عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 12-03-2014, 04:22 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي صفات مجتمع الولاية(9)


سيّدا من السادة (9)
صفات مجتمع الولاية



بعد إقامة الدليل على ضرورة وجود القيادة في زمن الغيبة بطرح نظريتي ولاية الفقيه والشورى باعتبارهما النظريتان المعتمدتان في البحث العلمي؛ يضيف البعض نظرية شورى الفقهاء , وسنتناولها بشكل موجز :

ربما تسميتها (رؤية) أكثر دقة من تسميتها (نظرية). لأنها من جهة ولدت كرؤية بسبب حدوث بعض الملابسات الجديدة ، ومن جهة أخرى ليس لها عمق تاريخي كولاية الفقيه والشورى .

تنص نظرية شورى الفقهاء باختصار على أن لكل فقيه جامع للشرائط مقدارا من ممارسة القيادة . لكن أول ما يواجه هذه النظرية هو آلية تطبيقها . فعلى سبيل المثال في الجمهورية الإسلامية وحدها هناك أكثر من ألف مجتهد , فهل من الممكن أن يكون هناك مجلس لشورى المراجع !! ومن الذي سيكون صاحب الرأي الأخير. القائد يجب أن يكون مطاعا , وتكون له الكلمة الفصل , وقد مرّ بنا من خلال الطرح القرآني وما هو مرتكز عليه عند المتدينين -وخصوصا عندنا كشيعة– أنه لا يجتمع إمامان في مكان واحد -ونعني الإمامة بالمعنى الأعم- فالحسنان عليهما السلام – مثلا – كان كلاهما يمتلك كفاءة القيادة والكمال، مع ذلك كان الإمام هو الحسن والحسين مأموم .


الوصايا العملية المنتزعة من البحث
بعد البحث في القيادة ونظرياتها وصفات القائد لا بد من الوقوف على الطرف الآخر وهو المقود والمتّبِع فهناك مواصفات معينة تؤهل المجتمع للإمامة وفعلية الانقياد، وبها يمكن أن نسمي ذلك المجتمع (مُتّبِع). هذه الخصائص تؤهله ليكون وسطا بين الإمام وبين سائر الأمم الإنسانية ، التي بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها.


صفات المجتمع المنقاد (الموالي)
يصف الله المجتمع المنساق للقيادة (الموالي) بقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ...﴾ [التوبة: 71] فأهم مواصفات هذا المجتمع هي:

أولا الولاية:

توضح الآية أن ما يشكل عقيدة المؤمنين هو اعتقادهم بالولاية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ). والآية تتحدث عن ولاية وأمر ونهي وطاعة وانقياد، ولكن ليس بين القائد والأتباع، وإنما بين المؤمنين وبعضهم البعض. أي أن هناك ولاية طولية هي ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو المعصوم أو المجتهد الجامع للشرائط في زمن الغيبة ، ثم ولاية عرضيه بعضهم أولياء بعض, وممارسة هذه الولاية هي أشبه بالعبادة الجماعية، فمثلها مثل صلاة الجماعة المتقومة بركنين، الأول الحضور في الجماعة ، والثاني أداء الصلاة جماعة ، وعظمة ثواب صلاة الجماعة بسبب روح الانقياد الجماعي.

هذه الولاية تعني زوال كل ما هو قشر ظاهري كالذكورة والأنوثة, والفقر والغنى ... فقيمة الإنسان بإنسانيته وإيمانه واعتقاده , والمعيار والمدار هو الانقياد للتوحيد والقيادة الحقة.

والأصل في الولاية إنما هو آتٍ من ولاية المعصوم التي هي من ولاية الله سبحانه وتعالى وهي منقسمة إلى ثلاث مظاهر:

1- ولاية المحبة

أول علامات المؤمنين الذين قد حققوا فعلية الانتساب إلى ولاية الولي الحق المنصوب من قبل الله هي المحبة وإزالة الكراهة والبغض، وهي أول مرتبة من مراتب الولاية , وهي علاقة ساخنة تجمع الجميع وينسجم فيها الجميع لأن جوهر المحبة واحد ﴿... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ...﴾ [الحجرات: 7] الإيمان هو الجوهر الذي يجمعهم ويربطهم ويزينهم، وهو سر الانجذاب و التلاحم والمحبة فيما بينهم . وحين نقرأ في الدعاء " اللهم املأ قلبي حبا لك " فهو طلب أن لا يكون هناك فراغ لم يمتلئ بمحبة الله ، لأن أول آثاره ألا يحب من حوله من المؤمنين ولا يرى نفسه مسؤولا عنهم . هذا يعني أن قلبه لم يمتلئ بالتوحيد.

2- ولاية النصرة

لا يقوم مركّب المجتمع الموالي إلا بالتناصر ، أي أن يكون كلٌّ نصير للآخر ويكون بعضهم في عرض بعض، وبها تسقط كل المظاهر . وإنما كانت النصرة بعدا من أبعاد الولاية لأن طبيعة المجتمع الولائي هي الانقياد إلى الولاية، وللولاية مشروعها الكبير الذي يقتضي الدفاع عنه، ولذلك كانت المرحلة الثانية من الولاية هي مرحلة النصرة، وأي مجتمع يكثر فيه المحتاجون لنصرة مادية أو معنوية يجب أن يتأمل في مسألة صلاحيته للانقياد والولاية .

3- ولاية الحكومة

يعني أن يرضى ذلك المجتمع بولاية الأفضل والأجدر والأكفأ فيها , وهذا ثابت عندنا في الفقه , فإذا تولى الحاكم العادل وجب على جميع المسلمين طاعته سواء كانوا من مقلديه أم لم يكونوا , وإذا كان هناك حكومة عادلة فيجب أن يكون هناك ولاء لها ، ويكون الناس معنيين بالدفاع عنها , وهذا الانتماء ليس مدعاة ليعاب به الموالون لأنه ضمن مسألة عقائدية وليس له أي دخل بالوطنية.

الصفة الثانية من صفات المجتمع المنقاد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من المفترض أن يقوم جميع أفراد المجتمع المنقاد بهذه العبادة الجماعية، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومثلما أن لصلاة الجماعة روح ونفس جماعي فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك. المجتمع الموالي ينفر من المنكر من باب الحصانة والشعور بالمسؤولية ، وأي مجتمع يأنف من ممارسة هذه الوظيفة فهذا كاشف عن نقص في مقدار كأس الولاية عنده, وهو دلالة على أن هذا المجتمع لم تنتشر فيه روح الولاية , لأن روح الولاية تجعل الإنسان دائما يبحث عن الصيرورة إلى الأكمل ، و ميزة المجتمع الإيماني هي تأثير روح الفرد في صلاح المجتمع .

إن مبدأ الحركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوسط الاجتماعي هو كونها وظيفة اجتماعية متكاملة وليست فردية ليمكن حصرها على نحو الأمر والتأديب أو على نحو الرجاء والالتماس ، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع الإيماني هو وظيفة واجبة كالصلاة ، يؤديها العالم بعلمه والكاتب بكتابته والشاعر بشعره والمتمكن بإمكانياته مادية أو معنوية , وهذا المقدار من الشعور بالمسؤولية كاشف عن مقدار كبير من الصيرورة الروحية والعلمية , لأن المجتمع الذي لا يشخص المعروف والمنكر, ولا يعرف كيفية ممارسة وظيفته فكيف له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟

المجتمع الموالي مشغول بقراءة الواقع لكي يتمكن من تشخيص المعروف والمنكر , ولذلك يعزو المفسرون مجيء الفعل في الآية بالمضارعة (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إلى استمرار ذلك , لأنها ليست وظيفة مقطعية تؤدى في ظرف معين وتنتهي .

ثم إن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي وظيفة انتمائية , لأنها تتناغم والانتماء إلى التوحيد ، كما الولاية والإمامة اللتان هما امتداد للتوحيد و شأن من شؤونه ، ولا يمكن لإنسان أن يكون موحدا في آن وليس كذلك في آن آخر , وإنما يجب أن يكون الإنسان –عمليا- دائما في حال توحيد، و مظهر التوحيد و إفرازاته -إن صح التعبير- هي في تحمل المسؤولية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ذلك المشروع الكبير الذي يجب أن يُحفظ بما فيه من الإحساس بالمسؤولية.
إن قراءة المعروف والمنكر ومعرفتهما وتشخيصهما وتحديد حاجات المؤمنين وسدها ، ويجب أن يؤدى لينتهي المجتمع إلى الاتحاد في اللحمة والوحدة مقابل المنافقين الذين ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر والبعيدين عن الولاية.

الصفة الثالثة من صفات المجتمع المنقاد/ إقامة الصلاة:

إقامة الصلاة هي الفرق بين المؤمنين والمنافقين ﴿...نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ...﴾ [الحشر: 19] الصلاة معراج المؤمنين وانقطاعهم إلى الله تعالى , لكن الصلاة في سياق الآية ليس المراد بها صلاة الفرادى , وإنما هي وظيفة إقامة الصلاة جماعة ، التي نفذت فيها الروح الاجتماعية في معراجها.

فكما أن الاقتدار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقتدار علمي , فإن الحفاظ على اللحمة والوحدة دائما وما لها من آثار سياسية واجتماعية لا تتحقق إلا بإقامة الصلاة الجماعية، وهي وظيفة روحية.

يقول أستاذنا الشيخ الجوادي: لم يرد عندنا في القرآن (الذين يصلون) أو (صلوا) لأن هناك فرق بين إقامة الصلاة وبين الصلاة، فالصلاة عمود الدين وبها قوامه، وإذا كانت الصلاة غير قائمة وكانت مجرد ذكر يذكره الإنسان فإنها لن تخيف عدوا (1)، قيمة الصلاة في قوام المجتمع الإسلامي الذي يحفظ بصلاته كل آثار السيادة. وثمّة أمور تسلب الإنسان السيادة والقيادة كالغيبة والبهتان والكذب والنميمة والغش، تلك الأمور الأخلاقية التي نتعامل معها على أنها محرمات بسيطة بالإمكان أن نستغفر عنها، والحال أنها أول هادم لسيادة وقيادة أي مجتمع . فليست مشكلة المجتمع الأساسية مادية بل هي أخلاقية ، وقد شددت الروايات على مسألة الكذب والبهتان والغيبة والاستخفاف بها ، ولذلك ورد في الروايات استحباب أن يقوم المؤمن للمؤمن إذا أعطاه وأن ينظر إلى وجهه، وأنه إذا تلاقى المؤمنان فإن أقربهما إلى الله سبحانه وتعالى هو أكثرهما حبّا لأخيه. هذه الروايات ما جاءت لتعلمنا أصول التعامل الاجتماعي فحسب بل ليكون الواحد منا سيدا وليعلم أن غيره مثله كذلك له حرمته عند الله .

الصفة الرابعة من صفات المجتمع المنقاد/ إيتاء الزكاة

(وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فكل حياتهم وشيجة متداخلة (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). هذا القرب في كل جوانب حياتهم , أما في عملهم فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأما في عبادتهم فصلاتهم جماعية ، والصلاة هي التي تدفع هذه النقائص وتزيلها ، وأما في إمكانياتهم المادية فهم منسجمون ومتحدون وأموالهم لها جهة ولها مشروع تتجه باتجاهه.


المجتمع المنافق هو المعارض للقيادة :
في مقابل المجتمع الموالي هناك خصائص للمجتمع الساقط عن الاستعداد للقيادة ، والصف المعارض للقيادة الحقه وهو المجتمع المنافق . والنفاق في القرآن لا يطلق دائما على النفاق الأخلاقي بل غالبا ما يقصد به معارضة القيادة . وفي وصف ذلك المجتمع يقول تعالى ﴿ولا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54] فمن أبرز صفات المنافقين هي أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى , و ليس المقصود بالكسل هنا ما يقابل النشاط والرغبة في العبادة, لأن المنافق أصلا لا يعتقد بالله حتى يعيش حاله النشاط أحيانا وحالة الكسل الروحي أحيانا أخرى ، هذه الحالة تصيب المؤمن ، فهو مع العبادة في إقبال وإدبار , وهذه حالة طبيعية في المؤمن . ولكن المراد في الآية تفصيل لقوله ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: 13] لأن محركهم للصلاة الخوف منكم , ودافعهم هو أن يوهموا النبي والمسلمين أنهم داخل الدائرة الإسلامية لينالوا بعض المناصب والمصالح فهم مضطرون للالتزام بهذه القشور والظواهر ويأتون بها مرغمين .

إذن فأصل النفاق ومنشؤه هو عدم الانقياد والتسليم المطلق للقيادة الإلهية ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67] فبينما المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، نجد المنافقين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويخادعون الله ورسوله.
رد مع اقتباس