عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 11-09-2018, 10:26 PM
كوثر حسين كوثر حسين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Dec 2016
المشاركات: 185
Post الدرس السابع



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الدرس السابع


نستدل اليوم على وجود الصانع الحكيم بواسطة الدليل الفلسفي بعدما انتهينا من إثبات ذلك بواسطة الدليل العلمي الاستقرائي.

ذكرنا في الدرس الأول أن الإنسان آمن بالله بالفطرة قبل وجود المصطلحات والمفاهيم الفلسفية لكن هذه المفاهيم دعمت الإيمان بالله عزوجل بالاستدلال والبراهين.

وقبل البدء بالاستدلال الفلسفي
ذكر أقسام الدليل - ونحن ذكرناها في الدروس السابقة .. لكن نذكرها مجددا لاسترجاع المعلومات -.

الدليل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الدليل الرياضي.
2- الدليل العلمي الاستقرائي.
3- الدليل الفلسفي.

1-الدليل الرياضي:
وهو الذي يستعمل في مجال الرياضيات البحتة والمنطق الصوري، ويعتمد على مبدأ أساسي وهو عدم التناقض، وهو يحضى بثقة الجميع.

الرياضيات البحتة والمنطق الصوري:
هي التي تعتمد علي صورة القياس والاستدلال من الأشکال الأربعة التي درسناها في المنطق ، وليس علي مادة القياس من القضايا.*

وهو يعتمد على مبدأ عدم التناقض .. ماهو التناقض؟
هو اختلاف بين قضيتين يقتضي أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة.
وذلك بعد تحقق شروط التناقض وهي الاتحاد في الوحدات الثمانية
والاختلاف في الكم والكيف.

◇ فلا يمكن أن يكون الشخص موجود في النجف وغير موجود في النجف بأن يكون موجود في المدينة مثلا في نفس الوقت.

◇ لا يمكن أن يكون الشخص عالم بإمام زمانه عج وغير عالم به في نفس الوقت.

◇ إذا كان الشيء هو (أ)
لا يمكن أن يكون هو (غير أ) أو (لا أ) في نفس الوقت.

هذا المبدأ (عدم التناقض) وما يتفرع عنه - كما في ملحقات التناقض في المنطق- يعتبر أساس الدليل الرياضي.

وهو محل ثقة من الجميع ولا يختلف عليه أحد بالرغم من عدم اعتماده على الحس والتجربة.


2- الدليل العلمي:
وهو المستخدم في مجال العلوم الطبيعية، ويعتمد على المعلومات المستنتجة من الحس والتجربة والاستقراء العلمي إضافة إلى
الدليل الرياضي.
وهو الذي أخذنا طريقته في الدروس السابقة

3- الدليل الفلسفي:
وهو الذي يعتمد لإثبات الواقع الموضوعي على معلومات عقلية (لا تحتاج إلى حس وتجربة) بالإضافة إلى مبادئ الدليل الرياضي.
وممكن أن يُستخدم ضمن الدليل الفلسفي معلومات حسيّة واستقرائية لكن لا يُكتفى بها بصورة مستقلة، بل يعتمد إلى جانبها على معلومات عقلية.

الدليل الفلسفي يثبت الواقع الموضوعي للعالم الخارجي بالعقل ..

على عكس النزعات الفلسفية المتطرفة التي أنكرت الواقع الموضوعي وأنكرت الكون جملة وتفصيلا.

كما ذكرنا ذلك فالبعض فقط يعتقد بوجود الأنا المدركة والتصورات الذهنية، والبعض شكك وأنكر حتى وجود نفسه.

يوجد فرق بين الدليلين:
الدليل العلمي (الاستقرائي)
والدليل الفلسفي (العقلي)
ماهو؟
الدليل العلمي: يعتمد على الحس والتجربة.
والدليل الفلسفي: يعتمد على المعلومات العقلية.

كلاهما يستخدم مبادئ الدليل الرياضي، ويستخدم الحس والتجربة
لكن الدليل الفلسفي يعتمد على معلومات عقلية أيضا.

هنا يرد سؤال:
هل من الممكن الاعتماد على المعلومات العقلية بدون الحاجة إلى الحس والتجربة والاستقراء؟
نعم يمكن ذلك ..
مثله كمبدأ عدم التناقض فهو يقوم على أساس عقلي وليس على شواهد وتجارب.

ذُكر في المنطق أن البديهيات هي أصول اليقينيات وهي ستة أنواع:
• الأوليات.
• المشاهدات.
• التجريبيات.
• المتواترات.
• الحدسيات.
• الفطريات.

وهي كلها قضايا يصدق العقل بها
- منها يرجع فيها للحس والتجربة
كالمشاهدات والتجريبات.
- ومنها يصدق بها لذاتها كالأولويات
- أو بواسطة كالفطريات.
فليست كل القضايا البديهية التي يدركها العقل تحتاج إلى الحس والتجربة.

أمثلة عليها لا تحتاج إلى حس وتجربة:
- الكل أعظم من جزئه.
- الأربعة نصف الثمانية.
1 + 1 = 2.

.•. أي أنه يمكن الاعتماد على المعلومات العقلية.

أما إذا تم رفض الدليل الفلسفي لمجرد أنه يعتمد على معلومات عقلية لا ترتبط بالحس والتجربة.
فهذا يعني رفض الدليل الرياضي لأنه أيضا يعتمد على مبدأ عدم التناقض وهو لا يرتبط بالتجربة.

بهذا رد الشهيد على التساؤل المطروح وعليه فإنه يمكننا أن نثق بالمعلومات العقلية التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي.

هذه المقدمة من السيد الشهيد ليبين قوة وكفاءة الدليل الفلسفي وأنه موضع ثقة للاستدلال به،

وبعد ذلك يستدل به على الصانع الحكيم.

إثبات وجود الصانع الحكيم بالدليل الفلسفي
هذا الدليل الفلسفي يعتمد في استدلاله على قضايا ثلاث:

1- كل حادثة لها سبب.
2- الأدنى لا يكون سببا لما هو أعلى منه درجة.
3- اختلاف درجات الوجود في هذا الكون وتنوع أشكاله كيفيا.

1- كل حادثة لها سبب:
(أي كل معلول له علة) هذه قضية يدركها الإنسان بشعوره الفطري.

فلو وضعت هدية عند رأس طفل وهو نائم فعندما يجلس يسأل عن من وضعها له
(فيرفض عقله مقولة أنها وُجِدت صدفة)

وكذلك عندما يُطرق الباب
فهذا يدل على وجود الطارق (ولم يطرق الباب نفسه بنفسه)
وأيضا الاستقراء العلمي يؤكد ذلك.


2- الأدنى لا يكون سببا لما هو أعلى منه درجة:
الوجود:
كلي مشكك ينطبق على مصاديقه بالتفاوت (أي درجاته مختلفة)
بعض الأشياء يكون وجودها أكمل من البعض الآخر .
ومن غير الممكن أن تكون الدرجة الأقل كمالا هي سبب في وجود الدرجة الأعلى.

والأمثلة التي ذكرها السيد توضح هذا المعنى بشكل سهل ومبسط.

○ لا يمكن أن يتعلم الإنسان اللغة الإنجليزية بشكل كامل وصحيح من شخص يجهل هذه اللغة أو عنده معرفة محدودة فقط.

○ لا يمكن للفقير أن يمول مشروع ضخم بماله المحدود.

○ لا يمكن أن ينبثق من النور الضئيل أو من درجة الحرارة الدانية نور أو حرارة عالية.

لاحظوا:
الحرارة / والنور / والمعرفة أو العلم
كلها كليات مشككة لها درجات مختلفة
وكل درجة أعلى منها تمثل زيادة نوعية وكيفية على الدرجة الأدنى منها.

وهذه الزيادة النوعية لا يمكن أن يمنحها من لا يملكها

ففي الرياضيات مثلا
من لا يعرف الجمع والطرح
لا يستطيع أن يُعلم الضرب والقسمة لأن فيها تطور مختلف عن السابق.

3- اختلاف درجات الوجود في هذا الكون وتنوع أشكاله كيفيا:
قلنا أن الوجود درجات
- فالأكسجين الذي يعتبر جزء من الماء (h2o) هو شكل من أشكال الوجود.

- و البروتوبلازم الذي يعتبر الأساس الحيوي*للكائن الحي (نطفة الحياة)
هو شكل من أشكال الوجود أيضا لكنه أرفع وأعلى من الأكسجين.

- والاميبيا كائن حي وحيد الخلية*تعيش داخل جسم الإنسان بشكل طفيلي
تمثل شكل أرفع من الوجود للمادة.

- وهكذا يتدرج الوجود في التطور
فنجد أن الإنسان يعتبر الشكل الأعلى من أشكال الوجود في هذا الكون.

فهل هذا الاختلاف في مراتب الوجود بسبب اختلاف عدد الجزيئات والعناصر فقط؟
الاختلاف بينهم ليس من ناحية الكم فقط
وإنما من ناحية النوع والكيف أيضا.


س/ هل الاختلاف بين الإنسان والتراب في عدد الجزيئات؟
بحيث لو جمعت نفس العدد من الجزيئات
أصبح لهم نفس درجة الوجود.

طبعا لا ..

هناك اختلاف نوعي بينهما
نوع التراب يختلف عن الإنسان.
الحياة التي يمتلكها الإنسان تعتبر درجة أعلى وأكمل من الوجود المادي للتراب.

والإنسان أدرك ذلك بفطرته:
-فالكائن وحيد الخلية أكمل وجودا من عديم الحياة
-والكائن متعدد الخلايا أكمل من وحيد الخلية.
- والنبات أكمل منه إلى أن تصل أعلى درجة من الكمال في الإنسان.

أي أن وجود الحياة هي درجة أعلى من الوجود للمادة، وهذه الدرجة (وجود الحياة) ليست حدية (ليست محدودة ومتساوية) بل هي درجات أيضا.

سؤال: من أين جاءت هذه الزيادة النوعية وهذا التطور؟

الفكر المادي له نظرية في تفسير الكون وتطوره وهي (النظرية الميكانيكية).

وهي أن كل أشكال المادة الموجودة وتطورها هو ناتج عن الحركة والانتقال وعملية الجذب والطرد فيما بينها وفق القوانين الطبيعية العامة.

فالعالم الخارجي عبارة جسيمات صغيرة (ذرات) تتأثر بحركة البروتونات والالكترونات التي تجعلها تتحرك وتنتقل من مكان لآخر

ثم تحصل عملية التجاذب فتتجمع أجزاء أو تحصل عملية طرد فتتفرق
وعليه تتنوع أشكال المادة دون تغير نوعي.

فالمادية الميكانيكية فسرت أشكال المادة المختلفة (سواء الغازية أو السائلة أو الصلبة) أنها ناتجة عن تجمع تلك الجسيمات وتوزعها.
فحصرت التطور والحركة بهذه العملية للجسيمات.
فهي كالعجينة تتشكل بأشكال مختلفة دون أن يحدث لها نمو نوعي ولا رقي.

وهذا بسبب ما أحرزه علم الميكانيكا في اكتشاف قوانين الحركة الميكانيكية للأجسام وحركة الكواكب في الفضاء.

لكن مع استمرار البحث العلمي وتطور العلم أثبت بطلان هذه النظرية.

ويتبين خطأ تفسير المادية الميكانيكية:

1- من ناحية عجزها عن تفسير كل الحركات تفسيرا ميكانيكيا.

2- من ناحية قصورها عن استيعاب كل أشكال المادة ضمن الحركة الميكانيكية للأجسام.

فإن هذا التنوع للمادة (غاز - سائل - صلب) لا يعود إلى مجرد الحركة والانتقال من مكان لآخر وتجميع للجسيمات تجميع عددي.

نجد في الكون مادة لا حياة فيها، ونجد حياة وأفكار وأحاسيس .. وهي لا تنتج من تركيب وتجميع للجزئيات

فكيف ظهرت الحياة من مادة لا حياة فيها؟ ومن أين جاءت هذه الزيادة؟

فلو نتتبع القضايا الثلاثة التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي يكون كالتالي:

1- كل حادثة لها سبب
أن هناك زيادة نوعية وتكامل في وجود المادة فلابد له من سبب
وذلك حسب القضية الأولى: كل حادثة لها سبب

س/ ماهي هذه العلة؟
توجد إجابتان:

1- أنها جاءت من المادة نفسها.
فالمادة التي لا حياة فيها ولا أحاسيس ولا فكر تطورت وانتجت الحياة والأحاسيس والفكر.

أي أن الموجود الأدنى كان سبب لوجود الأعلى منه درجة وهذا يناقض القضية الأدنى لا يكون سببا لما هو أعلى منه درجة.

2- الجواب الثاني:

أن هذه الزيادة النوعية الجديدة جاءت من مصدر يتمتع بها ويمتلكها بدرجة أعلى منها وهو الصانع الحكيم.
هو الله رب العالمين
الرب من التربية و الرعاية و التنمية.
فنمو المادة ماهو إلا تربية وتنمية من رب العالمين بحكمته وتدبيره
فلم تنتقل النطفة وتتحول إلى علقة
ثم إلى مضغة
ثم ..
ثم ..
(ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)
بأن أفاض عليه الحياة بعد أن كان لا حياة فيه إلا بتدبير من رب العالمين.
وهذا ما ينسجم مع القضايا الثلاث المتقدمة

فالجواب الثاني
هو التفسير المعقول لعملية النمو والتكامل في أشكال الوجود في هذا الكون.
وهكذا أثبت السيد الشهيد وجود الصانع الحكيم بواسطة الدليل الفلسفي

بعدها ذكر السيد الشهيد بعض الآيات التي تدعو الإنسان السليم في فطرته بالتأمل والتفكر بهذا الكون وما به من مخلوقات.

نتوقف إلى هنا

والحمد لله رب العالمين

انتهى الدرس ...

التعديل الأخير تم بواسطة كوثر حسين ; 11-27-2018 الساعة 06:48 PM
رد مع اقتباس