عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-03-2014, 03:57 PM
فاطمة الجشي فاطمة الجشي غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الجبيل
المشاركات: 47
افتراضي الوسطية للأمة دور وضمان (4)

سيدا من السادة وقائدا من القادة -3 محرم 1436هـ
الوسطية للأمة دور وضمان (4)


الحديث حول القيادة وأثرها على المجتمع, وأنها ذات طرفين قائد وأتباع, وتأثير هذين الطرفين في بعضهما، فكل منهما يصنع الآخر ويبعثه ويعينه على أداء دوره.

لقد جعل الله هذه الأمة وسطا لتكون شهيدة على الناس, ومعناه أنه سبحانه أعطاها من المخزون الروحي والمعنوي والفكري والمؤهلات ما يعينها على أداء هذه الوظيفة.

جعل الأمة وسطا يدور مدار الشهادة:
جعل الأمة وسطا يدور مدار الشهادة على أعمال الناس, وهذا المقام مطلق وممتد للأمة في كل زمان ومكان, وقد ذكرنا أنه ليس من المقامات المختصة بالرسول والأئمة عليهم السلام, فهناك مقامات محصورة فيهم مثل: الرسالة, يقول تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: 75]، ويقول: ﴿.. اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ..﴾ [الأنعام: 124], والإمامة الخاصة ﴿.. إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا..﴾ [البقرة: 124].

أما مقام العصمة مثلا فهو لا يختص بالمعصومين الأربعة عشر, فكل إنسان مصنوع من مركب إلهي خام يمكن أن يصل به عبر التكامل إلى حدّ العصمة. فبعض أصحاب الأئمة وصل إلى هذا المقام كعمار الذي يدور معه الحق حيثما دار, ولولا فتح باب العصمة لكل البشر لأغلق باب القربى.
ومن تلك المقامات غير المختصة بالمعصوم مقام الشهادة. يقول آية الله الشيخ الجوادي: لا توجد أدلة تحصر مقام الشهادة في الأئمة عليهم السلام, بل هناك أدلة تثبت إمكانية حصول ذلك في غيرهم (ع).

والقرآن مليء بالآيات التي تدل على أن مقام الشهادة مقام استعدادي منها:

الدليل الأول/ قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ [التكاثر: 5-6] أصحاب علم اليقين مطلعين على الجحيم، ليس في الآخرة والبرزخ بل في الدنيا, لأنه في الآخرة الجميع سيرى النار.

ورؤية الجحيم لأهل اليقين هي شهادة لحقائق لا يعرفها الناس, ثم إنها ليست رؤية الجحيم بسلاسلها وأغلالها وأصحابها بالمعنى العرفي, بل إن هذا الشهود هو قراءة عميقة للأفراد والمناهج والمواقف الجحيمية, ومعرفة سلاسل وأغلال جهنم التي هي وسائط الخطايا ومقدماتها, وتمييز رائحة جهنم في المواقف والخطابات والسلوك, فالأنانية والجبن وسائر الرذائل ليست إلا جحيما في الواقع. مقام اليقين وهذا الشهود ليس من المقامات العالية الرفيعة التي لا يحصل عليها إلا الأوحد من الناس, فالكثير يصل إلى قراءة حقيقة واقع السعادة والشقاء.

الدليل الثاني/ قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: 18-21] هناك مقربون يشهدون كتاب الأبرار في هذه الدنيا. هؤلاء المقربون (الشهداء) يقرؤون كتاب الأبرار. ولا يقصد بالكتاب هو الأوراق والغلاف بل الكتاب هو المكتوب. لأننا حين نقول (كتاب) فنحن نعني المعاني الموجودة في الأوراق لا نفس الأوراق, بدليل أنه لو وجدت أوراق فارغة بين دفتين لا يمكن أن يطلق عليها كتابا.

هنا نتساءل: ما لذي يشهده الأبرار؟ هل يشهدون أعمال الناس أم مصيرهم؟

يقول الشهيد المطهري: أنهم يشهدون الاثنين, لأنهما في الحقيقة يعودان إلى أمر واحد. فعمل الإنسان وعاقبته وجهان لعملة واحدة, وذلك لأن كل عمل يقوم به الإنسان ينقش آثاره على صفحة وجوده ليكون كتابا مرقوما. والمرقوم: هو الواضح البيّن المقروء. نحن نقول إذا رأينا عملا لا نعرف دوافعه وأسبابه ونتائجه (لم نقرأ الحدث) ونقصد أننا لم نفهمه. أما إذا كان الحدث واضح المعني والبواعث والمنطلقات والنتائج فهو مقروء مرقوم.

المقربون يشهدون أعمال ومصير الأبرار, فهم يرون حكمة الأبرار وشجاعتهم وآثارها في وجودهم واضحة بينة (مرقومة) تتميز عن رؤية سائر الناس.

مقام الواسطية وسيادة الجماعة في المفهوم القرآني
إن وجود هؤلاء (الوسائط) (الشهداء) في الأمة هو ما يقيم عليه الشهيد الصدر مبدأ الولاية. ويفرق رضوان الله عليه بين النظام الغربي في قيادة المجتمع وبين الجعل الإلهي الذي يعتمد على الواسطية.
مقام الواسطية جعل واقعي حقيقي كمال معنوي, أو كما عبرنا عنه آنفا بأنه صيرورة وتحول جوهري, فهو بذلك يشكل مائزا واقعيا لشهادة وسيادة الجماعة بالمفهوم القرآني عن حكم الجماعة في النظام الديمقراطي الغربي.

يقول الشهيد محمد باقر الصدر في آخر ما كتبه (الإنسان وخلافة الأنبياء):
وبهذا تتميّز خلافة الجماعة بمفهومها القرآني والإسلامي عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية، فإنّ الجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة، ولا تنوب عن الله في ممارستها، ويترتّب على ذلك أنّها ليست مسؤولةً بين يدي أحد، وغيرُ ملزمة بمقياس موضوعيٍّ في الحكم، بل يكفي أن تتّفق على شيء ولو كان هذا الشيء مخالفاً لمصلحتها ولكرامتها عموماً، أو مخالفاً لمصلحة جزء من الجماعة وكرامته ما دام هذا الجزء قد تنازل عن مصلحته وكرامته. وعلى العكس من ذلك حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف، فإنّه حكم مسؤول، والجماعة فيه ملزمة بتطبيق الحقّ والعدل، ورفض الظلم والطغيان، وليست مخيَّرةً بين هذا وذاك، حتّى إنّ القرآن الكريم يسمّي الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأنّها « ظالمة لنفسها »، ويعتبرها مسؤولةً عن هذا الظلم ومطالبةً برفضه بأيِّ شكل من الأشكال ولو بالهجرة والانفصال إذا تعذّر التغيير، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الملائِكَةُ ظَالِمِي أنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأويهُمْ جَهَنمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: 97].

قيادة الجماعة المؤمنة وقيادة الجماعة في النظام الغربي:
تتميز قيادة الجماعة المؤمنة بـ :

1- الشهادة أمام الله, أو كما يعبر الشهيد الصدر: حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف والمسؤولية، والجماعة فيه ملزمة بتطبيق الحقّ والعدل، ورفض الظلم والطغيان، وليست مخيَّرةً بين هذا وذاك. والقرآن يصف الأمة التي ترضى بالظلم بأنها ظالمة لنفسها وتستحق النار. وذلك لأن موقف هذه الأمة الراضية بسلب حقوقها لا يمثل الواسطية والجعل الإلهي ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الملائِكَةُ ظَالِمِي أنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأويهُمْ جَهَنمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: 97].

بينما الجماعة في الديمقراطية الغربية ليست واسطة عن أحد، بل هي صاحبة النظام، تحكي ذاتها ولا تنوب عن أحد في إصدار الأحكام ووضع القوانين، ولا ترى نفسها ملزمة بمقاييس موضوعية في الحكم.

2- الارتباط والتقيد: فان هذه الأمة إنما تمارس الشهادة انطلاقا من مقام الجعل كواسطة مقيّدة بإيصال ما يريده الله, فلا تعمل بهواها أو اجتهادها المنفصل عن توجيه الله بل تقدم حيث يريد الله أن تقدم.

ومثال ذلك إعلان الإمام الحسين عليه السلام على رؤوس الملأ أن يزيد شارب الخمر قاتل النفس المحترمة. كل المسلمين كانوا يعلمون ذلك، لأن يزيد كان معلنا ومجاهرا بهذه المعصية, لكن الكل كان يخشى أن يجهر بهذا الواقع لأنّ الأمر سيصل للسلطات وسيحتاج إلى تضحيات. وربما كان الواقع الخانق الذي عاشته الأمة في تلك الظروف جعلتهم -كما يعبر الشهيد الصدر- يعطون أنفسهم المبرر بعدم التصريح بذلك, ولا نستغرب من ذلك, فاليوم شبيه بالأمس، وكلنا يتابع ما يجري في الساحة.

الجناة الحقيقيون كتابهم عندنا مرقوم, ولكن من ذا الذي يمكن أن يكون واسطة لله فيعلن عنهم بالاسم والرقم والهوية خصوصا إذا كان شخصية بارزة ولها موقعها الاجتماعي؟!

لماذا لم يتحدث الإمام الحسين عليه السلام بلغة دبلوماسية وفنيّة أو يكنّي عن أهدافه من بعيد ليكون ذلك أحفظ لنفسه وعياله وشيعته وأصحابه؟ إنه لم يفعل ذلك؛ لأنه صرف واسطة لا يرى غير واجب الصدق في أداء الوساطة عن الله. ولعل هذا أحد معاني قول الحسين (ع): (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة. ثم قال: يأبى الله لنا ذلك ورسوله) فالحكم لله والأمر له ولرسوله, ولم يوكل الله للمؤمن أن يذل نفسه فضلا عن أن يتحدث بلسان الأمة ويذلها.
رد مع اقتباس