الدرس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الدرس الثالث
ذكرنا في الحصة السابقة بأنه نشأت نزعات فلسفية ومنطقية حاولت أن تفلسف الإتجاه الحسي
وأعلنت أن الوسيلة الوحيدة للمعرفة هو الحس فقط.
⬅ وبهذا ضربت فكرة الإيمان بالله عزوجل.
لكن هذه النزعات في تفسيرها الإتجاه الحسي وقعت في تناقض.
في الناحيتين:
- الناحية الفلسفية.
- الناحية المنطقية.
فمن الناحية الفلسفية:
اضطرت إلى إنكار الواقع الموضوعي، أي إنكار الكون الذي نعيش فيه جملة وتفصيلا.
فهم يقولون: أن الحس هو مصدر المعرفة، ولا نملك إلا الحس.
لكن الحس عندما يعرّفنا على الأشياء يكون ذلك كما نحسها ونراها، لا كما هي في الواقع.
مثلا: لما نسأل عن هذا اللون o ماهو؟
هو اللون الأخضر.
لكن المصاب بعمى الألوان لا يرى اللون الأخضر، وبما أن حواسه لا تدرك هذا اللون فهو غير موجود بالنسبة له.
ولا سبيل لإثبات وجوده لأنه غير محسوس بالنسبة له.
وهذا معناه إن إحساسنا يعرفنا على الأشياء كما نحسها نحن وليس كما هي في الواقع دائما.
أحيانا الحاسة سليمة تشخص الحقيقة لكن لغفلتها عن بعض الأشياء تنكر وجودها.
مثلا: بعض المقاطع تطلب من الشخص عدّ الكرات التي تسقط في الصندوق مثلا.
وفي أثناء انشغاله بعدّ الكرات يمشي خلف الصندوق رجل متنكر بزي حيوان مفترس - هو غير منتبه - ولما يُسأل عنه ينكر وجوده لأن تركيزه مع الكرات فقط.
ومن ناحية أخرى ما ذهب إليه جورج باركلي في مثاليته:
بحيث لا يعترف بوجود حقيقةٍ خارجيّة، ويعتبر أنّ كافة الموجودات الماديّة لا وجود لها على أرض الواقع، بل هي موجودة في التصورات الذهنيّة البشريّة.
وله عبارة مشهورة:
(الموجود هو: المُدرِك أو المُدرَك).
• ماهو الشي المُدرِك؟
النفس هي التي تُدرِك الأشياء.
• وما هي الأشياء المُدرَكة؟
يقصد بها تصوراتنا الذهنية والمعاني _وجود الشيء في الذهن_.
فجورج باركلي لم يؤمن بوجود شيء سوى الأنا المدرِكة والصورة المدْرَكة.
على رأيه:
عندما ترى شيئا مثل القمر
فإنك فقط تؤكد هذا الإحساس
(وهو تأكيدك لرؤية القمر)
لكن هل هو موجود خارجا بالفعل؟
فإنك لا تستطيع إثباته.
- هنا شبهه السيد الشهيد بالأحول الذي يرى أشياء لا وجود لها (يرى الشيء الواحد شيئين) وهو يؤكد رؤيته لتلك الأشياء.
لكنه لا يؤكد وجود هذه الأشياء في الواقع الخارجي.
وبعض علمائهم مال إلى الشك بوجود واقع خارج حدود الذهن البشري،
فلم يحكموا بثبوته ولا بنفيه
ومنهم:
دافيدهيوم*/ و جون لوك.
شككوا في الوضع فلا أنكروا ولا أثبتوا.
ومنهم ذهب إلى إنكار الواقع الخارجي بكلّ تفاصيله منكرين حتى أنفسهم،
ومن هؤلاء"غورغياس"، الذي أنكر حتى وجود نفسه.
⬅ لكنها -أي هذه النزعة الفلسفية- في النهاية قضت على الحس نفسه كوسيلة للمعرفة، وجعلته هو الحد النهائي للمعرفة.
وأصبحت المعرفة الحسية مجرد ظواهر وتصورات لا وجود لها خارج ذهننا بصورة مستقلة.
راجعوا المنطق:
الوجود الحقيقي والاعتباري للشيء
(الوجود الخارجي والذهني واللفظي والكتبي)
+
درس التصور والتصديق
فوجود الشيء ليس فقط ذهني
هذا من الناحية الفلسفية.
أما من الناحية المنطقية:
اتجهت النزعة الحسية في أحدث تيار من تياراتها الى الوضعية القائلة:
كل جملة لا يمكن التأكد من صدق مدلولها أو كذبه بالحس والتجربة فهي كلام فارغ من المعنى.
في المنطق تعريف القضية:
هي المركب التام الخبري (أو الجملة الخبرية التامة) التي يمكن أن نصفه بالصدق أو الكذب.
لكن هنا في هذه الوضعية شرطوا شرط أساسي إذا اختل اختلت القضية وأصبحت كلام فارغ.
وهذا الشرط هو:
هو أن يكون التأكد من صدق الجملة أو كذبها (بالحس والتجربة)
فإذا كانت الجملة ممكن وصفها بالصدق أو الكذب عن طريق الحس والتجربة وكانت:
تطابق الواقع الخارجي ⬅ فهي صادقة.
أما إذا لم تطابق الواقع الخارجي ⬅ فهي كاذبة.
فإذا قيل مثلا:
(إن المطر ينزل من السماء في الشتاء)
فإننا نستطيع التأكد من هذه الجملة عن طريق الحس (برؤية المطر)
⬅ فهذه الجملة على رأيهم لها معنى.
وبما أنها تطابق الواقع ⬅ صادقة.
لكن لو قلنا:
(إن الملائكة تنزل من السماء في ليلة القدر)
فإننا لا نستطيع التأكد من هذه الجملة عن طريق الحس (فنحن لا نرى الملائكة ولا نستطيع سماعها أو لمسها أو تذوقها أو شمها)
⬅ فهذه الجملة على رأيهم ليس لها معنى، هي كلام فارغ من المعنى.
مثلها لو قلت:
(إن لقبكطس موجودة في الصندوق)
س/ هل نستطيع أن نحدد بأن هذه الجملة صادقة أو كاذبة؟
بما أن (لقبكطس) كلمة لا معنى لها
فلا أستطيع إثبات صدقها من كذبها.
فهم اعتبروا الملائكة بهذا المعنى
لأنهم لا يستطيعون التأكد منها عن طريق الحس والتجربة.
وكذلك لو قلنا:
(الله موجود)
لا نستطيع إثباتها بالحس والتجربة
فهي كلام فارغ من المعنى على حسب هذه الوضعية.
لكن هذه الوضعية المنطقية وقعت في تناقض من ناحيتين:
1⃣ (تناقض مع نفسها).
هي تقول:
كل جملة لا يمكن التأكد من صدق مدلولها أو كذبه بالحس والتجربة فهي كلام فارغ من المعنى.
⬅ وهذا القول نفسه لا يمكن التأكد والتعرف عليه بواسطة الحس والتجربة.
⬅ بالتالي هو كلام فارغ من المعنى.
2⃣ (تناقض مع التعميم)
في قولها (كل جملة لا ....) فيها تعميم
(أي قانون عام كلي - *كل*)
والحصول على التعميم يتجاوز نطاق وحدود الحس والتجربة
⬅ بالتالي وقعت في تناقض بسبب التعميم.
الحس والتجربة تقع فقط على الجزئيات المحدودة
فتقول إن :
الحديدة الأولى تتمدد بالحرارة.
الحديدة الثانية تتمدد بالحرارة.
الحديدة المائة تتمدد بالحرارة.
الحديدة المليون تتمدد بالحرارة.
هذا نطاق الحس والتجربة.
الحس والتجربة لا يعطي تعميم
(إن كل حديدة تتمدد بالحرارة).
الذي يعطي هذا التعميم هو العقل.
بعد التعرف على الروابط بين الأشياء والعلاقات بينها.
⬅ بالتالي هذه النزعة المنطقية
وقعت في تناقض مع نفسها
وتناقض مع التعميم.
س/ نتسائل ماهو موقف العلم من هذه النزعات؟
لم يكترث العلم في تطوره بهذه النزعات.
بل استمر في اكتشافه لأسرار الكون والطبيعة مبتدئا بالحس والتجربة لكن لم يقف عند هذا الحد بل تجاوز إلى المرحلة العقلية والاستنتاج.
معنى هذا أن هذه النزعات الفلسفية والمنطقية تضاءلت حتى بالنسبة للمذاهب الفلسفية المادية.
س/ ماذا نقصد بالفلسفة المادية؟
المادية: نظرة فلسفية ترى أن الشيء الوحيد الذي يمكن القول بوجوده هو المادة
وتقول: أن المادة أولية أما العقل ثانوي.
- والمادية لها اتجاهين:
1/ مادية ميكانيكية.
2/ مادية جدلية (ديالكتيكية).
الميكانيكية ترى ضرورة وجود سبب خارجي لأية حادثة، ولكل حركة حادثة، هذا السبب يكون خارج الذات ⬅ تؤمن بالمادة الأول التي بسببها تحرك الكون،
لكن الديالكتيكية ترجع السبب إلى داخل الذات (فهي تقول بالتناقض الداخلي).
هنا يقول السيد الشهيد بأن الفلسفة المادية الجدلية رفضت هذه النزعات الفلسفية، وتجاوزت نطاق الحس والتجربة إلى المرحلة الثانية: المرحلة العقلية مرحلة الاستنتاج.
فالجدلية أصبحت غيبية من وجهة نظر النزعات الحسية المتطرفة، لأنها تجاوزت حدود الحس والتجربة، وخرجت بتفسير شامل للكون ضمن إطار ديالكتيتي.
فالفلسفة المادية الجدلية من هذه الناحية (تجاوز الحس والتجربة) تتفق مع الفلسفة الإلهية.
فهما تؤمنان بأن المعرفة تمر بمرحلتين:
1- مرحلة لتجميع معطيات الحس والتجربة.
2- مرحلة تفسيرها نظرياً وعقلياً.
لكنهما تختلفان في نوع التفسير الذي يتسنتجه العقل:
• المادية: تفترض تفسير ينفي وجود صانع حكيم.
• الإلهية: ترى وجود الصانع الحكيم هو السبيل المقنع.
بعدها سيعرض السيد الشهيد نوعين من الاستدلال
إن شاء الله نأخذهم في الحصة القادمة.
والحمد لله رب العالمين
انتهى الدرس،،،
التعديل الأخير تم بواسطة كوثر حسين ; 11-05-2018 الساعة 03:55 PM
|