بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الدرس الثاني
الإيمان بالله سبحانه وتعالى
هنا في البداية يريد الشهيد أن يبين علاقة الإنسان بالله عزوجل والإيمان به هل هو موجود منذ خلقه أم أنه استحدث بعد ذلك؟
فيجيب: إن إيمان الإنسان بالله وعبادته له كانت من أبرز المظاهر التي لازمت حياة الإنسان على الأرض منذ وجود الحياة البشرية.
(فأول إنسان على الأرض هو آدم عليه السلام وكان نبي من الأنبياء).
فآمن الإنسان بوجود الله عزوجل وارتبط به قبل إقامة أي دليل فلسفي أو غيره على وجود الله.
وإن تعرض هذا الإيمان إلى انحراف في بعض الحالات إلا أنه موجود.
فالآثار المتبقية من العصور القديمة التي سبقت كتابة التاريخ كانت تشير إلى أن الناس كانوا يعتقدون بالدين ويؤمنون بالله ويؤمنون بالمعاد والحياة بعد الموت.
حيث كانوا يدفنون الأشياء التي يحبونها معهم كي يستفيدوا منها بعد الموت.
وأيضا إن تحنيط أجساد الموتى حماية لها من الاندثار؛ ماهو إلا دليل على إيمانهم بالمبدأ والمعاد والإيمان الديني.
وإن اقترنت هذه الأعمال بخرافات كثيرة.
⚡ لكن ماهو السبب في نشأة الدين؟
ذُكرت عدة نظريات لتفسير نشأة الدين:
🔹 النظرية الأولى: هي النظرية الماركسية
التي تزعم أن سبب ظهور الدين في حياة الإنسان هو التناقض الطبقي في المجتمع - بين الطبقة الحاكمة الظالمة المستغلة وبين الطبقة المحكومة المظلومة المضطهدة -
• فزعمت الماركسية أن ظهور الدين كان من الطبقة الحاكمة:
قيل: الدين أفيون الشعوب، بحيث تسقيه الطبقة الحاكمة للطبقة المضطهدة كالمخدر حتى تنسى مطالبها ودورها السياسي، وتستسلم إلى واقعها السيء.
فالطبقة الحاكمة تلجأ إلى نشر الدين حتى تخفي استغلالها، لأنها بحاجة إلى جمود وسلبية الطبقة الكادحة، وتستمر في اضطهادها.
• وزعمت أيضا أن ظهور الدين نابع من الطبقة المضطهدة نفسها:
بحيث أن الواقع السيء الذي يعيشونه جعلهم يلجأون إلى الدين، ليكون عندهم أمل برفع البؤس والشقاء في العالم الآخر بدخول الجنة كتعويض عن معاناتهم على الأرض.
🔺 لكن السيد الشهيد يرفض هذه النظرية ويقول:
إن الإيمان لم يكن وليد تناقض طبقي، من صنع ظالمين تكريسا لهم لاستغلالهم.
ولا مظلومين تنفيسا لهم.
س/ لماذا؟
لأن هذا الإيمان كان موجود في تاريخ البشرية قبل أن توجد أيّ تناقضات طبقية.
🔹 النظرية الثانية: نظرية الخوف
حيث قالوا: إن الاقبال على الدين والتدين في تاريخ الإنسان ينشأ من الخوف، فالإنسان يرى نفسه ضعيفا إلى حدّ ما في هذه الحياة.
فالخوف هو الأم الأولى للآلهة والدين.
فالانسان يخاف:
• من الكوارث الطبيعية: الصواعق والزلازل وغيرها.
• من الإنسان وما يسببه من دمار وحروب.
• من نفسه وأعماله غير اللائقة وشهواته.
بالتالي هو يلجأ إلى الدين للتخفيف من حدة هذا الخوف.
🔺 لكن هذه النظرية غير صحيحة، فالايمان لم يكن وليد مخاوف وشعور بالرعب.
س/ لماذا؟
لو كان الدين وليد المخاوف لكان أكثر الناس تدينا هم أشدهم خوفا وهلعا،
لكننا نرى الذين حملوا مشعل الدين كالأنبياء والأوصياء والقادة هم أكثر الناس قوة وصلابة، وأكثرهم إقدام لمواجهة مظاهر العنف والإيذاء من أقوامهم إلى يومنا الحاضر.
و أيضا إن العلماء في عصرنا تعرفوا أكثر من غيرهم على الأسباب والعلل للحوادث الطبيعية (بمعنى زوال الخوف من هذه الكوارث) لكنهم مع ذلك مؤمنون بوجود خالق حكيم.
🔹 النظرية الثالثة: نظرية الفطرة.
أي أن الإنسان أدرك الخالق بفطرته ومن ثم تعلق به، من دون الحاجة إلى التعلم.
فمن الخصائص النفسية للإنسان الدافع الفطري لمعرفة الحقائق (ما نسميه حب الاستطلاع) يدفع الإنسان إلى التأمل والتفكير منذ بداية طفولته حتى نهاية عمره.
يبحث في كل المسائل والقضايا وفي الحقائق (ومن ضمنها الدين) من دون الحاجة إلى دليل.
فعندما يرى باقة من الورد الجميل ذات عطر زكي فهو يقر بجمالها ويقول أنها جميلة من دون الحاجة إلى دليل.
وهذا الاندفاع نحو العلم وحب الاستطلاع الفطري يدفع الإنسان إلى معرفة الخالق.
فعندما يكون للإنسان حب استطلاع لمعرفة الحقائق ويدرس عشرات السنين ليتعرف على دورة حياة النبات، والنمل، والطيور ، والأسماك والبحر الذي تعيش فيه ... إلخ
ألا يدفعه ذلك لمعرفة مصدر هذا البحر ومصدر هذا النظام ؟
كل هذا يجذبه إلى معرفة الخالق الصانع الحكيم.
🔸 هنا السيد الشهيد يدعم هذه النظرية ويقول:
إن الايمان يعبر عن نزعة أصيلة في الإنسان إلى التعلق بخالقه، ووجدان راسخ يدرك بفطرته علاقة الإنسان بربه وكونه.
🔸 كان الإيمان فطري ووجداني، ثم بعد ذلك وُجدت المفاهيم الفلسفية:
الكل والجزء،
الوجوب والإمكان والإستحالة،
التقدم والتأخر،
الوجود والعدم،
العلة والمعلول ... إلخ
واستعملت هذه المفاهيم في دعم الإيمان بالله عزوجل بالاستدلال والبراهين.
لكن أدرك المفكرون أن هذه المفاهيم والمصطلحات الفلسفية لا تكفي بمفردها للتعرف على الطبيعة وقوانينها، والتعرف على أسرار الكون.
لذلك لابد من أداة أخرى لهذه المعرفة ألا وهي التجربة.
فجعلوا الحس والملاحظة العلمية هما المنطلق والأساس لاكتشاف قوانين الطبيعة، يُقال: من فقد حسا فقد علما.
فالاتجاه الحسي والتجريبي مفيد في تطوير الخبرة البشرية بالكون وتوسيعها.
فالإنسان يكتشف ما يحيط به من أسرار الكون ونظامه الشامل عن طريق الحس والتجربة بالإضافة إلى العقل والتفكير.
فالعلماء استخدموا الحس والتجارب في البحث عن قضايا الطبيعة ولم يكتفوا بالجلوس والتفكير.
📍ذُكر في الكتاب نماذج لعلماء بعضهم اكتفى بالتفكير والبعض الآخر مارس الملاحظة والتجربة:
◇ أرسطو: عالم يوناني اعتبر المعلم الأول في علم المنطق، وهو أيضا عالم في الفلسفة، والطبيعة في الفيزياء والأحياء، وعلم الأخلاق والسياسة وغيرهم.
أرسطو جلس يفكر في نوع العلاقة بين حركة الأجسام وفي القوة المحركة لها.
فقسم العالم إلى قسمين:
عالم ما تحت القمر، و عالم ما فوق القمر.*
وقال: إن الحركة في عالم ما تحت القمر -و هو العالم الذي نوجد فيه على الأرض - تكون *قسرية و مستقيمة*، أي أنّها لا تحدث إلا بفعل فاعل، وأن الأصل في هذا العالم هو السكون و ليس الحركة، و لهذا فكل حركة فيه تنتهي إلى السكون.
وأن كل جسم طبيعي له خاصية ذاتية تحركه إلى مكانه الطبيعي.
⚡ فعلى رأيه:
عندما نرمي الحجر في السماء فإنه يعود للأرض، ليس بفعل الجاذبيّة و إنّما لأن الحجر من تراب فيعود للتراب، وبعد عودته يسكن بسبب زوال القوة المحركة.
أما الحركة في عالم ما فوق القمر*- تكون عكس الحركة في عالم الأرض - فهي حركة دائمة و غير قسريّة، وهي حركة دائريّة، و لهذا فالكواكب تدور.
أرسطو اكتفى بالجلوس والتفكير
لمعرفة أسرار الكون، و هذا ما توصل له أرسطو من خلال تفكيره.
◇ لكن غاليليو لم يكتف بالجلوس والتفكير بل قام بإجراء التجارب وتسجيل الملاحظات عليها.
غاليليو: هو عالم فلك ورياضيات وفيلسوف*وفيزيائي أيضا، وهو الذي حاكمته الكنيسة لأنه قال أفكار تناقض معتقداتهم بالرغم أنها هي الصحيحة.
قام غاليليو بإثبات خطأ نظرية* أرسطو*حول الحركة، وذلك عن طريق الملاحظة والتجربة عن طريق التكنولوجيا الجديدة للتلسكوب.*
استنتج: أن الجسم إذا تعرض لقوة تحركة فلن يكف عن الحركة حتى إذا انتهت تلك القوة إلى ان يتعرض لقوة توقفه.
⬅ فنجد هنا أن استخدام الحس والتجربة خدم العلم وأعطى نتائج أدق في الكشف عن قوانين الطبيعة والظواهر الكونية.
وهذا الإتجاه الحسي والتجريبي في الكشف عن قوانين الطبيعة يمر بمرحلتين:
🔹 مرحلة الحس والتجربة وتجميع المعطيات.
🔹 مرحلة العقل: أي الاستنتاج والخروج بقاعدة أو قانون.
السيد الشهيد يؤكد على أهمية الحس والتجربة، لكن في نفس الوقت يبين عدم الاستغناء والاكتفاء بهما عن العقل.
لا نكتفي بالحس عن العقل، ولا نكتفي بالعقل عن الحس.
فكل قانون من قوانين الطبيعة يُكتشف عن طريق الملاحظات التي تُجمع في مرحلة الحس والتجربة ثم الموازنة والتنسيق بينها للخروج بنتيجة نهائية عن طريق العقل.
⚡ وذكر مثال: قانون الجاذبية لنيوتن
وكيف جمع ملاحظاته عن طريق الحس أولا:
من ملاحظة حركة الأجسام الساقطة على الأرض، وملاحظة دوران القمر حول الأرض، والكواكب حول الشمس.
والاستعانة بنظريات العلماء الآخرين:
مثل نظرية التعجيل (التسارع) لغاليليو سواء على الأسطح العمودية أو المائلة.
وقوانين كبلر.
⬅ بعدها نسّق بينها ووضع قانون الجاذبية.
🔺 قانون نيوتن ينص على أنه:
توجد قوة تجاذب بين أي جسمين في الكون تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتيهما، وتتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بين مركزيهما.
(هناك تجاذب بين الأرض والقمر، تجاذب بين الشمس وكواكب المجموعة الشمسية لذلك هي تسير بدقة متناهية)
⬅ فهذه الدقة في الملاحظات الطبيعية والدقة الحاصلة في حركة الكواكب والمسافة بينها وهذا التناسق في النظام، ماهي إلا دلائل تشير إلى وجود صانع حكيم ومحيط بهذا الكون.
كما نلاحظ الدقة على جهاز بسيط كالجوال وكيف ربطت أجزائه بكل دقة وعناية فلو أصاب جزء منها خلل لتعطل الجوال وتوقف، فهذا دليل على عبقرية صانع الجوال وذكائه.
فكيف بهذا الكون؟!
لكن علماء الطبيعة لم يكونوا معنيين بتجلية وتوضيح ودعم هذه القضية *وهي قضية وجود الصانع الحكيم.*
باعتبارهم علماء طبيعة
وأن هذه القضية هي مسألة فلسفية
كما هو السائد عندهم.
بل ونشأت نزعات فلسفية ومنطقية متطرفة تحاول أن تفلسف الإتجاه الحسي.
بحيث أعلنت أن الوسيلة الوحيدة للمعرفة هو الحس فقط.
فكل شيء غير محسوس، ولا يمكن إجراء التجارب عليه فلا يمكن إثباته.
من هنا استخدم الإتجاه الحسي والتجريبي لضرب فكرة الإيمان بالله عزوجل
س/ كيف؟
بما أن الوسيلة الوحيدة للمعرفة - على رأيهم - هي الحس، وبما أن الله عزوجل ليس كائن محسوس ولا يمكن رؤيته والإحساس بوجوده.
⬅ .•. فلا يمكن إثبات وجوده.
هذه النتيجة لم تكن من العلماء التجريبين، وإنما من أصحاب النزعة الفلسفية التي فسرت الإتجاه الحسي تفسيرا فلسفيا ومنطقيا خاطئا.
نتوقف إلى هنا وبإذن الله تعالى نتعرف في الحصة القادمة على التناقضات التي وقعت فيها النزعات المتطرفة.
والحمد لله رب العالمين.
انتهى الدرس،،،
|