عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-03-2014, 04:05 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي قائد القادة أين هو اليوم؟ (5)


وجعلته سيدا من السادة وقائدا من القادة ( 5)
قائد القادة أين هو اليوم؟


ورد في زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام : " اَللّـهُمَّ إنّي أشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ الْفائِزُ بِكَرامَتِكَ، أكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السادَةِ، وَقائِداً مِنَ الْقادَةِ، وَذائِداً من الذادة..."

بعد أن تحدثنا عن مفهوم السيادة وأسلفنا أنها خصائص وشمائل واقعية ترفد القيادة وتعطي المؤهل والأحقية للتصدي للشأن القيادي العام ننتقل للبحث حول المفهوم الثالث في نص الزيارة وهو ( القيادة ) .

القيادة لغة :

القيادة تقابل الذيادة . فالذيادة هي السوْق من الخلف والطرد والإبعاد عن شيء أو محلّ , أما القيادة فهي نقيض السوْق , يقال : يقود الدابة من أمامها و يسوقها من خلفها. وقاد البعير: جرّه خلفه.

في الحديث" الْمُجْتَهِدُونَ - يعني في القرآن - قُوَّادُ أَهْلِ الْجَنَّةَ " (1) أي يسبقونهم للجنة و يجرّون غيرهم إليها . وفي حديث السقيفة: " فانطلق عمر و أبو بكر يتقاودان " (2) أي ذاهبين مسرعين كأن كل واحد منهما يقود الآخر بسرعته. والملاحظ أن السوق من الأمام عنصر مأخوذ في القيادة , ولذا فهي لا تتحقق إلا بافتراض مقود ومُساق .

ونحن لا نختلف مع سائر المسلمين حول إثبات صفة السيادة لأهل البيت عليهم السلام , ولكن الصفة التي يبدأ الانشقاق والاختلاف والتفرق حولها بحيث تكون فصلا مقوّما للمذهب الشيعي الاثني عشري هي مسألة القيادة.

ورد عن كلا الفريقين " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (3) وهذا يثبت سيادة الحسنين عليهما السلام عند كل المسلمين. ويرى الشهيد مطهري أن المسلمين لو التزموا بهذه الرواية لألزموا أنفسهم بعقائد كثيرة ، بمعنى لو أننا وقفنا على هذه الرواية فحسب فإننا سوف نثبت كل المقامات التي ندعيها للإمامين الحسن والحسين ، فكونهما سيّدي شباب أهل الجنة يعني أنهما سيدان في كل المراحل السابقة للجنة , فالإنسان يمر بمراحل الوجود من قارعة وحاقة وواقعة بما فيها هذا العالم حتى يصل إلى الجنّة التي هي عين الحقيقة. فالنبيّ بهذا لا يثبت للحسنين عليهما السلام سيادة استعدادية تحتاج لعمر من السير والسلوك في سلّم الفضائل , بل يعطيهما سيادة تكوينية تنطوي على السيادة التشريعية والاستعدادية – كما سبق وأسلفنا – (4).

إذن ليس الخلاف بين المدرسة الاثني عشرية وسائر المسلمين في سيادة الإمام لأن الرواية جاءت عن لسان النبي والإمام الحسين لم يتجاوز الست سنوات , إنما يبدأ الاختلاف من مسالة إثبات القيادة له عليه السلام . فمن المسلمات عندنا – نحن الشيعة - ان الإمام الحسين من الأئمة الاثني عشر الذين نصبهم الله سبحانه وتعالى لقيادة الأمة , واعتبر هذه نعمة عظمى على هذه الأمة , ولكنهم ﴿بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار﴾ (سورة إبراهيم:28) . واعتقادنا بالقيادة هو الفصل المقوم (5) الذي نفترق فيه عن سائر المسلمين ليس على مستوى علم الكلام والعقائد فحسب وإنما في السياسة و الإدارة وفي الشأن العام وفي قضايا الحياة . فهم يعتقدون بالانفصال بين الشؤون العلمية والقضائية والعبادية والأخلاقية وبين الشأن السياسي , وهم بعبارة موجزة يفصلون الدين عن السياسة. (6)

لقد امتاز المذهب الاثنا عشري في تأمين وضعه السياسي والاجتماعي بهذا المقوم ( القيادة ) وبقي في حالة من الضعف والضمور في المراحل التي فقد المجتمع الشيعي إحياء هذا المقوم وتثبيته .

ما هي القيادة ؟

سنتكلم عن القيادة بما يتناسب والبحث , وسيدور الكلام حول الدرجة الأولى من درجات القيادة وهي : القيادة السياسية والاجتماعية وسوق الناس لمصالحهم الواقعية .

هذه أدنى درجات القيادة بالنسبة إلى المعصوم . وإذا كانت السيادة هي خصائص باطنية فإن القيادة هي فعلية السيادة والسلوك السيادي . ولا يخفى أنه مأخوذ في القيادة التأثير على الآخرين , لذلك قلنا في بداية السلسلة أن من أهداف البحث تحديد المسافة بيننا و بين الامام الحسين (ع) .

القيادة هي المفصل و المقوّم لمدرسة أهل البيت (ع) عن بقية المدارس التي تفكك بين الدين و السياسة , وإذا فكننا بين السياسة و بقية المنظومة الدينية فسوف يُحدّ كل شيء , وسوف تصبح كل الروايات الأخلاقية والتي تتحدث عن الفضائل والشمائل كالسؤدد والحلم والبذل في دائرة ضيقة و محدودة. إن تفريغ الإسلام من قيادة أهل البيت يحوله إلى دين غير جاد , أشبه بحبر على ورق وصرف وصايا أخلاقية و مواعظ . بينما لو أدخلنا العنصر السياسي في كل هذه المنظومة فسوف تتحول إلى نظام تشريعي تنفيذي تطبيقي فتكون جادة، وتصبح ذات خطابات واقعية , فالقيادة تعني أن الله وضع منفّذاً وقائدا وسائقا لهذه القيم والأخلاقيات .

ولوضوح موقعية الإمام الحسين (ع) في تنفيذ كل الأحكام الشرعية, لاحظوا خطبة الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه في ليلة العاشر تجدونها خطبة مليئة بالنفس القيادي و الريادي و بالروح الثورية القيادية فقد خطب خطبة طويلة قال فيها : " وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَ تَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَ أَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ وَ اسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَ أَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَ حَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَ إِنِّي أَحَقُّ مَن غيَّر " (7) أي أن موقعي و دوري وخصائصي مؤهلاتي تجعلني الأحق بهذا التغيير .

هل مقام القيادة مختص بالمعصوم ؟
هناك سؤال يتولد في داخل المدرسة الشيعية مفاده : هل أن منصب القيادة مقتصر على المعصومين صلوات الله عليهم , أم أنه لهم عليهم السلام بالأصالة وبالذات ولغيرهم بأدلة أخرى ؟

وبعبارة أخرى : هل أن هذا المقام مجعول لأهل البيت (ع) كما جُعلت لهم الإمامة جعلاً خاصاً أم أن هذا المقام مثله مثل الشهادة والواسطية ؟

الجواب :

إذا حلّلنا منشأ هذا الجعل الإلهي لهم عليهم السلام سنعرف سعة دائرة هذا الموقع وهذا المقام , ومنشأ هذا الحق. و هناك بيانات كثيرة جداً لإيضاح ذلك ولكن سأكتفي بأكثرها بداهة ووضوحا .

يوجد عدة نظريات لكن أستطيع أن أقول : نحن الشيعة لدينا شبه إجماع على أن هذا المنصب ليس منصباً خاصاً , فهو للأئمة عليهم السلام على نحو الكمال ولكن نختلف في مدى تطبيق امتداد هذه القيادة في زمن الغيبة , ومن هنا اختلفت الآراء .

النظرية الأولى : نظرية ولاية الفقيه .

وهي النظرية التي نتبناها وسنقيم عليها الأدلة , ثم نعرض بقية الآراء .

لكن قبل ذلك لا بد أن نلتفت إلى نقطتين :

1- أن الأئمة عليهم السلام ما حوربوا وقتلوا و سمّوا بسبب سيادتهم بل بسبب القيادة , فكل الناس تعتقد بسيادتهم وتعرف أنهم أكمل البشر , ولكنهم لا يتبعونهم كقادة .

2- إذا قلنا أن السياسة داخلة في جميع الأحكام الاسلامية , فهل يعقل أن دينا هو آخر الأديان و شريعة تدّعي الشمولية , و أنها نازلة لكل البشر و أنها رحمة للعالمين , ثم لا يمارس فيها منصب القيادة خلال 25 سنة هي مجموع قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين و الحسنين عليهم السلام , ويجمّد هذا المنصب إلى أن يأتي الحجة عجل الله فرجه الشريف ليمارسه من جديد؟ خصوصا مع قولنا بأن هذا المنصب هو الفصل المقوم للمذهب !

بعد هاتين الملاحظتين سنستعرض أدلة نظرية ولاية الفقيه في بحث كلامي عقلي ونقلي وبأدلة بديهية سهلة بعيدة عن الصناعية والتخصص . ولا يوجد فقيه لا يقول بولاية الفقيه ، وإن كان ثمة اختلاف فهو في سعتها وضيقها وفاعليتها. (8)

إنّ معرفة نظرية ولاية الفقيه سوف تحل لنا كثير من المفردات التي نستخدمها اجتماعيًا وسياسيًا , وسأشير إلى بعض منها بقدر ما يسمح المجال .

الدليل الأول على نظرية ولاية الفقية : إحراز القدر المتيقّن

إنّ منشأ حق القيادة في زمن الغيبة هو توحيد الربوبية فلا ربوبية لأحد على أحد ولا التزام لأحد مقابل قانون ولا حكم إلا لله, وقد اختار الله سبحانه قادة معصومين لملكات ذاتية فيهم . والدليل على ولايتهم وقيادتهم هو نفسه يجري دليلا على مشروعية قيادةٍ من سنخ قيادتهم في زمن الغيبة بالقدر المتاح وهذا ما نسميه بدليل قاعدة إحراز القدر المتيقن .

هذا الدليل يستند إلى قاعدة عقلائية . هذه القاعدة تقول: إن إحراز القدر المتيقن أولى من الترك في الوصول للمطلوب , وهي قاعدة نلتزم بها في كل أعمالنا اليومية , فعندما يطلب الإنسان أمرا ما ثم لا يمكنه الحصول عليه في أعلى درجاته فهو لا يتركه تماما بل يحاول الحصول عليه وفق الظروف المتاحة . مثلا , حين يمرض الإنسان ويحتاج إلى طبيب حاذق ، ولا يجده ولكنه يجد أطباء آخرين أقل كفاءة , فالعقل يأمره بالذهاب للأطباء الموجودين , لا أن يترك العلاج بسبب عدم وجود الطبيب الحاذق . هذا معنى قاعدة الوقوف على القدر المتيقن وهي قاعدة عامة يتعاطى بها العقلاء , فإذا لم نستطع تحصيل المائة في مطلوبنا نرضى بالتسعين ثم يتضاءل العدد حتى نصل إلى الصفر .

هذه القاعدة تجري في الفقه أيضا . فلو أوقف الإنسان مالا لينفَق في مورد معين فلم يتيسر لتحقيق هذا المصرف فالعقل يقتضي أن ننزل إلى مورد قريب من المقصود للواقع . لا أن نترك أصل المسألة .

قد لا نعمل بهذه القاعدة في الأمور غير المهمة , لكن إذا كان الأمر من الأهمية بحيث أن الشرع لا يرضى بتركه كقيادة الأمة فإن مقتضى العقل يقول : بما أن المعصوم المجعول للقيادة من قبل الله جعلا تكوينيا غائب عن ممارسة القيادة فعلينا أن نبحث عن من هو أرضى للشارع من حيث الخصائص والصفات ونسلمه القيادة . لأننا نطمئن أن الشارع لا يرضى بتعطيل الأحكام ولا بتجميد السياسة ولا بأن يستولي علينا الكافرون ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ (سورة النساء:141)

شروط القيادة
والعقل يشترط في من يستلم مقام القيادة عن المعصوم ثلاث خصوصيات :

الشرط الأول/ الاجتهاد :

أي أن يتصدى للقيادة المجتهد الأعلم في الشريعة . لأنه يشغل منصب القيادة نيابة عن الإمام المعصوم الذي يملك أعلى مرتبة من العلم بالقانون والتقوى الاخلاقية والتدبير , والمتصدي في موقع المعصوم يجب أن يكون هو الأقرب من فهم الشريعة .

فمن ليس عنده ملكة الاجتهاد مهما كان ذكيا وذا إحاطة بالنصوص الشرعية فهو لن يفهم الواقع الخارجي ولن يستطيع أن يتعاطى مع الأمور والأحداث المستجدة بردّها إلى الأصول والمباني الدينية لمعرفة وجهة نظر الدين فيها , ومن لم يتقن هذه المهارة فهو قد يقع في الخطأ مهما حسنت نيته .

الشرط الثاني / العدالة :

وهي الصلاح الأخلاقي . يقول تعالى : ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ ( سورة آل عمران:102) التقوى بشكلها المطلق متوفرة في المعصوم لكن في الولي الفقيه يُبحث عن الأقرب فالأقرب إلى التقوى . والتقوى خاصية لها علاقة بالسيادة , وهي – كما ذكرنا - حصر النفس وضبطها فالقائد بالإضافة إلى كونه الأعلم يجب أن يكون الأكثر زهداً . ويجب أن لا يغلبه خوفه أو جشعة أو حفاظه على منصبه على اتخاذ الموقف الذي يطابق الواقع .

الشرط الثالث / المهارة الإدارية :

وهذه السمة تتفرع عنها مزايا كثيرة : منها الإدارة الجيدة , الصلابة والحزم , الحلم , الشجاعة , التغافل عن بعض ما لا يصح تضخيمه , والتشدد في ما ينبغي التشدد فيه .. وغيرها كثير . وهي باختصار القدرة على إدارة الناس , وهو شرط موجود في الولاية وليس موجودا في مسألة المرجعية .


يتبع
رد مع اقتباس