|| منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية ||

|| منتديات حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية || (http://bntalhuda.net/vb/index.php)
-   سيرة و تاريخ (http://bntalhuda.net/vb/forumdisplay.php?f=10)
-   -   مأساة فدك- مقال تحليلي للطالبة سنية العبدالله - سنة سابعة ١٤٤٤هجري (http://bntalhuda.net/vb/showthread.php?t=34612)

ام علي 05-24-2023 10:09 PM

مأساة فدك- مقال تحليلي للطالبة سنية العبدالله - سنة سابعة ١٤٤٤هجري
 
بسم الله الرحمن الرحيم



مقال تحليلي



الجهة المعنية: حوزة بنت الهدى للدراسات الإسلامية
تحت إشراف الأستاذة: أم علي بوحليقة
اسم الطالبة: سنية عبدالمحسن العبدالله
تاريخ: ربيع ثاني عام 1444 هجري

مـــأســــــــاة فــــــــــــــــــــــــــدك

فدك أرض الصراع المغصوبة ظلماً، وهي قرية بخيبر وقيل بناحية الحجاز تبلغ مساحتها حوالي 200 كيلومتر عن المدينة المنورة، وكانت في صدر الإسلام تضم المزارع والبساتين وعيون المياه وقيل بأن فيها عين فوارة ونخيل كثيرة، وهي أرض يهودية في مطلع تاريخها المأثور، يسكنها طائفة من اليهود، ولم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة، لما نزل النبي محمد) ص( خيبر وفتح حصونها ولم يبقى منها الا الثلث، اشتد الحصار باليهود فقذف الله عز وجل الرعب في قلوبهم، فراسلوا رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إليه أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، وقيل صالحهم عليها كلها، فهي مما لم يوغل فيها بخَيل ولا رُكّاب، فكانت خالصة لرسول الله (ص) أبداً، دون أي نزاع أو إيغال فيها.
وبدأ بذلك تاريخها الإسلامي وهي ملكاً خالصاً لرسوله (ص).
وأما كيف صارت خالصة لرسوله (ص) ؟
فقد قال الله عز وجل (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة الحشر آيه 6.
أفاء الله اي رد الله ما كان للمشركين على رسوله (ص) بتمليك الله إياه منهم، أي من اليهود الذين اجلاهم (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) والمعنى ما استوليتم على تلك الأموال بخيولكم (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير) أي يمكّن الله عز وجل رسله من عدوهم من غير قتال، فجعل الله أموال بني النظير لرسوله (ص) خالصة يفعل بها ما يشاء وليست من قبيل الغنائم التي توزع على المقاتلين.
ثم قدمها النبي (ص) لإبنته الزهراء (ع) بعنوان العطية والنحلة، هدية من عنده مباركة طيبة، بأمر من الله تعالى حيث أمره بقوله (وَآتِ ذاَ القربىَٰ حَقهُ) سورة الإسراء آية 26.
وروى العلامة المجلسي عن كتاب الخرائج : فلما دخل رسول الله (ص) المدينة، بعد استيلائه على فدك دخل على فاطمة فقال: يا بنيه إن الله أفاء على أبيك بفدك واختصه بها، فهي له خاصة دون المسلمين، افعل بها ما اشاء وإنه قد كان لأمك خديجة على ابيك مهر وإن أباك قد جعلها لك بذلك وانحلكها لك ولولدك من بعدك.
وبقيت بيد الزهراء(ع) في عهد أبيها وكانت تنفق مواردها على فقراء بني هاشم وغيرهم من الفقراء حتى توفي صلى الله عليه وآله .
ومع الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول (ص) بعثوا الى فدك من أخرج وكيل فاطمة (ع) منها وأصبحت من المصادر المالية العامة وموارد الثروة يومذاك.
فجائت السيدة فاطمة (ع) اليه وقالت: لمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسوله الله بأمر من الله تعالى؟
فقال لها: هاتي بينة يابنت رسول الله، فاحتجت السيدة فاطمة (ع) بالآيات.
وأخيراً طالبوها بالشهود فشهد لها الإمام علي(ع) فطلب شاهد آخر فشهدت لها أم ايمن فقال لها: أ برجل وإمرأة تستحقينها ؟
وكانت فدك للسيدة فاطمة (ع) وبإمكانها أن تطالب بحقها من ثلاث وجوه:
الوجه الأول: انها كانت ذات اليد، أي كانت متصرفة في فدك،فلا يجوز انتزاع فدك من يدها، إلا بالدليل والبينة.
الوجه الثاني: انها كانت تملك فدك بالنحلة والعطية والهبة من أبيها.
الوجه الثالث: انها كانت تستحق فدك بالإرث من أبيها.
ولكن القوم خالفوا هذه الوجوه الثلاثة، فقد طالبوها بالبينة وطالبوها بالشهود على النحلة وأنكروا وراثة الأنبياء.
السيدة فاطمة الزهراء(ع) تستحق فدك عن الطريق النحلة وعن طريق الأرث، فلما طالبت بفدك عن طريق النحلة واقامت الشهود على ذلك صنعوا ما صنعوا.
ولما رأت السيدة فاطمة الزهراء(ع) أن القوم ابطلو شهودها الذين شهدوا لها بالنحلة، ولم تنجح مساعيها وانقطع أملها عن إقامة الأدلة والمناشدات.
جاءت تطالب حقها عن طريق الإرث، واتخذت التدابير الازمه لتقوم بأكبر حملة دعائية واسعة النطاق وهي تعلم انهم لا يخضعون للدليل الواضح والبرهان القاطع.
من الممكن ان يقال ان السيدة فاطمة الزهراء(ع) الزاهدة عن الدنيا وزخارفها والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة، مالذي دعاها الى هذه النهضة والى هذا السعي المتواصل والجهود المستمرة في طلب حقوقها؟
وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك، والإهتمام بتلك الأراضي والنخيل مع ما كانت تتمتع به السيدة فاطمة الزهراء(ع) من علو النفس وسمو المقام؟
وما الدافع بسيدة نساء العالمين أن تتكلف هذا التكليف وتتشجم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها؟
هذه أسئلة يمكن أن تتبادر الى الأذهان حول الموضوع .
والجواب:
لقد كان هدف القوم تضعيف جانب أهل البيت (ع) ومحاربة علي (ع) محاربة اقتصادية، ارادوه أن يكون فقير، حتى لا يلتف الناس حوله ولا يكون له شأن على الصعيد الاقتصادي.
وفدك من الأراضي الواسعة، وقد كانت ملأى بأشجار النخيل وتدر أرباحاً طائلة، من شأنها أن تشكل سنداً قوياً للإمام علي (ع) من الناحية المادية فيما لو أراد المضي في معارضته لهم.
وعلى كلٍ فللسيدة الزهراء(ع) هدف آخر، وهدفها تسجيل مظلوميتها في سجل التاريخ وكشف الغطاء عن أعمال القوم ونواياهم.
فقررت أن تذهب الى المسجد وتخطب خطبة تتحقق بها أهدافها الحكيمة وتبين فيها ظلامات أهل البيت من بعد رحيل والدها (ص).
فنهضت وغادرت محراب الصمت لتقول كلمتها في الذين يسرقون فدك في غمرة الليل حتى لا يسرقوا التاريخ والمستقبل في وضح النهار.
فلاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها واقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتى دخلت المسجد وهو في حشد من المهاجرين والأنصار فنيطت دونها ملائه، وخطبت خطبة ارتجاليه منظمة منسقة بعيدة عن الاضطراب في الكلام ومنزهه عن المغالطة والمراوغة والتهريج والتشنيع.
تعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة وآية باهرة تدل على جانب عظيم من الثقافة الدينية التي كانت تتمتع بها الصديقة عليها السلام.
كانت السيدة مسلحة بسلاح الحجة الواضحة والبرهان القاطع والدليل القوي المقنع وكان المسلمون الحاضرون في المسجد ينتظرون كلامها ويتلهفون الى نتيجة ذلك الحوار والاحتجاج الذي لم يسبق له مثيل الى ذلك اليوم .
فـتبدأ بـحمد الله وشكره كما يبدأ المسلمون في خطبهم ثم الشهادة والتصديق بنبوّة محمد (ص) مشيرة الى أنه (ص) أبيها مبينة للناس موقعها منه والأساس الشرعي الذي تنطلق منه.
فهي ابنة نبي الاسلام، مظهرة فضل النبي (ص) عليهم بإنقاذهم من الضلالة وإرشادهم الى طريق الهدى .
وبعد أن أنهت السيدة (ع) حديثها عن فلسفة الإسلام وعن علل الشريعة الاسلامية تنتقل للمطالبة بحقها المهضوم الذي كان تحت تصرفها منذ سنوات ثم يستولى عليه ويصادر دون مبرر شرعي .
مستغلةّ ذلك لتعرية القوم ومبينة كيفية ضربهم للأحكام الشرعية عرض الحائط، ومخالفتهم للكتاب الكريم، مستدلةّ عـلى ذلك بـآيات عديدة حيث وجهت خطابها اليه وقالت: افي كتاب الله ترث اباك ولا ارث ابي بأي قانون ترث أباك إذا مات ولا أرث أبي إذا مات هل تعتمد على كتاب الله في منعي عن إرث أبي (لقد جئت شيئا فريا) لقد جئت بافتراء عظيم وكذب مختلق على القرآن اذ يقول: (وورث سليمان داود).
وقال فيما اقتص من خبر زكريا اذ قال (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) اليس هذا تصريح بقانون التوارث والوراثة بين الأنبياء، أما كان سليمان وابنه داود من الأنبياء.
هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا نجعله مرجعا نتحاكم إليه.
وأنتم تقولون إن رسول الله (ص) قال "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" كيف يخالف رسول الله (ص) القرآن وكيف يعرض عن حكم وراثة الأنبياء.
كلا ليس الأمر كما تقولون أو كما تدعون وليس الأمر ملتبسا عليكم (بل سولت لكم أنفسكم امراً) بل زينت لكم أنفسكم حب الدنيا فنسبتم إلى رسول الله (ص) هذا الحديث حتى يتحقق هدفكم وتنالوا غايتكم (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) نصبر ونستعين بالله تعالى على تحمل هذه المآسي والمصائب.
ثم وجهت عتابها الأخير الى تلك الجماهير المتجمهرة التي كانت تستمع الى ذلك الحوار الحاد وقالت: "معاشر الناس المسرعة الى القول الباطل اذ انكم قلدتم هؤلاء القوم ما قلدتم، واتفقتم معهم على غصب حقوقي" .
وأنْ الذي يغتصب أموال الناس وحقوقهم يغتصب بطريق أولى – إذا سنحت له الفرصة - المركز الذي من شأنه أن يجعله متحكماً بأمور النـاس، وأن الذي لا يـكون أميناً على أموال الناس وممتلكاتهم كيف يكون أميناً على دمائهم ومستقبلهم.
أمام هـذه الخطبة الرائعة التي اختصرت تاريخ ظهور الدعوة وانـتشارها، والتـي تـحمل بين مفرداتها دعوة صريحة للثورة على الظـلم وإعـادة الحق الى أهله والتي تبين عدم التزام القوم بالكتاب والسنةّ وتظهر الانحراف والنفاق، خاف القوم من أن يميل النساء الى السيدة فاطمة (ع) فقام منهم خطيباً ليهدئ الجـو ويـخفف من تأثير الخطبة.
وقد أدركوا خطورة دور فاطمة (ع) وما ترمي إليه من وراء مطالبتها بفدك ومن حينها عملوا جاهدين كي لا يعيدوا إليها حقها خوفا من أن يستتبع ذلك مطالبات أخرى لا يستطيعون رّدّها.
اختارت السيدة فاطمة الزهراء (ع) لخطبتها هذا الاسلوب للبداية والنهاية إنها لم تكتف بالتركيز على مطالبة حقها فقط بل انتهزت الفرصة لتفجر للمسلمين عيون المعارف الإلهية وتكشف لهم محاسن الدين الإسلامي وتبين لهم علل الشرائع والأحكام وضمنا تهيء الجو لكلامها المقصود وهدفها المنشود.
لقد اتمت السيدة الحجة على الجميع وادت ما عليها من الواجبات وسجلت آلامها في سجل التاريخ.
ثم غادرت المسجد وقد زلزلت الأرض زلزالها .
ويستمر صوت الزهراء(ع) يضع النقاط على الحروف ويزيح عن الحقائق ظلمات.
لتبقى كلماتها في مسجد والدها العظيم حية ما تزال حتى اليوم تستفهم التاريخ والحضارة والإنسانية.
وبهذا سجل التاريخ في صفحاته اسم امرأة عظيمة من نساء الإسلام المجاهدات في سبيل الله حـيث قـضت الستة أشهر التي بقيتها بعد رسول الله (ص) في صـراع مـرير مـع الواقع لتثبتّ كثيراً من الحقائق وتنزع كـثيراً مـن المفاهيم التي علقت في أذهان الناس لتصبح رمزاً للمرأة المسلمة المجاهدة ومثلاً أعـلى يـقتدى به للوصول الى مرتبة الكـمال الإنساني .
رحـم الله بـضعة مـحمد (ص) فإنها أعطت الموقف وحددت المـنهج وهّدّت أركان الظلم والبـاطل وأنـارت الطريق للأجيال المقبلة وأثبتت أن الإسلام لا يـتعايش مع الانحراف وعلى أسـاسه تـقدر قيمة كل انسان سواء كـان رجـلاً أو امرأة.

المصادر:
• فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد (السيد محمد كاظم القزويني)
• وكانت صديقة (كمال السيد)
• فاطمة حورية الأرض (كمال السيد)


الساعة الآن 11:44 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions Inc.