☄🌟☄🌟☄🌟☄🌟☄
سلسلة ..
🕋
أمير الحاج 🕋
🔘الحلقة الرابعة 🔘
الحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة وأحسن التسليم على النبي المصطفى الصادق البار الأمين أبي القاسم محمد ..
( السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ في أرْضِه، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ اللهِ في خَلْقِه، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يَهْتَدي بِهِ الْمُهْتَدُونَ وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنينَ، ...اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الْحَياةِ... )
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
نبارك لكم أيام هذا الشهر الشريف، أيام شهر رسول الله صلى الله عليه وآله، شهر شعبان الذي أحفه الله عز وجل بالرحمة والرضوان -( أُشيرَ سابقاً في مقدمة هذه الحلقات أنها أُلقيت في أيام شهر شعبان المعظم ١٤٣٢هـ ) - هو شهرٌ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدأب في صيامه وقيامِه، ولعل المعنى في قيام ومعاملة رسول الله (عليه أفضل الصلاة والسلام) لشهر شعبان بهذا الخضوع لله عز وجل له أبعاد ومعاني؛ ولعل أحد هذه الأبعاد ما كان يهيئه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الشهر لكي يكون محطة لتكامل الإنسان وسيره لله عز وجل ، لهذا كان الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) يحرك الأمة ويوجهها لِتُعِينَهُ عليه.
☄العلة والغاية من إجلال شهر شعبان :
الغاية التي يريدها ويتوخاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشمل كل أحباب المصطفى، حيث كان يرسل مناديًا ينادي في الأمة المؤمنة -وأنتم إن شاء الله منهم- : (أنا مُرسل من رسول الله إلَيْكُم) .
إذن هناك غاية وهدف في هذا الشهر المعظم (شهر شعبان)، وهناك برنامج وخطة محمدية لهذا الشهر، وهذه الخطة تتقوم بعبادته (صلوات الله عليه) ، حيث كان يدأب في صيامه وقيامه . ولكن تمام هذه الخطة هو أن نعين المصطفى (عليه الصلاة والسلام) على قيام هذا الشهر .
من خطبة الرسول الأكرم في دخول شهر شعبان :
(أيها الناس أنا رسول الله إليكم، ألا إنَّ شعبان شهري، فرحم اللهُ من أعانني على شهري)
فهل يكون أحد جوانب هذا المعنى إنَّ الإعداد المحمدي لهذا الشهر هو ما كان مرتبطاً بمولد مولانا صاحب العصر والزمان (عج) ؟!! هل إن مسار تكامل الإنسان هو في إعظام وإجلال كرامة الله عز وجل في هذا الشهر الذي تتحقق بولادة سيدنا صاحب العصر والزمان (عج) ؟ !! هل هذا الإعظام والإجلال لله عز وجل ينطلق من التبعية والسير مع مولانا صاحب العصر والزمان (عج) الذي تكون ولادته في هذا الشهر؟ لعل هذا الأمر يأخذ منا المزيد من التدبر !!!
☄ السير نحو الكمال :
ونواصل الحديث من حيث توقفنا من مراتب الحياة ودرجاتها وما أشرنا إليه من معنى الحياة (وهي المرتبة الرابعة) ، ثم نحاول استنتاج علاقة ارتباط هذه الحياة بعين الحياة وهو الإمام الحجة (عج) ( السلام عليك يا عين الحياة .) .
قبل ذلك نستعرض بشكل مختصر مراتب الحياة التي تحدثنا عنها سابقًا وهي :
🔹المرتبة الأولى : الحياة الحيوانية :
ذكرنا أن أول حياة ممكن أن نتعرف عليها مما نستوحيه من كتاب الله عز وجل هي الحياة الحيوانية، وهي الدرجة التي قوامها الرغبات والإحساس والعلم الجامع للإنسان وغيره من الموجودات الحية.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) سورة المؤمنون: (12-14)
هذه الروح التي تنبعث في الإنسان وتنبعث أيضاً في سائر المخلوقات الحية الحيوانية، وإن كانت بدرجة أعلى و أكثر قدرةً وإحساسًا وعلمًا في الإنسان، ولكن تبقى هناك جهة مشتركة بينهم في هذه المرتبة من الحياة .
🔹المرتبة الثانية : الحياة الإيمانية :
ثم ذكرنا الدرجة الثانية، وهي تعتبر أن مرتبة الحياة الأولى موت بالنسبة إليها، فإذا قورنت الحياة الأولى بالحياة الثانية سنجد أن هناك فرق بين من هو فوق القبر ومن هو تحته !!
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖوَمَا أَنت َبِمُسْمِع ٍمَّن فِي الْقُبُورِ} سورة فاطر: (22) الإنسان الذي لا يسمع دعوة الله ولا يستجيب لها ولا لشريعته، ولا يؤمن بدينه ولا يتوجه للحقائق الربانية ولو بالمقدار المشترك بين الإنسان المؤمن المسلم لله عز وجل وبين سائر أفراد المسلمين، هذه الحالة المشتركة تشكل فرقًا بينه وبين الإنسان الذي تجمدت حركة وجوده على المرتبة الأولى *{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ} ..وأما الذين لا يستمعون {مَا أَنت َبِمُسْمِعٍ} هؤلاء الأموات الذين هم في القبور يكونون في مرتبة الحياة الثانية، فالإنسان إذا آمن بالله وكتابه ورسوله انفتحت له حياة غير الحياة الأولى.
🔹المرتبة الثالثة : الحياة الطيبة :
وهي حياة فوق مرتبة الإيمان الأولي وفوق مرتبة التسليم والقبول الأولي، ولا يصل الإنسان إلى هذه المرتبة إلا إذا تطابقت أعماله وسيرته ورغباته وآماله ورجاؤه وخوفه ومشاعره مع الإيمان بِالله، فصارت أعماله طبقاً للإيمان بالله عز وجل {مَن ْعَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..} سورة النحل: (97).
🔹المرتبة الرابعة :
نأتي إلى المرحلة التي توقفنا عندها وهي المرتبة الرابعة .
قال تعالى: {قالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} سورة غافر: (11) هذه الحياة الدنيا حتى وإن وفق الإنسان فيها للترقي في المعرفة، إلا أنها تبقى مقيدة بقيود الإدراك الحياتي بضيق هذه الحياة، فهي ضيقة بتماس إلتقاطها، فالإنسان في هذه الدنيا يلتقط فقط جزءًا من الوجود، ومستوى معين من الإدراك، فإذا مات وتقطعت قيود هذه الشبكة التي تحيط به من أحاسيسه ومشاعره وارتباطه بالمادة والمال والجاه، تقطعت قيود المادة والظرف والزمان والمكان وتفكك هذا النسيج المحيط به، وانطلقت روحه من هذه القيود حتى ترتقي إلى المرحلة الرابعة من مراحل الحياة، وحينها سينكشف له الحق والحقائق ويرى أهل الحق على حقيقتهم وأهل الباطل على باطلهم .
الإنسان أول ما يقابله في موته هو أنه يرى حقائق أهل الحق ومقاماتهم ومقامات الأنبياء والأولياء والأوصياء. الإنسان في أولى نقاط حركاته إلى الآخرة - سوف يلاقي قبل ذلك منكرًا ونكيرًا اللذين سيحاسبانه - سيلاقي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والأئمة الميامين عليهم السلام ؛ وهنا ستنفتح له حياة أخرى يرى فيها أن كل هذه الأمور المادية (التي كانت في الحياة الأولى) لا تساوي شيئاً .
يسأل بعضهم الإمام الصادق عليه السلام يقول: (يا ابن رسول الله الأحاديث المروية عنكم تقول إن الإنسان المؤمن لا يموت إلا الله عز وجل يسره ولا يجبره على الموت ، ونحن نرى مع ذلك المؤمن يعاني من الموت ويتمنى أن يبقى في هذه الحياة !! ) يقول الإمام صلوات الله عليه أن أول ما ينفتح بصر الإنسان في عالم الآخرة فيرى رسول الله يرحب به ويحييه، ويرى علياً عليه السلام، ويرى فاطمة و الحسن والحسين فلا تعود له رغبة للعودة إلى هذه الدنيا ولا لنعيمها وأموالها، وينفض يديه في هذه الحالة .. فهل نرى إنسانًا يفتح الله له رؤية أنوار الأولياء (عليهم السلام) ومقاماتهم ثم يرغب في العودة لهذه الدنيا ؟!!
هذا كلام الإمام الصادق صلوات الله عليه يقول بما معناه (أترى أن الإنسان إذا فتح الله عز وجل له بصره على هذه الحقائق يرغب في العودة إلى هذه الدنيا.. إلى هذا العالم المليء بالكدورات والنقائص ؟!)
المؤمن لا يموت إلا وفتحت له البصائر فيرى حياة جديدة ويبصر واقعًا جديدًا .. نعم بلا شك هذا لا يتنافى مع أن الإنسان سيحاسب على صغير عمله، وأنه سوف يشعر بالأسف والألم إذا قصر في الحقائق الدينية والشرعية، وقصر في أداء الحقائق الربانية والشريعة الإسلامية. ولكن على كل حال فإن السرور الذي يدخل قلبه حينما يرى ما عند أهل الحق من مقام وجاه ومرتبة عند الله، وأنه لاحق بهم وتابع لهم وأنه معهم ويسير إلى جوارهم (عليهم السلام) فهذه حياة جديدة ومرتبة جديدة من مراتب الحياة .و حينما نتحدث عن مرتبة جديدة من مراتب الحياة لا نتحدث عن تغير جزئي، كالفرق مثلاً بين الغني والفقير في الحياة الدنيا، أو الفرق بين المعافى والمبتلى، بل يكون كالفرق بين الأرض والسماء إلى درجة أن الروايات تنقل لنا أن هذه الحياة الدنيا اذا قورنت بما فوقها ليست إلا كالنقطة في البحر .
حينما تتبدد أوهام هذه الحياة الدنيا نحزن على فقد الإنسان المؤمن، ويحزننا فقد أحبابنا وأصحابنا وأشخاص تعلقت قلوبنا بهم، وشعرنا بالأنس معهم .. ولكن لو علمنا ما يفتح لهم من أبواب الرحمة والخير لكنا نتمنى أن نكون معهم وفي جوارهم ونقضي وجودنا في الإنضمام إليهم .
يتبع⤵