت وأصبحت مرة تنتج بيضة ومرة دجاجة ومرة حجر؟
والعلم الحديث يقول بأن المحتوى الداخلي للمادة واحد.
حتى تتنوع الأشكال لابد من تغاير في المحتوى وبعدها تختلف تناقضاتها الداخلية.
ويمكن يتضح أكثر من مثال البيض ( بيضة الدجاج والطير).
فالشكل الناتج عن التناقضات الداخلية في بيض الدجاج يختلف عن الناتج في بيض الحمام يختلف عن بيض البط.

س/ فكيف اختلفت أشكالها على أساس هذا التناقض الداخلي، مع أن المحتوى الداخلي فيهم واحد؟
وإذا كانت الدجاجة ناتجة عن تناقضات داخلية، فلماذا لم تطور الدجاجة نفسها من خلال هذه التناقضات الداخلية عبر آلاف السنين لتجعل نفسها تطير مثلا.
⬅ هنا يتبين عدم صحة الفرض الثاني.

3- البيضة نفسها تحتوي على متناقضين كل منهما مستقل عن الآخر (النطفة / و سائر محتويات البيضة)، يكون بينهما صراع ومعركة داخل البيضة ومن خلال هذا الصراع يقوى أحدهما وينتصر، وهي النطفة فتتحول البيضة إلى دجاجة.

هنا يطرح تساؤل: لماذا يسمى هذا الصراع والتفاعل بين النطفة ومحتويات البيضة تناقض؟
هي تفاعلات فيما بينها وأيضا توجد تفاعلات بين غيرها من مظاهر الطبيعة، فبدل أن يقال: أنها تندمج أو تتوحد، قيل: صراع فهي مجرد تسمية.
أيضا البذرة والتراب والهواء بينها تفاعل وهم اعتبروه صراع وتناقض.
لكن هذا الصراع يؤدي إلى نتيجة أكبر من الطرفين المتصارعين، فهو ينتج عملية نمو وتطور يزيد على مجموعهما العددي (أي فيه تطور نوعي وكيفي)

س/ فمن أين جاءت هذه الزيادة؟ هل هي من الطرفين المتصارعين؟
لا، هذا غير ممكن لأنه يناقض القضية الثانية.
س/ هل يمكن أن يكون الصراع عامل للنمو والتنمية؟
لا يمكن، على العكس نجد أن الصراع يكون فيه حالة من المقاومة التي تنقص من طاقة الطرف الآخر على التحرك وتضعفه، شبهه بالصراع والمقاومة بين السباح والأمواج المضادة له إلى درجه تعيقه عن التحرك.

وأيضا الصراع بين الماء والنار فالماء يمنع النار من التمدد والانتشار والزيادة.

ولو افترضنا أن الصراع عامل نمو وتطور، فإذا كان الصراع والتناقض الداخلي للماء بعد أن ينتج عنه غاز هو تنمية وتطور،
فهل عودة الغاز وتحوله إلى ماء مجددا بعد صراعه وتناقضه الداخلي يعتبر تطور ونمو أيضا؟
(من خلال عملية التبخير والتكثيف)
فأي منهما نمو وتطور الغاز أو الماء؟

أيضا توجد حالات في الطبيعة تكون نتيجة التصارع بينهما هي الدمار، وليس التحول والتطور لشيء آخر أكمل.
مثل: عملية الفناء الذري.

هذه التساؤلات يكشف منها خطأ الفرضية الثالثة.

الخلاصة:

من برهان الفلسفة أن تطور المادة ونموها مرهون بما يفيضه عليها البارئ جل وعلا.
فحركة المادة بدون إمداد خارجي لا يمكن أن يحدث تنمية حقيقية وتطور إلى شكل ودرجة أعلى.
فحتى تنمو المادة وترتفع درجتها إلى درجة الحياة والإحساس والفكر لابد من رب يتمتع بهذه الخصائص ويمنحها لها.

س/ لكن ما دور المادة في عمليات النمو؟
دورها دور القابلية والاستعداد دور التهيئة والصلاحية والإمكان.


مثال:
الخياط الماهر على براعته لا يستطيع خياطة الثوب من الحجر
ليس نقصا في الخياط وإنما النقص من الحجر.
الحجر ليس له القابلية والاستعداد للخياطة.

هكذا انتهينا من إثبات الصانع الحكيم بالدليل الفلسفي بعدما أثبتناه بالدليل العلمي.



انتهى الدرس...
رد مع اقتباس