عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-19-2017, 08:36 AM
الادارة الادارة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 117
افتراضي ثالثا : الخطبة الفاطمية

ثالثا : الخطبة الفاطمية
تعرية الخلافة الرشيدة
قرنت فاطمة في خطبتها بين أبيها القائد المستنقذ و أخيه البطل العسكري المواسي له في كل حال ، الثابت إلى جنبه عند النزال . وما أرادت بذلك إلّا لتثبت أحقيته بخلافة النبي ، فعلي لم يكن ليتوانى يوما حين فروا . وكان فيهم الفذّ الأخلص ، و المضطرمة بنور الإيمان جذوة حياته ، فهو بذلك الأكثر حيازة للزعامة الموكلة إليه .
ولعل ذهنية الخليفة وتابعيه قد استوعبت المفارقة فيما ذكرت فاطمة بين شأن الكرّار وغيره من الفرّارين ساعة النزال ، لتعود بهم إلى مواقف الهروب والانهزام والخذلان والتلكؤ والتجبين .
ثم وبصراحة موجّهة اتهمتهم بمخامرة المؤامرة الرهيبة في أنفسهم ، ووضع الخطط المحكمة لتنفيذها ، وتربص الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة ، وتجريد البيت الهاشمي من الخلافة ، ما ينمّ عن تجريمها للتشكيلات التحزبية وإبطالها لتلوناتها الزائفة .
لقد أدرك الحاكمون بكلام فاطمة انكشاف شذوذ حركتهم وتقصيرهم عن التصريح بنهجها وتبرير موقفها ، وبان جليا تخبطهم السياسي وافتضحوا بتسرعهم إلى إتمام البيعة في حدود لم تتجاوز أرض المدينة لتلهفهم إلى السلطة ، وأنهم المؤاخذون بالتأصيل للفتنة الحادثة التي كان يشفق منها محمد على أمته من بعده ،وقد ركسوا فيها منذ اليوم الذي منعوا فيه كتاب رسول الله حتى سقطوا في لجّة الخروج عن الحكومة الإسلامية الشرعية ، وفرض حكومتهم على أمة لم ترتضهم إلا سوقتها غير الحقيقين بتقدير مصير الأمة ودستورها ، ذوي الأشداق المزبدة الخابطين الناس بالعصي والماسحين على أيدي الناس مكرهين على البيعة. ومن العجب أن يُتعلل بهؤلاء بوسم أنهم أهل العقد والحل ومصدر السلطة الإسلامية !!
وأدركت الأمة جمعاء أن خلافة الشورى ماهي بشورى ولا يمكن أن تصل إلى الانتخاب وليس لها أن تكون نصا ، فأي كيان سياسي عرته كلمة المواجهة وأي استبداد فضحته ، حتى دار الزمان وحكم الثاني - نفسه - بفساد الأول وأمر بقتل المفسدين ممن عاد إلى مثل بيعة أبي بكر !!! وزادت أم المؤمنين وهي ممثلة الحزب الحاكم وصفها فقالت أنها سلطان الله الذي يأتيه البر والفاجر !!!

أخيرا : محكمة فدك
خرج الصديق بحكم المنع الاجتهادي الذي تقف دونه كثير من الاستفهامات وتترتب عليه كثير من الإسقاطات . فإن الصديق وهو العالم بملكية الزهراء الحقّة لفدك وحيازتها الفعلية لها منذ أيام الرسول يجيّر القضية من ملكية إلى ميراث و يجيز لنفسه صرف فدك عن فاطمة - وهو الولي المكلف بحفظ حقوق الرعية - ثم يطالبها بالبينة في ما لم ينازعها عليها أحد من المسلمين لتثبت حقها !.
الخليفة الذي روي عنه في خفاء أنه تردد كثيرا في قلقٍ بردّ فدك لفاطمة لو حصل له المؤيد والمشير بذلك ، قد أبدى ندمه ظاهرا آخر حياته للنقص المادي الملوس في حكمه على فاطمة .
وللتاريخ أن يلمس ضعف المُدرك القانوني الذي استند إليه مطمئنا بسماعه عن الرسول الأعظم في صيغة تتحمل وجوه ووجوه في بيانها : " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا و لا عقارا ولا دارا لكنما نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنة " ! والذي جعل مداره فاطمة دون باقي نساء النبي الشريكات في وراثة النبي الأعظم لعلة أن ما يترك الأنبياء إنما هو صدقة ! ولعمري لهذه الفقاهة كيف غفل عنها أنبياء الله وخاصته وأدركها الخليفة ! أم هل خصّه الرسول بالإسرار إليه في شأنها ليفهمها فاطمة بعد أبيها !!
نعم لا تورث الأنبياء المال زكاة لهم عن مادة الدنيا وتعلقاتها وإجلالا لمقام نبواتهم ، وهو أبرز ما يمكن فهمه من النص العلمي لمستند الخليفة عن رواية النبي . فليس معنى أن الأنبياء لا يورثون نفي حيازته لشي من المال ولعدم التوريث التشريعي ، ونفي الحكم بالإرث ليس توريثا حقيقيا ، بل التوريث الحقيقي تهيئة نفس التركة وهذا هو النفي في الحديث ، ليصير المعنى ( أن الأنبياء لا تركة لهم لتورث لعدم حيازتها أصلا ) . ويبدو أن ذهن الخليفة منصرف تماما إلى منع فدك وحجز أموالها ولذلك اختار لذيل الحديث تعابير مادية من أعلى المستويات فذكر الذهب والفضة والعقار وحقيق بالاستثناء المراد أن يكون من سقط المتاع الذي يتناسب وزهد الأنبياء ووظيفتهم الرسالية !
وإذا دار المدار حول ميراث العلم والحكمة فلا بيان لتشريع في وراثتها بل على توافرها في الأنبياء إلى حدّ يؤهلهم لنشرها وإشاعتها بين الناس ! فالمال وحده هو الذي ينتقل دون العلم والنبوة . ولو أخذنا بها مأخذ الخليفة على أبعد المسافات في تحقق الخلافة لعلي ، وقلنا أنه وارث علم رسول الله وشريعته أفهل يسع الخليفة مع هذا أن يذهب في تأّول حديث رسول الله مذهبه !؟ ولا يحتكم إلى وارث علمه في النصوص الواردة عنه ؟! أو ينكر شهادة علي في نحلة فاطمة ويطالبها بنصاب البينة برجلان أو رجل وامرأتين في حين لم يعهد عنه مطالبة أحد من المسلمين بالبينة !؟
هذه الاستدلالات لم تكن من الزهراء محل مناقشة واهتمام إذ أن الظرف لم يسع لتداولها ولم تكن الزهراء لتحول قضيتها الأولى فيما يتصل بهدفها وغرضها الأساس الذي وقفت من أجله إلى جدلية عبثية تجر الاستنكار في معارضة حادة . وإنما كان احتجاجها في الوجوه البديهية التي خاطبت بها العقول والقلوب فاستعرضت آيات الميراث في القرآن وكان هذا كفيلا وكافيا في بيان مناقضة الخليفة للقرآن وحاجزا دون انتصار أحد إلى رأيه ، ولها بعد ذلك أن تستعلم باستنكار إن كان الخليفة أعلم بتأويلها وتطبيقاتها وأحكامها من رسول الله المنزل إليه الوحي ! .
لقد جهد الصديق في أن إثبات أن الرسول أخبر بعدم تملّكه للأموال القائمة وأشار إلى تركتها بوصف الصدقة وتصرف في مقدرات الأمة بلا سلطان شرعي . ووقف موقف الحاكم مع أن خلافته لم تكتسب بعد لونها الشرعية ولم يثبت لها ذلك ، متغاضيا عن عصمة الزهراء المثبتة لها بنص آية التطهير التي لا يتوهم أحد معها صواب دعوى فاطمة . فإن النص بالعصمة هو نص بالنحلة . و إن ما يعلمه الخليفة من صدق الزهراء حقيقة لا تقبل التوهم الخاطئ أو الجهل بسبب شهادة الله تعالى بعصمتها وصدقها ، وهو الأولى بالأخذ في مصداق المجال القضائي ، لكنه أغفل الواقع المعلوم لديه ، وعليه إذا كانت الزهراء صادقة في علمه وليس من الناس من ينازعها فليس للخليفة أن ينتزع فدكا منها وتحديد الحكم بالبينة خاصة إنما يحرم الحكم ولا يجيز انتزاع الملك من صاحبة .
استشهدت فاطمة واجدة ساخطة على أبي بكر منكرة لإمامته ولمخالفته الآيات والأخبار في قضية انتزاع فدك ومنعها ميراثها وسهم ذي القربى ، حاكما بغير ما أنزل الله ورسوله ، مفترٍ على الرسول وآله بما شهد ، مؤذٍ لهم بما فعل . وقضى أبو بكر ندمانا أسفا حيث لا ينفع بحلول الغضب أسف .

الكاتبة : آمال ناصر المتوزي

التعديل الأخير تم بواسطة الادارة ; 04-19-2017 الساعة 08:48 AM
رد مع اقتباس