عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-19-2017, 01:18 PM
الادارة الادارة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 117
افتراضي السنن التاريخية في القرآن الكريم

ثم بعد ذلك اختار موضوعا من الموضوعات في القرآن الكريم ألا وهو (( سنن التاريخ في القران الكريم ))
هل للتاريخ البشري سنن وقوانين في مفهوم القرآن الكريم ، تتحكم في مسيرته وفي حركته وتطوره ؟
ماهي هذه السنن التي تتحكم في التاريخ البشري ؟ كيف بدأ التاريخ البشري ؟ كيف نما ؟ كيف تطور ؟ ....
وبعد ذلك وضح بأنه قد يتوهم البعض ، أننا لا ينبغي أن نترقب من القرآن الكريم أن يتحدث عن سنن التاريخ ، لأن البحث في سنن التاريخ بحث علمي ، والقرآن الكريم لم ينزل كتاب اكتشاف بل كتاب هداية وتغيير ، وبين أنه يوجد فرق جوهري بين الساحة التاريخية وبقية ساحات الكون ، هذا الفرق الجوهري يجعل من هذه الساحة ومن سننها أمرا مرتبطا أشد الارتباط بوظيفة القرآن ككتاب هداية ، خلافا لبقية الساحات الكونية الأخرى للمعرفة البشرية ، وذلك أن القرآن الكريم كتاب هداية ، ولكنه عملية تغيير عبر عنها في القران الكريم بأنها إخراج للناس من الظلمات إلى النور ، وعملية التغيير التي مارسها القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها جانبان :

الجانب الأول : من حيث صلتها بالشريعة وبالوحي .
الجانب الثاني : من حيث كونها عملا قائما على الساحة التاريخية ، فهي جهد بشري يقاوم جهودا بشرية أخرى . واستدل من الآيات الكريمة التي أعطت فيها الفكرة الكلية ، فكرة أن التاريخ له سنن وضوابط ، ما يلي :
( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ )( سورة يونس 49)
وبين في هذه الآية ، أن الأجل أضيف إلى الأمة ، لا إلى الفرد ، فهناك أجل محتوم لكل إنسان بوصفه فردي ، وأجل آخر للوجود الاجتماعي للأفراد ، هذا المجتمع يعبر عنه القران الكريم بالأمة ، له أجل ، له موت ، له حياة ، له حركة ، كما أن الفرد يتحرك فيكون حيا ثم يموت ، كذلك الأمة تكون حية ثم تموت ، كما أن موت الفرد يخضع لأجل ولقانون ، كذلك الأمم أيضاً لها آجالها المضبوطة وقوانينها .
( وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ )( سورة الحجر4)
ظاهر الآية ، أن الأجل الذي يترقب هؤلاء هو الأجل الجماعي لا الأجل الفردي ، الجماعة بوجودها المعنوي الكلي .
( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) ( سورة الكهف 58)
تحدث القرآن الكريم عن أنه لو كان الله يريد أن يؤاخذ الناس بظلمهم وبما كسبوا ، لأهلك الناس جميعا .
ولكن وقعت مشكلة في كيفية تصوير هذا المفهوم القرآني حيث أن الناس ليسوا كلهم ظالمين عادة ، فيهم الأنبياء والأئمة والاوصياء ، فهل يشمل هؤلاء الهلاك ؟ واستغل البعض هاتين الآيتين لإنكار عصمة الأنبياء عليهم السلام ، والحقيقة أنه يتحدث عن عقاب دنيوي لا عن عقاب أخروي ، تتحدث عن النتيجة الطبيعة لما تكسبه أمة عن طريق الظلم والطغيان ، فهي تعم أبناء المجتمع على اختلاف هوياتهم وسلوكهم .
فمثلا حينما وقع التيه أربعين عاما على بني إسرائيل نتيجة ما كسب هذا الشعب ظلمه وطغيانه وتمرده ، لم يختص الظالمين فقط من بني إسرائيل وإنما شمل موسى عليه السلام ، وهو أطهر الناس وأزكاهم وأشجعهم ، شمل موسى عليه السلام لأنه جزء من تلك الأمة ، وبهذا شمله التيه .
حينما حل البلاء والعذاب بالمسلمين نتيجة انحرافهم ، فأصبح يزيد بن معاوية خليفة عليهم ، يتحكم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وعقائدهم ، لم يختص بالظالمين ، وإنما شمل الحسين عليه السلام ، أطهر وأزكى وأطيب وأعدل الناس ، حيث قتل المعصوم عليه السلام وأصحابه وأهل بيته .
هذا هو كله هو منطق سنن التاريخ .. والعذاب يأتي في الدنيا على مجتمع وفق هذه السنن ، لا يختص بخصوص الظالمين من أبناء ذلك المجتمع ولهذا قال القرآن الكريم في آية أخرى :
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (سورة الأنفال 25 )
وهناك آيات أخرى حثت على الاستقراء والنظر والتدبر في الحوادث التاريخية من أجل الخروج بسنن كونية للساحة التاريخية :
( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ( سورة يوسف 109)
وبين هنا أن القران يؤكد على أن الساحة التاريخية لها سنن وضوابط ، فالإنسان كان يفسر التاريخ بوصفه كومة متراكمة من الأحداث ، او على أساس الصدفة او على اساس القضاء والقدر والاستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى ، القرآن الكريم قاوم هذه النظرة العفوية الاستسلامية ، ونبه العقل البشري إلى أن هذه الساحة لها سنن وقوانين ، ولكي تستطيع أن تكون إنسانا فاعلا مؤثرا ، لابد لك أن تكتشف هذه السنن وتتعرف على تلك القوانين لكي تستطيع أن تتحكم فيها وإلا تحكمت هي فيك .

حقائق قرآنية عن سنن التاريخ :
أوضحت النصوص القرآنية فكرة السنن التاريخية وأكدت عليها يمكن أن نستخلص ثلاث حقائق أكد عليها القران الكريم :
الحقيقة الأولى :
الاطراد بمعنى أن السنن التاريخية ليست علاقة عشوائية قائمة على أساس الصدفة والاتفاق وإنما هي علاقة ذات طابع موضوعي ، لا تتخلف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )
( الفتح 23 )
الحقيقة الثانية :

مرتبطة بالله سبحانه وتعالى ، كل قانون من قوانين التاريخ قرار رباني ، يستهدف ربط الإنسان حينما يريد أن يستفيد من القوانين الموضوعية للكون بالله سبحانه ، فقد يتوهم البعض أن هذا الطابع الغيبي الذي يلبسه القرآن الكريم السنن التاريخية يبعد القرآن عن إطار التفسير العلمي الموضوعي للتاريخ ويجعله يتجه اتجاه التفسير الإلهي للتاريخ ، الذي مثلته مدرسة الفكر اللاهوتي .
لكن الحقيقة أن هناك فرق أساسي بين الاتجاه القرآني في ربط سنن التاريخ بعالم الغيب وبين ما يسمى بالتفسير الالهي للتاريخ الذي تتبناه اللاهوت ، فالاتجاه اللاهوتي يتناول الحادثة نفسها ويربطها بالله سبحانه قاطعا صلتها مع بقية الحوادث ، بينما القرآن الكريم يربط السنة التاريخية بالله ويربط أوجه العلاقات والارتباطات بين الحوادث التاريخية فهي تعبر عن حكمة الله سبحانه وتعالى .
فنرى الطابع الرباني الذي يسبقه القرآن الكريم ليس بديلا عن التفسير الموضوعي وإنما هو ربط لهذا التفسير الموضوعي بالله سبحانه من أجل إكمال اتجاه الإسلام نحو التوحيد بين العلم والإيمان في تربية الإنسان المسلم .
الحقيقة الثالثة :
اختيار الإنسان و إرادته ، وهذا مهم جدا لأن البحث في سنن التاريخ خلق وهما عند كثير من المفكرين بأن هناك تعارضا وتناقضا بين حرية الإنسان واختياره وبين سنن التاريخ ، ومن هنا عالج القرآن هذه النقطة ، ويؤكد على أن المحور في تسلسل الأحداث والقضايا إنما هو إرادة الإنسان .
( وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ((الجن16 )
تؤكد على مسؤولية الإنسان على الساحة التاريخية ..

ميدان سنن التاريخ
بين هنا ما هو ميدان هذه السنن التاريخية ؟
هل أن الساحة التاريخية بامتدادها هي ميدان للسنن التاريخية أو يمثل جزءا منها ؟
ما المقصود بالساحة التاريخية ؟
هي عبارة عن الساحة التي تحوي تلك الحوادث والقضايا التي يهتم بها المؤرخون ..
إذا فجزء معين من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ ..
مثلا موت أبي طالب ، موت خديجة في سنة معينة حادثة تاريخية مهمة تدخل في نطاق ضبط المؤرخين وتترتب عليها آثار كثيرة .
وهناك مميز نوعي للظاهرة التاريخية وهو ظهور علاقة فعل بغاية ، نشاط بهدف ، كون المستقبل محرما لهذا الفعل من خلال الوجود الذهني أي الفكر الذي يرسم للفاعل غايته ، إذن فالسنن النوعية للتاريخ موضوعها ذلك الجزء من الساحة التاريخية الذي يمثل عملا له غاية ، عملا يحمل علاقة إضافية إلى العلاقات الموجودة في الظواهر الطبيعية وهي العلاقة بالغاية والهدف ، بالعلة الغائية ، ولكن ليس معنى ذلك بالضرورة أن يكون كل عمل له غاية عملا تاريخيا تجري عليه سنن التاريخ بل يوجد بعد ثالث لابد أن يتوفر لهذا العمل لكي يكون عملا تحكمه سنن التاريخ.
إذن : البعد الأول = كان السبب
البعد الثاني = كان الغاية الهدف.
البعد الثالث = أن يكون لهذا العمل أرضية تتجاوز ذات الفرد العامل إلى المجتمع الذي يكون هذا الفرد جزءا منه ، قد يأكل ويشرب وينام الفرد ولكن هذه الأعمال على الرغم إنها هادفة تريد أن تحقق غايات ولكنها أعمال لا يمتد موجها أكثر من العامل ، خلافا لعمل يقوم به الانسان من خلال نشاط اجتماعي كالتاجر أو القائد أو السياسي أو المفكر ، هذه الأعمال لها موج يتعدى شخص العامل ، هذا الموج يتخذ من المجتمع أرضية له ، فالمجتمع يشكل علة مادية لهذا العمل باعتباره أرضية للعمل ، فهذا العمل يعتبر عملا تاريخيا ، عملا للأمة والمجتمع ، إذن العمل التاريخي الذي تحكمه سنن التاريخ هو العمل الذي يكون حاملا لعلاقة مع هدف وغاية ، وفي نفس الوقت ذا أرضية أوسع من حدود الفرد .
وكما يطلق أرسطو البعد الذي من ناحية العامل هو علة فاعلية والبعد من ناحية الهدف هو علة غائية والبعد من ناحية الأرضية وامتداد الموج ب العلة المادية ، في القران الكريم نجد تمييزا بين عمل الفرد الذي له بعدان وعمل المجتمع الذي له ثلاثة أبعاد :
قال تعالى : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )
فهنا يتحدث عن كتاب للأمة ، أمة جاثية تقدم كتابها وسجل نشاطها وحياتها التي مارستها كأمة
ونرى في هذه الآية ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)( الإسراء 13)
كل انسان مرهون بكتابه ، هذا كتاب الفرد ،
وهناك احضاران بين يدي الله سبحانه وتعالى ، إحضار للفرد لا يملك الا العمل الصالح والقلب السليم والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله قال تعالى ( ان كل من في السموات
وهناك إحضار اخر ، إحضار للأمة بين يدي الله سبحانه وتعالى (يومَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ )
هذا الاحضار من أجل إعادة العلاقات إلى نصابها الحق ، وسماه القرآن بيوم التغابن ، كل إنسان بقدر ما كان مغبونا في موقعه ووجوده في الأمة يأخذ حقه .




التعديل الأخير تم بواسطة الادارة ; 04-19-2017 الساعة 01:23 PM
رد مع اقتباس