
04-18-2017, 10:47 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 117
|
|
عملية التغيير :
وعملية التغيير هذه فيها جانبان:
🌀 الجانب الأول: جانب المحتوى والمضمون الذي تدعوا إليه هذه العملية التغيرية ويتمثل بالشريعة التي نزلت على النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا الجانب من عملية التغيير جانب رباني سماوي يمثل شريعة الله تعالى.
🌀 الجانب الثاني: عملية التغيير بوصفها تجسيدا بشريا واقعا على الساحة التاريخية مترابطا مع الجماعات والتيارات الأخرى التي تكتنف هذا التجسيد والتي تؤيد أو تقاوم هذا التجسيد، وهي من هذا الجانب عملية بشرية، تتحكم فيها إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكم في بقية الجماعات وفي بقية الفئات على مر الزمن.
حينما أراد القرآن أن يتحدث عن انكسار المسلمين في غزوة احد بعد أن أحرزوا ذلك الانتصار الحاسم في غزوة بدر، قال: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) آل عمران/140.
هنا اخذ يتكلم عن المسلمين بوصفهم أناسا، قال: بأن هذه القضية هي في الحقيقة ترتبط بسنن التاريخ، المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعية للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في احد حينما كانت الشروط الموضوعية في معركة احد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة. (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس) آل عمران/140.
لا تتخيلوا أن النصر حق الهي لكم، وإنما النصر حق طبيعي لكم بقدر ما يمكن أن توفروا الشروط.
الموضوعية لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيا لا تشريعيا، وحيث أنكم في غزوة احد لم تتوفر لديكم هذه الشروط ولهذا خسرتم المعركة.
وهنا كلام مع بشر , مع عملية بشرية لا رسالة ربانية , بل يذهب القرآن إلى أكثر من ذلك حين يهدد هذه الجماعة البشرية التي كانت أنظف واطهر جماعة على مسرح التاريخ بأنهم إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي، وإذا لم يكونوا على مستوى مسؤولية رسالة السماء فهذا لا يعني أن تتعطل رسالة السماء ولا أن تسكت سنن التاريخ عنهم ؟ فإن سنن التاريخ سوف تعزلهم وسوف تأتي بأمم أخرى قد تهيأت لها الظروف الموضوعية الأفضل لكي تلعب هذا الدور، ولتكن شهيدة على الناس إذا لم تتهيأ لهذه الأمة الظروف الموضوعية لهذه الشهادة : (ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير) التوبة/39. (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذله على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) . المائدة/54.
وهنا نلاحظ أن القران الكريم يحتفظ دائما بوصفة الأساسي والرئيسي , كتاب هداية كتاب إخراج للناس من الظلمات إلى النور , يعطي مقولاته على الساحة التاريخية , ويشرح سنن التاريخ بالقدر الذي يلقي ضوءا على عملية التغيير التي مارسها النبي (صلى الله عليه وآله ), بقدر ما يكون موجها وهاديا وخالقا لرؤية موضوعية للأحداث والظروف والشروط
📌 للقران الكريم أساليب في بيان سنن التاريخ :
فقد بينها بأشكال مختلفة وبأساليب متعددة في كثير من الآيات، مرة على مستوى إعطاء نفس هذا المفهوم بالنحو الكلي: إن للتاريخ قوانين ، ومرة أخرى بينها على مستوى عرض نفس هذه القوانين وبيان أمثلة منها، وثالثة بينها في سياق امتزاج النظرية مع التطبيق. كما أكد في آيات أخرى على استقراء التاريخ، وهي عملية بطبيعتها تريد إن تفتش عن سنة وقانون، وإلا فلا معنى للاستقراء من دون افتراض ذلك.
قال تعالى (وان كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا)9 الإسراء/76ـ77 وقال: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) الأنعام/34. (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم) محمد/10.
كشف القرآن عن سنن التاريخ وإن المفهوم القرآني يعتبر فتحا عظيما للقرآن الكريم ؛ لأننا في حدود ما نعلم , نجد إن القرآن الكريم أول كتاب عرفه الإنسان أكد على هذا المفهوم وكشف عنه وأصر عليه وقاوم بكل ما لديه من وسائل الإقناع والتفهيم، قاوم النظرة العفوية أو النظرة الغيبية الاستسلامية لتفسير الأحداث، الإنسان الاعتيادي كان يفسر أحداث التاريخ بوصفها كومة متراكمة من الأحداث، قائمة على الصدفة، القرآن الكريم قاوم هذه النظرة العفوية وقاوم هذه النظرة الاستسلامية ونبه العقل البشري إلى أن هذه الساحة لها سنن ولها قوانينها، وانه لكي تستطيع أن تكون إنسانا فاعلا مؤثرا لابد لك أن تكتشف هذه السنن، لابد لك أن تتعرف على هذه القوانين لكي تستطيع أن تتحكم فيها.هذا الفتح القرآني الجليل هو الذي مهد إلى تنبه الفكر البشري بعد ذلك بقرون، إلى أن تجري محاولات لفهم التاريخ فهما علميا. بعد نزول القرآن بثمانية قرون بدأت هذه المحاولات، بدأت على أيدي المسلمين أنفسهم، فقام ابن خلدون بمحاولة لدراسة التاريخ وكشف سننه وقوانينه، ثم بعد ذلك بأربعة قرون على أقل تقدير, اتجه الفكر الأوربي في بدايات ما يسمى بعصر النهضة، بدأ لكي يجسد هذا المفهوم، هذا المفهوم الذي ضيعه المسلمون، والذي لم يستطيع المسلمون أن يتوغلوا إلى أعماقه، هذا المفهوم أخذه الفكر الغربي في بدايات عصر النهضة، وبدأت هناك أبحاث متنوعة ومختلفة حول فهم التاريخ وفهم سنن التاريخ .
ونشأت على هذا الأساس اتجاهات مثالية ومادية ومتوسطة ومدارس متعددة ، كل واحدة منها تحاول أن تحدد نواميس التاريخ. وقد تكون المادية التاريخية أشهر هذه المدارس وأوسعها تغلغلا وأكثرها تأثيرا في التاريخ نفسه.
|