![]() |
أَرَدْتَ العِلم.. فاطلُب حقيقةَ العبوديَّة وصيَّة الإمام الصَّادق لعنوان البَصْريّ
أَرَدْتَ العِلم.. فاطلُب حقيقةَ العبوديَّة
وصيَّة الإمام الصَّادق لعنوان البَصْريّ الفقيه السيِّد محمّد حسين الطهراني قدّس سرّه «..كان المرحوم الأستاذ الكبير، عارِف القَرْن الذي لا نَظير له، بل هو حسب تعبير أُستاذنا سماحة الحاجّ السيّد هاشم: "لمْ يأتِ منذ صدر الإسلام حتّى الآن في مثل شُمول وجامعيّة المرحوم القاضي" -كان- قد أَصدَر تعليماته لتلامذته ومريديه في السَّير والسُّلوك إلى الله، أن يكتبوا رواية "عُنوان البصريّ"، ويعملوا بها من أجل تَخطّي النَّفس الأمّارة والرَّغبات المادّيّة والطَّبْعيّة والشَّهويّة والغضبيّة التي تَنشأ غالباً من الحِقْد والحِرْص والشَّهوة والغضب والإفراط في المَلذّات. أيْ أنَّ العمل وفق مضمون هذه الرِّواية كان أمراً أساسيّاً ومُهمّاً». تقدِّم «شعائر» ما كتبه الفقيه العارف الراحل السيّد «الطهراني» في هذا المجال، في كتاب (الرُّوح المجرَّد) بتصرُّف يسير. ..كان السيِّد علي القاضي يقول مضافاً إلى ذلك: «ينبغي أن تَحتفظوا بها [وصيّة الإمام الصادق عليه السلام لعنوان البَصري] في جيوبكم وتُطالعوها مرّة أو مرّتين كلّ أُسبوع». فهذه الرِّواية تَحظى بالأهمّيّة الكبيرة وتَحوي مطالب شاملة وجامعة في بَيان كيفيّة المُعاشَرة والخَلوة، وكيفيّة ومقدار تناول الغِذاء، وكيفيّة تحصيل العِلْم، وكيفيّة الحِلْم ومقدار الصَّبر والإستقامة وتحمُّل الشدائد أمام أقوال الطَّاعنين؛ وأخيراً مقام العُبوديّة والتَّسليم والرِّضا والوصول إلى أعلى ذُرْوة العرفان وقِمّة التَّوحيد. لذا، لم يَكُن المرحوم القاضي يَقبَل تلميذاً لا يَلتزِم بِمَضمون هذه الرِّواية. وهذه الرِّواية منقولة عن الإمام جعفر الصَّادق عليه السلام، وقد ذَكَرها العلّامة المجلسيّ في كتاب (بحار الأنوار). النصّ الكامل لرواية عنوان البَصْرِيّ ولمّا كانت تُمثِّل برنامجاً عمليّاً شاملاً نُقِلَ عن ذلك الإمام الهمام، لذا نوردها بألفاظها وعِباراتها بلا تصرُّف لِيَستفيد منها مُحِبّو وعُشّاق السُّلوك إلى الله تعالى. قال العلَّامة المجلسي قدِّس سرّه: «أَقُوُلُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا البَهَائِيِّ قَدَّسَ اللَهُ رُوحَهُ مَا هَذَا لَفْظُهُ: قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيّ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الفَرَاهَانِيِّ رَحِمَهُ اللَهُ، عَنْ عُِنْوَانِ البَصْرِيِّ - وكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ أَتَى عَلَيهِ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً قَالَ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إلي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَلَيهِ السَّلاَمُ المَدِينَةَ اخْتَلَفْتُ إلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ عَنْهُ كَمَا أَخَذْتُ عَنْ مَالِكٍ. فَقَالَ لِي يَوْماً: إنِّي رَجُلٌ مَطْلُوبٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لِي أَوْرَادٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلاَ تَشْغَلْنِي عَنْ وِرْدِي، وَخُذْ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَلِفْ إلَيْهِ كَمَا كُنْتَ تَخْتَلِفُ إلَيْهِ. فَاغْتَمَمْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ تَفَرَّسَ فِيَّ خَيْراً لَمَا زَجَرَنِي عَنِ الإخْتِلاَفِ إلَيْهِ وَالأخْذِ عَنْهُ. فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيهِ ثُمَّ رَجَعْتُ مِنَ الغَدِ إلي الرَّوْضَةِ [ما بين القبر الشَّريف والمنبر] وَصَلَّيْتُ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ وَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ يَا اللَهُ يَا اللَهُ! أَنْ تَعْطِفَ عَلَيَّ قَلْبَ جَعْفَرٍ وَتَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِهِ مَا أَهْتَدِي بِهِ إلي صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ! وَرَجَعْتُ إلي دَارِي مُغْتَمَّاً وَلَمْ أَخْتَلِفْ إلي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، لِمَا أُشْرِبَ قَلْبِي مِنْ حُبِّ جَعْفَرٍ. فَمَا خَرَجْتُ مِنْ دَارِي إلَّا إلي الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، حَتَّى عِيلَ صَبْرِي. فَلَمَّا ضَاقَ صَدْرِي تَنَعَّلْتُ وَتَرَدَّيْتُ وَقَصَدْتُ جَعْفَراً وَكَانَ بَعْدَمَا صَلَّيْتُ العَصْرَ. فَلَمَّا حَضَرْتُ بَابَ دَارِهِ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيهِ فَخَرَجَ خَادِمٌ لَهُ فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟! فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَى الشَّرِيفِ! فَقَالَ: هُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلاَّهُ. فَجَلَسْتُ بِحِذاءِ بَابِهِ، فَمَا لَبِثْتُ إلَّا يَسِيراً. إذْ خَرَجَ خَادِمٌ فَقَالَ: أُدْخُلْ عَلَى بَرَكَةِ اللَهِ. فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَرَدَّ السَّلاَمَ وَقَالَ: إجْلِسْ غَفَرَ اللَهُ لَكَ! فَجَلَسْتُ. فَأَطْرَقَ مَلِيَّاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: أَبُو مَنْ؟! قُلْتُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ! قَالَ: ثَبَّتَ اللَهُ كُنْيَتَكَ؛ وَوَفَّقَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا مَسْأَلَتُكَ؟! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْ زِيَارَتِهِ وَالتَّسْلِيمِ، غَيْرُ هَذَا الدُّعَاءِ لَكَانَ كَثِيراً. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: مَا مَسْأَلَتُكَ؟! فَقُلْتُ: سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَعْطِفَ قَلْبَكَ عَلَيَّ وَيَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِكَ؛ وَأَرْجُو أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَجَابَنِي فِي الشَّرِيفِ مَا سَأَلْتُهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! لَيْسَ العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقَعُ فِي قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُ؛ فَإنْ أَرَدْتَ العِلْمَ فَاطْلُبْ أَوَّلاً فِي نَفْسِكَ حَقِيقَةَ العُبُودِيَّةِ، وَاطْلُبِ العِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَاسْتَفْهِمِ اللهَ يُفْهِمْكَ! قُلْتُ: يَا شَرِيفُ! فَقَالَ: قُلْ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! مَا حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ؟! قَالَ: ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ: 1. أَنْ لاَ يَرَى العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللهُ مِلْكاً، لأنَّ العَبِيدَ لاَ يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ؛ يَرَوْنَ المَالَ مَالَ اللهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ. 2. وَلاَ يُدَبِّرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً. 3. وَجُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِي مَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ. فَإذَا لَمْ يَرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِي مَا خَوَّلَهُ اللهُ تَعَالَى مِلْكاً، هَانَ عَليهِ الإنْفَاقُ فِي مَا أَمَـرَهُ اللهُ تَعَـالَى أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ. وَإذَا فَـوَّضَ العَبْدُ تَدْبِيـرَ نَفْسِـهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ، هَانَ عَلَيهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا. وَإذَا اشْتَغَلَ العَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى وَنَهَاهُ، لاَ يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إلي المِرَاءِ وَالمُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ. فَإذَا أَكْرَمَ اللهُ العَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلاَثَةِ هَانَ عَلَيهِ الدُّنْيَا، وَإبْلِيسُ، وَالخَلْقُ. وَلاَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً وَتَفَاخُراً، وَلاَ يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزَّاً وَعُلُوَّاً، وَلاَ يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلاً. فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى؛ قَالَ الهَُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ القصص:83. قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! أَوْصِنِي! قَالَ: أُوصِيكَ بِتِسْعَةِ أَشْيَاءَ، فَإنَّهَا وَصِيَّتِي لِمُرِيدِي الطَّرِيقِ إلي اللهِ تَعَالَى؛ وَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَكَ لاِسْتِعْمَالِهِ. ثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي رِيَاضَةِ النَّفْسِ، وَثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي الحِلْمِ، وَثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي العِلْمِ. فَاحْفَظْهَا؛ وَإيَّاكَ وَالتَّهَاوُنَ بِهَا! قَالَ عُِنْوَانٌ: فَفَرَّغْتُ قَلْبِي لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا اللَوَاتِي فِي الرِّيَاضَةِ: 1. فَإيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا لاَ تَشْتَهِيهِ، فَإنَّهُ يُورِثُ الحَمَاقَةَ وَالبَلَهَ. 2. وَلاَ تَأْكُلْ إلَّا عِنْدَ الجُوعِ. 3. وَإذَا أَكَلْتَ فَكُلْ حَلاَلاً وَسَمِّ اللهَ، وَاذْكُرْ حَدِيثَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرَّاً مِنْ بَطْنِهِ. فَإنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ، فَثُلْثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلْثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنََفََسِهِ. وَأَمَّا اللَوَاتِي فِي الحِلْمِ: 1. فَمَنْ قَالَ لَكَ: إنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً، فَقُلْ: إنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً. 2. وَمَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقاً فِي مَا تَقُولُ فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي؛ وَإنْ كُنْتَ كَاذِباً فِيمَا تَقُولُ فَاللهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ. 3. وَمَنْ وَعَدَكَ بِالخَنَى [الخيانة، وفُحش الكلام] فَعِدْهُ بِالنَّصِيحَةِ وَالدُّعَاءِ. وَأَمَّا اللَوَاتِي فِي العِلْمِ: 1. فَاسْأَلِ العُلَمَاءَ مَا جَهِلْتَ؛ وَإيَّاكَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ تَعَنُّتاً وَتَجْرِبَةً. 2. وَإيَّاكَ أَنْ تَعْمَلَ بِرَأْيِكَ شَيْئاً؛ وَخُذْ بِالإحْتِيَاطِ فِي جَمِيعِ مَا تَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلاً. 3. وَاهْرَبْ مِنَ الفُتْيَا هَرْبَكَ مِنَ الأسَدِ؛ وَلاَ تَجْعَلْ رَقَبَتَكَ لِلنَّاسِ جِسْراً! قُمْ عَنِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! فَقَدْ نَصَحْتُ لَكَ، وَلاَ تُفْسِدْ عَلَيَّ وِرْدِي؛ فَإنِّي امْرُءٌ ضَنِينٌ بِنَفْسِي. وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى». (ج 1، ص 224- 226). |
احسنتم على النقل الجميل
اتمنى كل الطالبات يدخلون الموضوع ويقرؤون الوصايا يعطيكم العافية |
الهي نور قلبي بنور العلم والمعرفة .
اللهم وفقنا لطاعتك وجنبنا معصيتك ووفقنا للعمل بمضمون الرواية .
|
الساعة الآن 01:15 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.