عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-17-2017, 10:57 PM
الادارة الادارة غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 117
افتراضي الفصل الثالث / تاريخ الثورة

💠الفصل الثالث/ تاريخ الثورة

ارتبط تاريخ الثورة بيوم السقيفة والتي لم تكن وليدة لحظتها! ونعلم أن أبو بكر وعمر كانا من موجهي الحركة العامة آنذاك فتاريخهم تاريخ ذلك العصر، وإذا سلمنا أن الإسلام في أيام الخليفتين كان مهيمنا، والفتوحات متصلة والحياة متدفقة بمعاني الخير ولكن هل يمكن أن نقبل أن التفسير الوحيد لهذا وجود الصديق أو الفاروق على كرسي الحكم ؟
الجواب/ يتلخص في أمرين:
الأول: أن الحاكمين كانوا في ظرف دقيق لا يتسع للتغيير والتبديل في اسس السياسة لأنهم تحت مراقبة النظر الأسلامي العام الذي كان مخلصا كل الأخلاص لمبادئه، وجاعلا لنفسه حق الأشراف على الحكم والحاكمين.
الثاني: ولأنهم يتعرضون لو فعلوا شيئا من ذلك لمعارضة خطرة من الحزب الذي ما يزال يؤمن بأن الحكم الأسلامي لا بد أن يكون مطبوعا بطابع محمدي خالص، وأن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدس هو علي - وارث رسول الله ووصيه وولي المؤمنين من بعده .

بواعث الثورة:
إننا ندرك بوضوح، ونحن نلاحظ الظرف التاريخي الذي حف بالحركة الفاطمية، أن البيت الهاشمي المفجوع بعميده الأكبر قد توفرت له كل بواعث الثورة على الأوضاع القائمة، والانبعاث نحو وتغييرها وإنشائها إنشاء جديدا، وأن الزهراء قد اجتمعت لها كل إمكانيات الثورة ومؤهلات المعارضة التي قرر المعارضو ن أن تكون منازعة سلمية مهما كلف الأمر. وإننا نحس أيضا إذا درسنا الواقع التاريخي لمشكلة فدك ومنازعاتها بأنها مطبوعة بطابع تلك الثورة، ونتبين بجلاء أن هذه المنازعات كانت في واقعها ودوافعها ثورة على السياسة العليا وألوانها التي بدت للزهراء بعيدة عما تألفه من ضروب الحكم، ولم تكن حقا منازعة في شئ من شؤون السياسة المالية، والمناهج الاقتصادية التي سارت عليها خلافة الشورى.
وإذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطمية من اصولها، فعلينا أن ننظر نظره شاملة عميقة لنتبين حادثتين متقاربتين في تاريخ الأسلام:
أحدهما: الثورة الفاطمية على الخليفة الأول التي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، وترمي بخلافته بين مهملات التاريخ.
والاخرى: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة ام المؤمنين بنت الخليفة الموتور في وجه علي زوج الصديقة الثائرة على أبيها.
وقد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا مع فارق بينهما وهو أن الزهراء فشلت بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول: أقيلوني بيعتي، والسيدة عائشة فشلت فصارت تتمنى أنها لم تخرج إلى حرب ولم تشق عصا طاعة.

كانت فدك معنى رمزيا يرمز إلى المعنى العظيم ولا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة، وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك في التي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية منكمشة في افقها، محدودة في دائرها إلى ثورة واسعة النطاق رحيبة الأفق. ادرس ما شئت من المستندات التاريخية الثابتة للمسألة، فهل ترى نزاعا ماديا، أو ترى اختلافا حول فدك بمعناها المحدود وواقعها الضيق؟؟
كلا ! بل هي الثورة على اسس الحكم، والصرخة التي أرادت فاطمة أن تقتلع بها الحجر الأساسي الذي بني عليه التاريخ بعد يوم السقيفة. ويكفينا لأثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة التي خطبتها الزهراء في المسجد أمام الخليفة وبين يدي الجم المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنها دارت أكثر ما دارت حول امتداح علي والثناء على مواقفه الخالدة في الأسلام وتسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنهم الوسيلة إلى الله في خلقه وخاصته وحجته في غيبه، وورثة أنبيائه في الخلافة والحكم. وإلفات المسلمين إلى حظهم العاثر واختيارهم المرتجل وانقلابهم على أعقابهم، وورودهم غير شربهم، وإسنادهم الأمر إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلى ترك الكتاب ومخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والأمامة. فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث ونحلة إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا، وليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء (مسألة إسلام وكفر، ومسألة إيمان ونفاق، ومسألة نص وشورى)

دليل آخر على هدف الزهراء وقصدها:
لم يؤثر عن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهن خاصمن أبا بكر في شئ من ميراثهن، أكن أزهد من الزهراء في متاع الدنيا، وأقرب إلى ذوق أبيها في الحياة ؟ أو أنهن اشتغلن بمصيبة رسول الله ولم تشتغل بها بضعته، أو أن الظروف السياسية هي التي فرقت بينهن فأقامت من الزهراء معارضة شديدة، ومنازعة خطرة دون نسوة النبي اللاتي لم تزعجهن أوضاع الحكم. وأكبر الظن أن الصديقة كانت تجد في شيعة قرينها، وصفوة أصحابه الذين لم يكونوا يشكون في صدقها من يعطف شهادته على شهادة علي وتكتمل بذلك البينة عند الخليفة. أفلا يفيدنا هذا أن الهدف الأعلى لفاطمة الذي كانوا يعرفونه جيدا ليس هو إثبات النحلة أو الميراث، بل القضاء على نتائج السقيفة ؟ وهو لا يحصل بإقامة البينة في موضوع فدك، بل بأن تقدم البينة لدى الناس جميعا على أنهم ضلوا سواء السبيل
سؤال/ ما دام أن الثورة كانت سياسية وعلى الحكم المنقلب فلماذا لم يتجه للمعارضة الإمام علي(ع) وتوجهت إليها الزهراء(ع)؟
الجواب/
قد توفرت في المقابلة الفاطمية ناحيتان لا تتهيئان للأمام فيما لو وقف موقف قرينته:
(إحداهما) إن الزهراء أقدر منه بظروف فجيعتها الخاصة ومكانتها من أبيها، على استثارة العواطف، وإيصال المسلمين بسلك من كهرباء الروح بأبيها العظيم صلوات الله عليه وأيامه الغراء وتجنيد مشاعرهم لقضايا أهل البيت(ع).
(والاخرى) إنها مهما تتخذ لمنازعتها من أشكال فلن تكتسب لون الحرب المسلحة التي تتطلب زعيما يهيمن عليها ما دامت امرأة وما دام هارون النبوة في بيته محتفظا بالهدنة التي أعلنها حتى تجتمع الناس عليه ومراقبا للموقف ليتدخل فيه متى شاء، متزعما للثورة إذا بلغت حدها الأعلى أو مهدثا للفتنة إذا لم يتهيأ له الظرف الذي يريده. فالحوراء بمقاومتها إما أن تحقق انتقاضا إجماعيا على الخليفة وإما أن لا تخرج عن دائرة الجدال والنزاع ولا تجر إلى فتنة وانشقاق.
وتتلخص المعارضة الفاطمية في عدة مظاهر:
(الأول) إرسالها لرسول ينازع أبا بكر في مسائل الميراث ويطالب بحقوقها وهذه هي الخطوة الاولى التي انتهجتها الزهراء (ع) تمهيدا لمباشرتها للعمل بنفسها.
(الثاني) مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاص وقد أرادت بتلك المقابلة أن تشتد في طلب حقوقها من الخمس وفدك وغير هما لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة.
(الثالث) خطبتها في المسجد بعد عشرة أيام من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في شرح النهج لابن أبي الحديد.
(الرابع) حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زاراها بقصد الاعتذار منها وإعلانها غضبها عليهما وأنهما أغضبا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك .
(الخامس) خطابها الذي ألقته على نساء المهاجرين والأنصار حين اجتماعهن عندها.
(السادس) وصيتها بأن لا يحضر تجهيزها ودفنها أحد من خصومها وكانت هذه الوصية الأعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة.
رد مع اقتباس